وقف الموظف أو العامل عن العمل
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
وقف الموظف أو العامل عن العمل إجراء إحتياطي ترتب عليه أضرار مادية ونفسية ومعنوية خطيرة على الموظف أو العامل الموقوف عن العمل، لأن الوقف عن العمل يجعل العامل الموقوف عرضة للشكوك والظنون والتهم من العمال والموظفين الاخرين ومن المجتمع المحيط بالعامل أو الموظف الموقوف، ولذلك فقد احاط قانون الخدمة المدنية اليمني وقانون العمل اليمني وقف الموظف والعامل بضمانات كثيرة للحيلولة دون الوقف التعسفي للموظف أو العامل، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-4-2013م في الطعن رقم (52077)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة تجد: أن نعي الطاعن غير منتج، لأن قضاء الحكم المطعون فيه بتأييد ما قضى به الحكم الابتدائي من قبول الدعوى الإدارية من المطعون ضده وإلغاء القرار الإداري القاضي بتوقيف المطعون ضده عن العمل، لأن القرار الإداري المذكور صدر مشوباً بعيب عدم التسبيب وعيب عدم الإختصاص، لأنه صدر من مدير مكتب.... (الطاعن حالياً) ، في حين أن الإختصاص بإصداره ذلك إإقرار منعقد لمحافظ محافظة.... عملاً بالمادة (117/أ) من قانون الخدمة المدنية التي نصت على إنه: (لا يجوز توقيف الموظف أثناء فترة التحقيق إلا إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك وبموافقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة الإدارية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى وقف الموظف أو العامل عن العمل:
وقف الموظف او العامل يكون بمناسبة التحقيق الاداري في المخالفات الادارية التي تقع في جهة العمل أو جهة الادارة ،والوقف عن العمل عبارة عن إجراء إحتياطي يتم بموجبه منع الموظف أو العامل من القيام بالأعمال المسندة له بموجب قرار تعيينه أو عقد العمل معه أو بموجب نظم وتعليمات العمل.
ولما كان وقف الموظف أو العامل مجرد إجراء إحتياطي، فأنه يكون إجراء مؤقت ينتهي بإنتهاء الظرف الذي استدعى إتخاذ قرار الوقف، ويتم إتخاذ قرار وقف الموظف أو العامل عن العمل بمناسبة إحالة الموظف أو العامل إلى التحقيق الاداري لإتهامه بإرتكاب مخالفة من المخالفات التأديبية التي تستدعي توقيع الجزاء الإداري عليه.
الوجه الثاني: الآثار المترتبة على قرار وقف الموظف أو العامل:
تترتب على وقف الموظف أو العامل آثار عدة من أهمها: وقف ولايته أو صلاحياته في مباشرة أعماله المحددة له في قرار تعيينه أو في اللوائح التنظيمية او الأدلة والنظم وتعليمات العمل، ومعنى ذلك إنه يمتنع على الموظف أو العامل الموقوف القيام بأعماله بمجرد صدور قرار وقفه عن العمل، وغالباً ما يتم وقف العامل أو الموظف عن العمل بمناسبة وقوع مخالفات إدارية أو جرائم جنائية، ولذلك فإن وقف العامل او الموظف عن العمل يعني وضعه في موضع المتهم بإرتكاب تلك المخالفات والجرائم، ولاشك أن ذلك يلحق بالعامل أو الموظف الموقوف أضراراً نفسية ومعنوية ومادية جسيمة سيما إذا ثبت بعد ذلك براءة الموظف أو العامل الموقوف من التهم المسندة له. (مهارات الصياغة القانونية (مهارات التحقيق الإداري)، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص182).
