طعن الغير في الحكم بدعوى إلغاء القرار الإداري
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
من المعروف أن الأحكام الصادرة في دعاوى إلغاء القرارات الإدارية تكون لها حجيتها المطلقة في مواجهة الكافة أي حتى الأشخاص والجهات التي لم تكن طرفاً في الدعوى والحكم ،عملاً بالمادة (234) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أن (تقتصر حجية الاحكام على أطراف الخصومة وموضوعها وسببها وتستثنى من ذلك الأحكام الآتية لكونها ذات حجية مطلقة وهي: -2- الأحكام الصادرة في دعاوى إلغاء القرار الإداري)، ويعد هذا النص استثناءً من مبدأ نسبية حجية الأحكام الذي يعني أن الأحكام تكون حجيتها نسبية أي بالنسبة لأطرافها وموضوعها وسببها.
والحجية المطلقة للحكم في دعوى إلغاء القرار الإداري تؤدي إلى مساس هذا الحكم بحقوق ومصالح الأشخاص والجهات التي لم تكن طرفاً في هذا الحكم، ومع ذلك فإن الحق في الطعن في الحكم بدعوى إلغاء القرار الإداري مقصور على أطراف دعوى إلغاء القرار الإداري وكذا الأشخاص أو الجهات التي تتدخل في دعوى الإلغاء أو يتم إدخالها في هذه الدعوى، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-4-2013م في الطعن رقم (51413)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (حيث أن الأصل أن دعوى الإلغاء ليست دعوى بين خصوم أي (ليست شخصية) وإنما هي دعوى عينية يختصم فيها القرار المعيب ذاته، لذا فان الخصومة توجه الى الجهة التي اصدرت القرار أو من يمثلها لتلقي وجوه الطعن في القرار والدفاع عنه وإنفاذ ما تقضي به المحكمة في شأنه، وإدخال ثالث في خصومة الإلغاء أمر جوازي للمحكمة، كما أن تدخل الغير جائز في دعوى الإلغاء، وحيث أن الحجية المطلقة أو حجية الحكم على الكافة هي نتيجة منطقية لطبيعة دعوى الإلغاء العينية، وهذه الحجية لا تعني أن للغير ممن تضرر من الحكم والذي لم يتدخل أو يتم إدخاله في الدعوى (أي لم يكن طرفاً في الخصومة) الحق في الطعن على الحكم، ذلك لأن الدعوى موجهة إلى القرار الإداري في ذاته والخصم فيها هو الجهة الإدارية التي أصدرته، والمادة (273) من قانون المرافعات صريحة في عدم جواز أن يطعن في الأحكام إلا المحكوم عليهم)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: حجية الحكم الصادر برفض دعوى إلغاء القرار الإداري نسبية وليست مطلقة:
الأصل في حجية الأحكام هو نسبيتها حسبما هو مقرر في القانون اليمني والفرنسي والمصري والعراقي، ويشترط لتحقق الحجية النسبية لزوم إتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعوى، ويتمتع الحكم الصادر برفض دعوى إلغاء القرار يتمتع بالحجية النسبية، والعلة في إسباغ الحجية النسبية على الحكم الصادر برفض دعوى إلغاء القرار الاداري تكمن في أن الحكم برفض دعوى الإلغاء لا يعني أن القرار المطلوب إلغاؤه مشروع ، فإحتمال الخطأ والصواب في ذلك القرار وارد، فقد تقبل المحكمة دعوى الإلغاء من طالب آخر غير الطالب الذي قضى الحكم برفض طلبه، ولذلك فإن حجية الحكم برفض دعوى الإلغاء تكون نسبية وليست مطلقة. (حجية الاحكام القضائية الادارية ، د. اسماعيل ابراهيم البدوي ، ص124).
الوجه الثاني: الحجية المطلقة للحكم بإلغاء القرار الإداري:
الحكم بقبول دعوى الإلغاء وإلغاء القرار الإداري المطلوب إلغاؤه حكم موضوعي يتجه إلى إلغاء القرار الإداري المطعون فيه ويجعله كأن لم يكن في مواجهة الكافة وليس فقط في مواجهة أطراف الدعوى، فالحكم بإلغاء القرار الاداري يتمتع بحجية مطلقة، ومعنى ذلك أن ما قضى به حكم الإلغاء صحيح ومحقق يتم بموجبه الغاء القرار الاداري، ولذلك يمكن لأي شخص أن يحتج بذلك الحكم في مواجهة الكافة، لانه لا يشترط لقيام الحجية المطلقة للحكم بإلغاء القرار الاداري إتحاذ الخصوم والموضوع والسبب، فهذه الحجية تتصل بالنظام العام، ولذلك يحق للقاضي أن يتصدى لذلك بنفسه.
