وضعية العمال الأقارب لصاحب العمل في القانون اليمني
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
من أخطر الإشكاليات العملية التي تظهر عند تطبيق قانون العمل في الواقع العملي الوضعية القانونية للعمال الأقارب لصاحب العمل ، لأن قانون العمل اليمني صرح بأن قانون العمل لا يسري على العمال الأقارب لصاحب العمل، فقد نصت المادة (3) من قانون العمل على إنه (لا يسري هذا القانون على الفئات الآتية: -8- الأشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه والذين يعولهم فعلاً بصورة كاملة أياً كانت درجة القرابة).
إذ يستغل العمال التابعون المذكورون في النص القانوني السابق سيما بعض الأقارب يستغلوا ما ورد في هذا النص، اذ يتم تأويل هذا النص على: أنه بما أن النص السابق قد صرح بان العمال الأقارب الذين يعولهم صاحب العمل لا يسري عليهم قانون العمل ، وأنهم ليسوا عمالا لدى صاحب العمل،وعلى هذا الاساس فأنهم شركاء لصاحب العمل أو يستحقوا ما يسمى في اليمن بالشقية مقابل الجهد الذي بذلوه لحساب صاحب العمل.
وقد قام بعض الأقارب بالفعل بالإدعاء بموجب هذا النص، إذ قاموا بالإدعاء بالشراكة لصاحب العمل أو الإدعاء بما يسمى في اليمن بحق (الشقية) أي نسبة معينة من المشروع التجاري لصاحب العمل مقابل الجهد (الشقاء) الذي بذله العامل القريب، والدعاوى المنظورة أمام القضاء في هذا الشان كثيرة، ولذلك فان معالجة إشكالية العمال التابعين لصاحب العمل المنصوص عليهم في الفقرة (8) من المادة (3)تعد من أهم مظاهر حوكمة الشركات والموسسات في اليمن.
وسنعرض هذه المسألة في هذه المقالة بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: دراسة تحليلية للفقرة (8) من المادة (3) من قانون العمل بشأن إستثناء العمال التابعين لصاحب العمل:
نصت المادة (3) من قانون العمل اليمني على إنه (لا يسري هذا القانون على الفئات الآتية: -8- الأشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه والذين يعولهم فعلاً بصورة كاملة أياً كانت درجة القرابة).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر الآتي:
1- الاستثناء الوارد في الفقرة (8) من المادة (3) عام يشمل العمال التابعين لصاحب العمل بمن فيهم أقارب صاحب العمل، ومعنى ذلك إنه لا يشترط أن يكون العامل التابع لصاحب العمل من أقارب صاحب العمل، فقد يكون من غير الأقارب فالعبرة بالتبعية.
2- جوهر الاستثناء الوارد في الفقرة (8) من المادة (3) السابق ذكرها هو: (التبعية لصاحب العمل) الواردة في عبارة (- الأشخاص التابعين لصاحب العمل العاملين معه ) .
ولذلك من اللازم تحديد معنى هذه التبعية، وهل هذه التبعية تختلف عن تبعية العمال الآخرين لصاحب العمل، لأن تعريف العامل المذكور في المادة (2) من قانون العمل قد صرح بأن العامل بصفة عامة هو (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته...إلخ) ، ومعنى ذلك أن أي عامل لدى صاحب العمل يكون تابعاً لصاحب العمل فيما يتعلق بعمله.
وبحسب هذا المفهوم العام للتبعية لصاحب العمل فلا فرق بين العمال التابعين لصاحب العمل المذكورين في الفقرة (8) وبين غيرهم، وعندئذٍ لن تكون هناك أية فائدة من استثناء العمال التابعين المذكورين في الفقرة (8).
والظاهر ان التبعية المقررة بموجب الفقرة (8) تختلف عن تبعية العمال عامة لصاحب العمل ، وعلى هذا الاساس فان المقصود بالعمال التابعين لصاحب العمل المذكورين في الفقرة (8) هم العمال التابعون لصاحب العمل شخصياً ، فلا يتبعون المشروع المملوك لصاحب العمل، أي أن المقصود بالتبعية بالنسبة لهولاء العمال هي التبعية الشخصية لشخص صاحب العمل وليس للمؤسسة او الشركة او المحل الذي يملكه صاحب العمل، ولذلك فانه يفهم من ذلك ان المقصود بالعاملين التابعين لصاحب العمل المذكورين في الفقرة (8) هم سائق السيارة الخاصة بصاحب العمل أو السيارة العائلية لصاحب العمل او حراس منزل صاحب العمل او العاملين في منزل صاحب العمل كالخادم والسفرجي والطباخ والبستاني...إلخ، لانهم الذين يعملوا بأعمال خاصة لحساب شخص صاحب العمل.