الوجه الثالث: الطبيعة القانونية والإدارية لقرار وقف الموظف أو العامل عن العمل:
إذا صدر قرار وقف الموظف أو العامل عن العمل وفقاً للأحوال والإجراءات المحددة في قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية ، ووفقاً للأحوال والإجراءات المحددة في قانون العمل، فإن قرار وقف العامل أو الموظف يكون إجراءً قانونياً صحيحاً ، وهو ما يطلق عليه (الوقف القانوني للموظف أو العامل)، اما إذا صدر قرار وقف العامل أو الموظف على خلاف الأحوال والإجراءات المحددة في القانون ، فإن هذا القرار يكون معيباً بعيب موضوعي وهو مخالفته للقانون، وفي هذه الحالة يطلق عليه (الوقف التعسفي)، ولا يكون صاحب العمل أو جهة الإدارة مسئولة عن الأضرار التي تلحق بالموظف أو العامل الموقوف إذا كان الوقف قد تم في الأحوال المحددة في القانون وبحسب الإجراءات المحددة في القانون، بيد أن صاحب العمل أو جهة الإدارة تكون مسئولة عن تعويض الأضرار التي تلحق بالموظف أو العامل الموقوف إذا كان قرار وقفه عن العمل قد صدر في غير الاحوال والإجراءات المقررة في القانون.
ويتسم نظام وقف الموظف أو العامل عن العمل بالوقتية، فدوماً لا تتخذ جهة الإدارة أو صاحب العمل قرار وقف العمل إلا فترة مؤقتة ريثما تزول الظروف التي استدعت وقف العامل أو الموظف عن العمل. (مهارات الصياغة القانونية (التحقيق الإداري، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص182).
الوجه الرابع: وقف الموظف العام في قانون الخدمة المدنية اليمني:
نصت المادة (117) من قانون الخدمة المدنية التي استند إليها الحكم محل تعليقنا، نصت هذه المادة على إنه (-أ- لا يجوز توقيف الموظف أثناء فترة التحقيق إلا إذا اقتضت مصلحة التحقيق أو العمل ذلك، وبموافقة الوزير المختص أو رئيس الوحدة الإدارية –ب- يتقاضى الموظف راتبه أثناء فترة التحقيق إذا استمر في عمله اما إذا تم توقيف الموظف فأنه يتقاضى نصف راتبه أثناء فترة التحقيق التي لا يجوز أن تتعدى (4) أشهر –جـ- لا يستحق الموظف الموقوف نصف الراتب المتبقي إذا كانت العقوبة المتخذة بحقه هي عقوبة الفصل من الخدمة أو عقوبة قيد الحرية (الحبس) في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ولا يكون مطالباً في هذه الحالة بإسترداد ما صرف له أثناء فترة التحقيق).
ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر الآتي:
1- الأصل هو عدم وقف الموظف عن العمل ، والاستثناء هو جواز وقف الموظف إذا اقتضت ذلك مصلحة التحقيق أو مصلحة العمل، أي انه إذا ساورت جهة الإدارة الخشية من أن يؤثر إستمرار الموظف المحال إلى التحقيق على أدلة المخالفة والعبث بها أو إخفائها أو خشت جهة الإدارة من أن يؤدي إستمرار الموظف المحال للتحقيق في العمل إلى إستمراره في إرتكاب المخالفة أو المخالفات وتفاقم المخالفات والاضرار المترتبة عليها فانه يجوز لجهة الإدارة في هذه الحالة وقف الموظف.
2- اشترط النص السابق موافقة الوزير أو رئيس الوحدة الإدارية على وقف الموظف عن العمل، وقد عرَّف قانون الخدمة المدنية عرف الوحدة الإدارية في المادة (2) بأن المقصود بالوحدة الادارية هو : (الوزير أو رئيس المصلحة أو الهيئة العامة أو الجهاز أو ما يماثلها أو المؤسسة العامة أو المنشأة العامة أو الشركة المختلطة أو ما يماثلها وبصفة عامة كافة الوحدات الإدارية التابعة للحكومة)، وقد اشترط النص مجرد الموافقة من الوزير أو رئيس الوحدة، ولم يشترط أن يصدر قرار وقف الموظف من قبل الوزير أو رئيس الوحدة بل مجرد الموافقة على إجراء الوقف الذي سبق أن اتخذته الإدارة المختصة بالوزارة أو الوحدة، لان مصلحة التحقيق ومصلحة العمل قد تقتضي في غالب الاحيان ان نتخذ الادارة المختصة إجراء الوقف ثم تقوم الادارة المختصة بعرض الموضوع على الوزير أو رئيس الوحدة للموافقة عليه.
