إتفاق الورثة على عدم قسمة مال معين
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
لإعتبارات مختلفة يتفق الورثة عند إجراء قسمة تركة مورثهم يتفقوا على عدم قسمة مال معين أو بعض أموال التركة أو تأجيل قسمتها ، وهذا الأمر يستلزم الإشارة إلى تكييف هذا الإتفاق وبيان مدى لزومه ، وذلك في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-7-2012م في الطعن رقم (45501)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه: (فقد ظهر عدم وجود وقفية من المورث بشأن المنزل محل النزاع ، وإنما هناك إتفاق بين الورثة على عدم بيع المنزل، وهذا الإتفاق يعارض حقوق الورثة، ويؤدي إلى حرمانهم من حقوقهم الشرعية)، وقد أقر الحكم الاستئنافي الحكم الابتدائي وقضى بأن (اللازم قسمة قيمة المنزل)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد وجدت الدائرة: أن نعي الطاعنين ليس في محله ولا جدوى منه ، لأن أسباب الطعن لا تستند إلى مسوغ قانوني، وليس فيها أية حالة من حالات الطعن بالنقض المقررة في المادة (292) مرافعات)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الوضعية الواقعية لإتفاق الورثة على عدم قسمة مال معين:
من المعروف أن الورثة لا يصيروا كذلك إلا بعد تحقق وفاة مورثهم بموجب شهادة الوفاة الرسمية وثبوت صفتهم كورثة بموجب حكم إنحصار الورثة، فعندئذٍ تصير أموال مورثهم مملوكة لهم على الشيوع بحسب الفرائض الشرعية، ومقتضى ذلك أنه يجوز لهم التصرف في أموال مورثهم بالطريقة التي يتفقوا عليها، ومن ذلك إتفاقهم على قسمة بعض أموال التركة وتاجيل قسمة بعضها أو عدم قسمة بعضها.
وهناك إعتبارات عدة تدفع الورثة الى عدم قسمة بعض أموال تركة مورثهم أو تاجيل قسمتها، ومن هذه الإعتبارات: عدم قسمة منزل مورثهم حتى يبلغ القصار من الورثة أو حتى تموت أمهم إذا كان المنزل ملكاً لأبيهم أو حتى يموت أبوهم إذا كان المنزل مملوكاً لأمهم أو حتى تتزوج اخواتهم العازبات...إلخ، وقد يكون سبب الإتفاق على تاجيل قسمة بعض اموال التركة وجود نزاع بشأن تلك الاموال مع بعض الورثة أو غيرهم ، فيتم تأجيل قسمة تلك الأموال حتى يتم الفصل في النزاع ، وقد يكون سبب الإتفاق على عدم قسمة المال وجود المال في قبضة غاصب نافذ.، وقد يكون سبب الإتفاق على عدم قسمة المال محافظة الورثة على رمزية بعض الأموال مثل الإتفاق على عدم قسمة بيت العائلة أو السلاح الأبيض للمورث (الجنبية) أو السلاح الناري للمورث(المسدس والبندقية) أو الحلي الشخصية للام المورثة، وغير ذلك من الأسباب التي لا يتسع المجال لحصرها في هذا التعليق الموجز.
الوجه الثاني: التكييف الشرعي والقانوني لإتفاق الورثة على عدم قسمة مال معين من أموال تركة مورثهم:
لاريب أن تكييف إتفاق الورثة يختلف بإختلاف مضمون الإتفاق على عدم القسمة، فإذا كان الورثة قد اتفقوا على عدم قسمة مال معين مطلقاً والتنازل به لاحدهم أو بعضهم فان هذ على التصرف يكون هبة ، وإذا كان الإتفاق قد تضمن إجماع الورثة على عدم قسمة المال مطلقا وتركه للإنتفاع به من قبل المحتاج من الورثة، ومن ذرياتهم مطلقاً كان هذا الإتفاق وقفا اهليا أو ذريا، وقد يكون إتفاق الورثة (عُمري) إذا كان إتفاق الورثة قد نص على أن ينتفع بالمال شخص معين حتى يموت أو ينتهي (عمره).
كما قد ينص إتفاق الورثة على أن إنتفاع الشخص بالمال غير المقسوم إلى أجل معين مثل: حتى يبلغ الصغير أو تتزوج الفتاة، وعندئذٍ يكون هذا الإتفاق تنازل عن منفعة من الورثة للمنتفع بأن ينتفع خلال مدة الإنتفاع، ويكون الانتفاع هبة ملزمة للورثة ، لان المنفعة في قبضة الموهوب له أو المنتفع. (الوجيز في احكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص152).
الوجه الثالث: تعلق حق الغير بإتفاق الورثة على عدم قسمة المال:
إذا اتفق الورثة على تأجيل قسمة مال من أموال التركة او تجنيبه من القسمة، فيتم النظر في حكمه فإذا كان التأجيل قد تعلق به حق لأحد الورثة أو الغير فإن الإتفاق يكون ملزماً للورثة، لتعلق حق الغيربه ، فلا يجوز للورثة الرجوع عن ذلك الإتفاق، فيكون الإتفاق ملزماً للورثة وللغير الذي تعلق حقه بذلك الإتفاق، فلا يجوز للورثة التراجع عن إتفاقهم إلا إذا لم يتعلق حق الغير بذلك الإتفاق.
الوجه الرابع: الاشتراط لمصلحة الغير في إتفاق الورثة على عدم قسمة مال معين وتركه لإنتفاع شخص به:
إذا اتفق الورثة على عدم قسمة مال معين وتركه لإنتفاع أحدهم به كقاصر او تركه لإنتفاع الغير به ، فإن ذلك الاتفاق يكون من قبيل الإشتراط لمصلحة الغير الذي اجازه الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني، اما اذا كان المنتفع طرفا في الإتفاق فان الاتفاق يكون هبة منفعة او تنازل عنها.
الوجه الخامس: إتفاق الورثة على عدم قسمة مال معين لغرض آخر لا يتعلق به حق للغير:
إذا اتفق الورثة على تأجيل قسمة مال معين حتى الفصل في النزاع القائم بشأنه ، فإن هذا الإتفاق يكون ملزماً للورثة، وتنفيذاً لهذا الإتفاق فإنه يكون نافذاً حتى إنتهاء النزاع بأية طريقة سواءً تمت تسوية النزاع عن طريق التفاهم الودي أو عن طريق التحكيم او عن طريق القضاء.
وكذلك الحال حينما يتم تأجيل قسمة المال المغصوب او المال الذي يتفق الورثة على تأجيل قسمته حتى تزول ظروف معينة كالحرب في منطقة معينة ، فهذا الإتفاق ملزم، فلا تتم قسمته إلا إذا تمت إستعادة المال المغصوب او زالت الظروف التي منعت قسمة المال في منطقة معينة.
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن إتفاق الورثة على عدم قسمة مال معين من أموال التركة يكون ملزماً للجميع طالما أن حق الغير قد تعلق به أو كانت هناك ظروفا قد منعت قسمته كالغصب والحرب، اما إذا اتفق الورثة على تأجيل قسمة المال لغير سبب ومن غير أن يتعلق به حق الغير فإن هذا الإتفاق غير ملزم ، فيجوز للورثة العدول عن الإتفاق وقسمة المال طالما إنه لم يتعلق به حق للغير أو لم يوجد سبب يمنع قسمة المال مثلما كان الحال بالنسبة للقضية التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.
![]() |
إتفاق الورثة على عدم قسمة مال معين |