بيد أن سائق السيارة الخاصة بصاحب العمل أو السيارة العائلية لصاحب العمل او حراس منزل صاحب العمل او العاملين في منزل صاحب العمل كالخادم والسفرجي والطباخ والبستاني التابعين لشخص صاحب العمل قد شملهم الاستثناء الوارد في الفقرة (9) من المادة (3) التي نصت على استثناء (خدم المنازل ومن في حكمهم) والمقصود بمن في حكمهم المشار اليهم في الفقرة (9) هم السائق والبستاني والطباخ وغيرهم من العاملين مع شخص صاحب العمل، وليس المشروع.
ولذلك يظل ان معنى (العمال التابعين) المنصوص عليهم في المادة (8) محل إشكالية كبيرة وخطيرة، لان قانون العمل لم يحسم هذه التبعية ، وترك هذه المسألة كي يستغلها بعض العمال التابعين لصاحب العمل ، وسوف نشير إلي خطورة هذا الوضع في موضوعه من هذه المقالة.
3- المقصود بإعالة صاحب العمل للعاملين التابعين له المذكورين في الفقرة (8) السابق ذكرها : المقصود بالإعالة هنا هو الاعالة الكاملة للعمال التابعين ، ومعنى ذلك ان يتعامل صاحب العمل مع هولاء العمال التابعين كما يتعامل مع أفراد عائلته أي انه ينزلهم بمنزلة افراد العائلة من حيث الأعالة لهم، وبحسب هذا المفهوم فأن الإعالة تتحقق بقيام صاحب العمل بتوفير السكن والغذاء والكساء والعلاج لهؤلاء العمال التابعين له شخصياً، لان النص السابق قد صرح بأن الإعالة تكون كاملة ، مما يعني أن هناك علاقة أخرى جعلت صاحب العمل يعول العمال التابعين له، كالقرابة أو القربة إلى الله تعالى، فالعلاقة بين صاحب العمل والعمال التابعين له شخصياً ليست علاقة عمل عادية نشأت بموجب عقد عمل مكتوب أو غير مكتوب بين صاحب العمل والعمال التابعين المذكور في الفقرة (8). (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل اليمني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص11).
4- مفهوم قرابة العاملين التابعين لصاحب العمل المذكورين في الفقرة (8): صرحت هذه الفقرة بأن قانون العمل لا يسري على العمال التابعين الذين يعملوا مع صاحب العمل مهما كانت درجة قرابتهم بصاحب العمل، وقد ذكرت الفقرة المشار إليها القرابة والأقارب ، لأن غالب العمال المذكورين في الفقرة المشار إليها يكونوا من أقارب صاحب العمل، لأن القرابة هي الدافع الأساس لقيام صاحب العمل بتشغيل العمال الأقارب معه وإعالتهم إعالة كاملة، فعلاقة القرابة تكون طاغية على علاقة العمل التي تنشأ بين صاحب العمل والعمال الآخرين.
وقد صرحت الفقرة المشار إليها أن الاستثناء يشمل أقارب صاحب العمل بغض النظر عن درجة قرابتهم بصاحب العمل.
الوجه الثاني: مخاطر عدم تنظيم علاقة صاحب العمل بالعمال الأقارب المنصوص عليهم في الفقرة (8) من المادة (3):
من خلال ما سبق عرضه في الوجه الأول ظهر بجلاء تام أن الفقرة (8) من المادة (3) من قانون العمل لم تحسم الجدل بشأن الوضعية القانونية للعمال التابعين ومنهم العمال الأقارب المذكورين في الفقرة (8)، سيما في ظل وجود الفقرة (9) من المادة ذاتها التي استثنت (خدم المنازل ومن في حكمهم)، وبناءً على ذلك فإن هناك خطورة حقيقية تحدق بصاحب العمل إذا لم يقم بتنظيم علاقته مع العمال الأقارب والعمال الآخرين التابعين له المذكورين في الفقرة (8)، ويمكن تلخيص أهم مظاهر خطورة عدم تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعمال التابعين له المنصوص عليهم في الفقرة (8)،كما يأتي:
1- إدعاء العمال الأقارب بأنهم شركاء لصاحب العمل في نشاطه التجاري وغيرهم، لأن قانون العمل لم يعتبرهم عمالاً ، ولذلك لا تسري عليهم أحكام قانون العمل فهم ليسوا عمال بل شركاء، ومؤدى ذلك أن هناك قوانين أخرى تنظم علاقتهم بصاحب العمل، ومن ذلك القانون المدني الذي نظم الشركة العرفية في المواد (من 661 إلى نهاية 667)، وخلاصة أحكام هذه الشركة: أنها تنشأ من غير حاجة إلى إتفاق مكتوب وإنه يصح فيها أن نكون مشاركة بعض الشركاء مجرد عمل يقوم به لحساب الشركة ، وإنه يجوز أن يكون الشريك في هذه الشركة قاصر أي عديم الأهلية أو ناقصها (الأطفال والمجانين) ، وغير ذلك، فعندما لا يقوم صاحب العمل بتنظيم علاقته بالعمال التابعين له المنصوص عليهم في الفقرة (8)بمن فيهم أقاربه فإن ذلك يتيح لهؤلاء الإدعاء لاحقا بأنهم شركاء له بموجب أحكام الشركة العرفية (شركة الواقع) المنصوص عليها في القانون المدني.