3- يستحق الموظف الموقوف لمصلحة التحقيق نصف راتبه.
4- إذا اسفر التحقيق عن براءة الموظف الموقوف فأنه يستحق نصف الراتب الذي سبق خصمه بسبب وقف الموظف لمصلحة التحقيق، اما إذا اسفر التحقيق عن توقيع عقوبة الفصل على الموظف الموقوف أو اسفر التحقيق عن توقيع عقوبة حبس الموظف الموقوف في جريمة مخلة بالشرف والأمانة فإن الموظف الموقوف لا يستحق النصف الآخر من راتبه الذي سبق خصمه بسبب وقف الموظف عن العمل، بيد أنه في هذه الحالة لا يجوز مطالبة الموظف الذي تم فصله أو حبسه بما سبق ان استلمه من جهة الوظيفة أي نصف الراتب الذي سبق له إستلامه قبل فصله أو الحكم بحبسه.
5- صرح النص السابق أن فترة وقف الموظف لمصلحة التحقيق يجب أن لا تزيد على أربعة أشهر من تاريخ وقف الموظف، حتى لايظل الموظف في دائرة الاتهام إلى مالانهاية.
الوجه الخامس: وقف العامل المقرر في قانون العمل اليمني:
نصت المادة (98) من قانون العمل على إنه (-1- لصاحب العمل أن يوف العامل شفوياً مدة لا تزيد عن خمسة أيام لأغراض التحقيق، ويجوز لصاحب العمل أن يوقف العامل عن العمل كتابياً مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً إذا طلبت لجنة التحقيق ذلك لما فيه مصلحة العمل أو التحقيق -2- على صاحب العمل مراعاة ما يلي قبل إتخاذ قرار التوقيف:
أ- لا يعتبر التوقيف عن العمل عقوبة بحق العامل وإنما هو إجراء إحتياطي تستوجبه ظروف العمل والتحقيق.
ب- إعادة العامل إلى عمله السابق بعد إنقضاء مدة التوقيف في حالة ثبوت براءته صراحة.
ج- صرف الأجر المتبقي للعامل أو الخصم منه في حالة البراءة.
-3- يكون في حكم التوقيف فترة إحتجاز العامل لدى الجهات المختصة في القضايا التي تتصل بالعمل او تكون بسببه، وعلى صاحب العمل الإستمرار في صرف (50%) من أجر العامل حتى يتم الفصل في قضيته.
-4- لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل تلك الفترات التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل، وفي هذه الحالة لا يستحق العامل أجره المقرر أو جزء منه إلا بموافقة صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة)، ومن خلال إستقراء ما ورد في النص السابق يظهر إنه قد ذكر أحكام وقف العامل تفصيلاً، كما انه تعرض للوقف الحكمي للعامل الذي يقع عند الحبس الاحتياطي للعامل بسبب ارتكابه لجرائم متعلقة بعمله ، وصرح النص ايضا أن العامل إذا كان احتجازه أو حبسه بسبب جرائم غير متعلقة بعمله لدى صاحب العمل فان هذا الاحتجاز لا يكون من قبيل الوقف الحكمي للعامل.
الوجه السادس: الوقف الحكمي للموظف أو العامل المحبوس لارتكابه جريمة :
عرضنا فيما سبق الوقف الحقيقي للعامل أو الموظف الذي يصدر بموجب أمر من جهة الادارة او جهة العمل عند إحالتها الموظف او العامل إلى التحقيق الاداري عند حدوث مخالفة إدارية تستدعي التحقيق الاداري.
