حكم العامل لفترات متقطعة

حكم العامل لفترات متقطعة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

في بعض الحالات يستعين بعض أصحاب العمل بعمال يعملون لديهم في فترات متقطعة غير متصلة أو غير منتظمة لاتزيد الفترة الواحدة منها عن اربعة أشهر ، ويتقاضى العامل خلال كل فترة من تلك الفترات اجره وتنقطع صلته بعدها بصاحب العمل بصاحب العمل ثم يعود في فترة أخرى للعمل ثم تنتهي علاقته وهكذا، وخلال هذه الفترات لا يتعامل صاحب العمل مع العامل كما يتعامل مع العمال المنتظمين لديه، فالعامل بعمل متقطع لا ينطبق عليه مفهوم العامل المقرر في قانون العمل ولا يتمتع بالحقوق الأخرى للعمال الدائمين أو المنتظمين لدى صاحب العمل.

ويتداخل مفهوم العامل لفترات متقطعة مع مفهوم العامل الموسمي والعامل بعمل عرضي والعامل بعقد مؤقت والعامل اليومي والعامل بالساعات، وقد اشار الى العامل المتقطع الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4-2-2012م في الطعن رقم (48701)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أن الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً على نفي وجود عقد عمل من خلال ما دلل به في حيثياته من أن العلاقة متقطعة وغير مستقرة، فلا تبعية إدارية أو تنظيمية فيها، فهذه العلاقة لا تؤدي إلى إفادة الطاعن من المزايا والضمانات التي كفلها قانون العمل، خاصة أن ما كان يقوم به الطاعن لا يعتبر مساهمة مباشرة في نشاط مشروع صاحب العمل)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

 الوجه الاول: العمل المستمر والعمل المتقطع:

كي ندرك العمل المتقطع فانه ينبغي أن نشير إلى العمل المستمر: وهو العمل الذي يتم بموجب عقد عمل قد تكون مدته غير مؤقتة وان تخللته فترة إلاختبار ، لان الأصل في المادة (29) من قانون العمل أن مدة عقد العمل غير محددة ، وقد نصت الفقرة (2) من المادة (29) على ان (-2-تعتبر خدمة العامل مستمرة أثناء سريان عقد العمل دون أن يقطع تواصلها مايتخللها من إجازات قانونية باجر أو بدونه أو أي ظرف عارض آخر منصوص عليه في هذا القانون ) فالعامل اذا اجتاز فترة إلاختبار أو مضت على التعاقد معه ستة أشهر صار عاملا دائما تسري عليه احكام قانون العمل ويتمتع بالحقوق المقررة في قانون العمل.

اما العمل المتقطع: فهو العمل غير المنتظم وغير المستمر ، اذ يعمل العامل بالعمل لدى صاحب العمل في فترات متباعدة متقطعة غير متصلة أو غير منتظمة لاتزيد الفترة الواحدة منها عن اربعة أشهر ، ويتقاضى العامل خلال كل فترة من تلك الفترات اجره وتنقطع صلته بعدها بصاحب العمل بصاحب العمل ثم يعود في فترة أخرى للعمل ثم تنتهي علاقته وهكذا، وتتحدد حقوق وواجبات العامل وصاحب العمل في العمل المتقطع بحسب الإتفاق بين الطرفين في كل فترة على حدة ، ويكون هذا الإتفاق محدد المدة أي لمدة الفترة فقط ، وخلال هذه الفترات المتقطعة لا يتعامل صاحب العمل مع العامل كما يتعامل مع العمال المنتظمين لديه، فالعامل بعمل متقطع لا ينطبق عليه مفهوم العامل المستمر المقرر في قانون العمل ولا يتمتع بالحقوق الأخرى للعمال الدائمين أو المنتظمين لدى صاحب العمل.

 ويتداخل مفهوم العامل لفترات متقطعة مع مفهوم العامل اليومي والعامل الموسمي والعامل بعمل عرضي والعامل بالساعات والعامل بعقد مؤقت.

الوجه الثاني: العمل المتقطع والعمل العرضي:

سبقت الإشارة إلى أن العمل المتقطع هو عمل العامل لدى صاحب العمل لفترات متباعدة متقطعة غير متصلة ببعضها لا تصل مدة الفترة الواحدة منها إلى اربعة أشهر.

 في حين عرّف قانون العمل العمل العرضي بأنه (كل عمل لا يدخل في نشاط صاحب العمل ولا تزيد مدة إنجازه عن أربعة أشهر)، والعمل المتقطع قد يكون من قبيل العمل العرضي إذا قام العامل بعمل متقطع بعمل لا يدخل ضمن الأعمال التي تدخل ضمن نشاط صاحب العمل، مثل عامل الديكور في شركة نشاطها الأصلي تجارة الأدوية، أو مهندس تركيب معدات والآت مصنع ألبان أو مياه.