2- إدعاء العمال التابعين لصاحب العمل ومن ضمنهم الأقارب إدعائهم أو مطالبتهم بما يسمى في اليمن (الشقية) أي مقابل الجهد الذي بذلوه في سبيل تنمية وتطوير المشروع التجاري لصاحب العمل، ويتم تقدير هذه الشقية على أساس مساهمة العمل المبذول في زيادة رأس مال المشروع التجاري وتطوير أعماله، وفي غالب الحالات يتم تقدير الشقية على أساس نسبة معينة من أصول وارباح المشروع التجاري لصاحب العمل.
الوجه الثالث: كيفية تنظيم صاحب العمل لعلاقته مع العمال التابعين له المنصوص عليهم في الفقرة (8) من المادة (3) من قانون العمل:
أفضل المعالجات للإشكاليات القانونية هي المعالجات التي تعبر عن حقيقة العلاقة القائمة بين الأفراد. (فلسفة القانون، ميشيل تروبير، ص109).
ومن هذا المنطلق فأنه ينبغي على صاحب العمل أن يستحضر العلاقة الفعلية القائمة بينه وبين العمال التابعين له المنصوص عليهم في الفقرة (8) حتى يستطيع إتخاذ المعالجة القانونية الواقعية المناسبة، فمثلاً إذا كان العامل القريب مجرد عامل لدى صاحب العمل فإن المعالجة المناسبة هي أن يقوم صاحب العمل بتحرير عقد عمل فيما بينه وبين هذا العامل، حتى ينظم هذا العقد العلاقة فيما بين هذا العامل وصاحب العمل ويتضمن هذا العقد حقوق وواجبات الطرفين في العقد، وإذا كانت العلاقة الفعلية القائمة فيما بين صاحب العمل والعامل التابع له هي علاقة شراكة فأنه يجب على صاحب العمل تحديد حصة أو نسبة العامل القريب في المشروع حتى يتجنب صاحب العمل إدعاء العامل بالشراكة أو الشقية بنسبة أكبر. (محاضرات في الإشكاليات العملية لتطبيق قانون العمل، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص11).
الوجه الرابع: القرائن التي يستدل بها القضاء اليمني لتحديد نوعية العلاقة فيما بين صاحب العمل والعمال التابعين له المنصوص عليهم في الفقرة (8):
من خلال مطالعة أحكام القضاء في هذا الشأن يظهر أن القضاء يستدل في تكييف العلاقة فيما بين صاحب العمل والعمال التابعين له المنصوص عليهم في الفقرة (8) من المادة (3) يستدل القضاء بمجموعة من القرائن طالما إنه لا يجود محرر أو شهادة تحدد طبيعة هذه العلاقة، ففي هذه الحالة فإن القضاء يستدل بمجموعة قرائن من أهمها: الوقوف على المبالغ التي كان صاحب العمل يدفعها للعمال التابعين له المشار إليهم، فإذا كانت هذه المبالغ منتظمة أي تصرف شهرياً أو أسبوعياً أو كل شهرين وكانت هذه المبالغ متساوية في كل مرة يدفعها صاحب العمل فإن ذلك قرينة على أن العامل التابع القريب مجرد عامل لدى صاحب العمل وليس شريك، اما إذا كانت المبالغ المدفوعة من صاحب العمل إلى العامل التابع متفاوتة يتم دفعها في فترات متباعدة كنهاية السنة المالية أو نصف السنة أو ربع السنة، فإن العلاقة بين الطرفين شراكة وليست علاقة عامل وصاحب عمل، وكذا قرينة عدم وجود اسم العامل التابع ضمن الشركاء في الشركة النظامية المسجلة لدى الوزارة المعنية، بالإضافة إلى قرينة عدم وجود اسم العامل التابع في حساب توزيع أرباح الشركة وغير ذلك من القرائن التي يستدل بها القضاء في تحديد نوعية العلاقة بين صاحب العمل والعمال التابعين له المنصوص عليهم في الفقرة (8)، ويعد هذا التنظيم من أهم مظاهر حوكمة الشركات والمؤسسات العائلية. (التعليق على احكام المحكمة العليا، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص279). والله أعلم.
![]() |
وضعية العمال الأقارب لصاحب العمل في القانون اليمني |