لكن في بعض الاحيان قد يرتكب العامل أو الموظف جريمة جنائية كالسرقة وخيانة الأمانة وشرب الخمر والزنا والقتل..الخ ، فتقوم جهات الضبط كالشرطة والنيابة العامة بالقبض على العامل أو الموظف المتهم وإيداعه الحبس ، وعندئذ يكون الموظف او العامل المحبوس موقوفا عن العمل حكماً، لانه لم يعد يعمل بسبب حبسه ، فيكون موقوفا عن العمل حكما ، ففي هذه الحالة لايلزم جهة العمل أو الادارة ان تصدر امر بوقف العامل المحبوس.
وبالنسبة للعامل فقد سبق أن ذكرنا في الوجه السابق ان المادة (98) من قانون العمل قد تناولت الوقف الحكمي للعامل المحبوس أو المحتجز لدى الجهات المختصة بسبب إتهام العامل بارتكاب جرائم جنائية بسبب عمله، فقد نصت الفقرتان (4و5)من المادة (98)على أنه (3- يكون في حكم التوقيف فترة إحتجاز العامل لدى الجهات المختصة في القضايا التي تتصل بالعمل او تكون بسببه، وعلى صاحب العمل الإستمرار في صرف (50%) من أجر العامل حتى يتم الفصل في قضيته.
-4- لا يعتبر في حكم التوقيف عن العمل تلك الفترات التي يحتجز خلالها العامل لدى الجهات المختصة لأغراض التحقيق في القضايا التي لا تتعلق بالعمل، وفي هذه الحالة لا يستحق العامل أجره المقرر أو جزء منه إلا بموافقة صاحب العمل ولا يجوز فصله من الخدمة).
ومن خلال ماورد في النص السابق يظهر الاتي :
1- ان النص السابق قد تعرض للوقف الحكمي للعامل الذي يقع عند الحبس الاحتياطي للعامل بسبب ارتكابه لجرائم متعلقة بعمله كإختلاس مال صاحب العمل أو التزوير في محررات صاحب العمل أو قيام الموزع التابع لصاحب العمل بدهس عابر الطريق بسيارة التوزيع ، وصرح النص بان العامل الموقوف حكما في هذه الحالة يستحق نصف راتبه أثناء فترة إحتجازه.
2- صرح النص السابق أن العامل إذا كان احتجازه أو حبسه بسبب جرائم غير متعلقة بعمله لدى صاحب العمل مثل أن يشرب العامل الخمر خارج مقر العمل أو يقتل العامل جاره أثناء شجارهما بسبب جدار المنزل...الخ، ففي هذه الاحوال لايكون إحتجاز العامل أو حبسه من قبيل( الوقف الحكمي للعامل) ، فلا تسري عليه احكام الوقف الحكمي، وتبعا لذلك لايستحق العامل المحتجز في هذه الحالة راتبه أو نصف راتبه الا إذا اراد ذلك صاحب العمل ، بيد انه لايجوز فصل العامل عن العمل أثناء إحتجازه في هذه الحالة.
3- يقع الوقف الحكمي للعامل لأن جهة الضبط القضائي المختصة قد حبست العامل وفقا للقانون ، فلاحاجة الى قرار أو أمر من صاحب العمل .
اما بالنسبة للموظف العام الموظف المحال للتحقيق الجنائي في القضايا الجنائية كالاختلاس والسرقة والرشوة فكذلك الحال يتم وقفه عن العمل حكما أي بحكم القانون من غير حاجة إلى صدور قرار بوقفه عن العمل، والغرض من الوقف الحكمي للموظف المحال إلى التحقيق الجنائي هو المحافظة على أدلة إثبات الجرائم من العبث والضياع، وفي هذا الشأن نصت المادة (207) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الفقرة (ب) على أن (-ب- يعتبر الموظف موقوفاً حكماً اثناء فترة التحقيق الجنائي أو الحبس الاحتياطي قبل صدور الحكم مهما كانت مدته وعلى الوحدة الإدارية متابعة سرعة استكمال التحقيق واصدار الحكم).
وهذا النص يقرر صراحة ان الموظف المحال للتحقيق الجنائي أو المحبوس يكون موقوفاً عن العمل بحكم القانون من غير حاجة إلى صدور قرار من جهة الادارة بوقفه عن العمل، والله اعلم.
![]() |
في القانون اليمني |