ويتمتع الحكم بالإلغاء بالحجية المطلقة على هذا النحو بسبب الطبيعة الموضوعية لدعوى الإلغاء فالطعن بالإلغاء طعن موضوعي يهدف إلى تطهير النظام القانوني من القرارات الإدارية غير المشروعة إذا تحقق للقاضي من أوجه الإلغاء أو عيوب القرار المطلوب إلغاؤه.
ويترتب على الحكم بإلغاء القرار إعدام القرار الإداري المعيب بأثر رجعي ليس بالنسبة للمدعي بالإلغاء وحده بل في مواجهة الكافة، ولذلك فأنه ليس من المنطقي أن يعد القرار معدوماً بالنسبة لشخص معين وإنما في مواجهة أي شخص آخر.
الوجه الثالث: أطراف الحكم بإلغاء القرار الإداري:
مع أن دعوى أو طلب إلغاء القرار الإداري المعيب دعوى عينية وليست شخصية موجهة لشخص معين، إذ يختصم فيها المدعي بدعوى الإلغاء يختصم القرار المطلوب إلغاؤه إلا إنه لابد من مواجهة الجهة الإدارية التي أصدرت القرار لسماع أقوالها بشأن خلفيات وإجراءات وأسباب قيامها بإصدار القرار المطلوب إلغاؤه والسماح لها بتقديم أدلتها وبراهينها وأوجه دفاعها عن ذلك القرار، ولذلك فإن الأطراف الأصلية لدعوى الإلغاء هما المدعي طالب الإلغاء وجهة الإدارة التي أصدرت القرار المطلوب إلغاؤه.
كما يجوز لكل من له صفة ومصلحة أن يتدخل في دعوى الإلغاء للدفاع عن مصلحته التي قد تتضرر من حكم الإلغاء، كما يجوز للقاضي الإداري أن يقوم بإدخال من يرى أن حكم الإلغاء سوف يضر بمصلحته حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
وعلى هذا الأساس فإن الخصوم في دعوى الإلغاء هم: المدعي طالب الإلغاء والجهة التي أصدرت القرار والمتدخل في خصومة الإلغاء والأشخاص والجهات التي يدخلها القاضي الإداري في خصومة الإلغاء، وقد سبق لنا التعليق على هذا الموضوع تفصيلاً في تعليق خاص بعنوان (التدخل والإدخال في دعوى الإلغاء).
الوجه الرابع: من يحق له الطعن في الحكم بإلغاء القرار الإداري:
سبق القول: أن الحكم بإلغاء القرار الإداري تكون حجيته في مواجهة الكافة سواءً أكانوا أطرافاً في الخصومة أم لا، ومؤدى ذلك أن حكم الإلغاء يمس مصالح الكافة، بيد أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن حق الطعن في حكم الإلغاء قاصر على من كان خصماً في خصومة الإلغاء (المدعي + الجهة المصدرة للقرار + المتدخل + من قامت المحكمة بإدخالها)، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بمثل ما قضى به القضاء العربي.
غير أن القضاء والفقه الفرنسي أكثر عدلاً من القضاء العربي، إذ يقرر القضاء والفقه الفرنسي استثناءين في هذا الشأن: الاستثناء الأول: إنه يحق للغير الذي لم يكن طرفاً في خصومة الإلغاء يحق له (الاعتراض أو المعارضة) في حكم الإلغاء وذلك امام المحكمة التي اصدرت حكم الإلغاء طالما أن لهذا الغير مصلحة في الإبقاء على القرار المحكوم بإلغائه، فإذا قبلت المحكمة الإعتراض فإن الحكم بالإلغاء يزول ويعتبر كأن لم يكن، اما الاستثناء الثاني الذي يقرره القضاء والفقه الفرنسي فيتمثل في حق الإدارة التي اصدرت القرار الاداري المحكوم بإلغائه حقها في إصدار قرار مماثل للقرار المحكوم بالإلغاء تتلافى فيه جهة الإدارة العيوب التي كانت سبباً في إلغاء القرار السابق. (رقابة القضاء على قرارات الإدارة، د. فهد الدغيش، دار النهضة العربية القاهرة، 1988م، ص386).
ولاشك أن القضاء والفقه الفرنسي قد أخذا موقفهما العادل في هذه المسألة من معين الفقه الإسلامي وتحديداً من فقه المالكية، ولذلك ظهر القضاء والفقه الفرنسي على هذا النحو من العدل والأنصاف، وبناءً على ذلك فنحن نميل إلى إختيار ما ذهب إليه القضاء والفقه الفرنسي في هذه المسألة. (تأثر القانون والفقه الفرنسي بالفقه المالكي، د. حمزة بن خدة، ص204 . وأثر فقه الإمام مالك في القانون المدني الفرنسي، د. عبد السلام أحمد فيفو، مجلة الحقوق المغربية، ص30) والله اعلم.
![]() |
طعن الغير في الحكم بدعوى إلغاء القرار الإداري |