وقد صرح قانون العمل اليمني بأن قانون العمل لا يسري على العامل الذي يقوم بعمل عرضي لحساب صاحب العمل، فقد نصت المادة (3) الفقرة (ب) من قانون العمل على إنه (-ب- لا يسري هذا القانون على الفئات الآتية: -7- العاملون في أعمال عرضية).

الوجه الثالث: العمل المتقطع والعمل الموسمي:

العامل بعمل مستمر أو بصفة مستمرة ومنتظمة تزيد على اربعة أشهر : هو العامل الذي يسري عليه قانون العمل ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، اما العامل الذي يقوم بالعمل لدى صاحب العمل في فترات متقطعة كقيام العامل بالعمل لدى صاحب العمل لفترات متقطعة كل فترة منها لا تصل إلى اربعة أشهر، وبحسب هذا المفهوم فإن العامل الذي يقوم بالعمل المتقطع لا يسري عليه قانون العمل، لأن قانون العمل يصرح بأنه لا يسري على العمال الذين الذين يعملون لدى صاحب العمل بأعمال عرضية لاتزيد مدتها على اربعة أشهر .

اما العامل الموسمي فهو الذي يقوم بالعمل لدى صاحب العمل بأعمال تدخل ضمن نشاط صاحب العمل ولكن هذا العمل يكون فقط في مواسم معينة مثل العامل الذي لدى صاحب في مواسم الاعياد أو عند بدء العام الدراسي أو موسم الاختبارات أو في موسم زيادة الانتاج.

 ويتقاضى العامل الموسمي خلال موسم عمله اجره من صاحب العمل ، فاذا انتهى الموسم انتهت علاقة العامل الموسمي بصاحب العمل ، ثم يعود قد العامل الموسمي للعمل لدى صاحب العمل في موسم اخر.

ومع أن قانون العمل اليمني لم يذكر العمال الموسميين ضمن الفئات المستثناة من الخضوع لقانون العمل إلا أن الموسم حسبما هو معروف لاتزيد مدته على اربعة اشهر ،فاذا استمر العامل الموسمي في عمله بعد انقضاء اربعة أشهر فانه لم يعد عاملا موسميا بل عاملا دائماً يسري عليه قانون العمل.

ويتفق العمل المتقطع مع العمل الموسمي في ان عمل العامل في النوعين غير منتظم ، وأن قانون العمل لايسري عليهما طالما ان مدة العمل فيهما لم تصل إلى اربعة اشهر ، بيد ان العمل المتقطع يختلف عن العمل الموسمي ، اذ ان العمل الموسمي يدخل غالباً ضمن النشاط التجاري أو الاقتصادي لصاحب العمل في حين ان العمل المتقطع قد لايدخل غالباً ضمن النشاط التجاري لصاحب العمل.

الوجه الرابع: العمل المتقطع والعمل بالأجر اليومي :

العمل بالاجر اليومي هو الذي يقوم فيه العامل بالعمل لدى صاحب العمل مقابل اجر يومي قد يتم دفعه للعامل يوميا أو اسبوعيا ، فاجر العامل في هذا النوع يتحدد على أساس اليوم وليس الشهر ، ويسري قانون العمل على العمل اليومي طالما ان العامل استمر في العمل لمدة اربعة أشهر متصلة، ويشابه العمل اليومي العمل المتقطع من ناحية انه عمل غير منتظم أو دائم مع صاحب العمل طالما لم يستمر حتى اربعة أشهر.

الوجه الخامس: العامل بالساعات والعمل المتقطع:

في بعض الحالات يتم التعاقد مع بعض الأشخاص للعمل لدى صاحب العمل لساعات معينة في بعض الايام أو في الأيام كلها، فاذا استمر هذا العامل في عمله هذا لمدة تزيد على اربعة أشهر فيسري عليه قانون العمل طالما أن العامل بالساعات متفرغ لهذا العمل لدى صاحب العمل ، اما إذا لم يكن العامل متفرغا للعمل لدى صاحب العمل وكان يعمل لدى اكثر من جهة مثل اساتذة الجامعة والاطباء الذين الذين يعملوا لدى اكثر من جهة فلايسري عليهم قانون العمل.

الوجه السادس: العمل المتقطع وتعريف العامل في قانون العمل:

سبق القول أن العمل المتقطع هو ان يعمل العامل لدى صاحب العمل لفترات متقطعة لا تصل الفترة الواحدة منها إلى اربعة أشهر، اما تعريف العامل فقد عرّفت المادة (2) من قانون العمل العامل بأنه (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الإختبار والتدريب) ويفهم من هذا النص أن العامل لفترات متقطعة لا ينطبق عليه مفهوم العامل ، لأنه لا يكون تحت إدارة صاحب العمل إلا في الموسم أو الفترة التي يعمل فيها العامل.

الوجه السابع: الفرق بين العمل العرضي والعمل الموسمي والعمل المتقطع:

سبق أن ذكرنا أن العمل العرضي هو العمل الذي لا يدخل ضمن النشاط التجاري الذي يقوم به صاحب العمل وان هذا العمل لا تزيد مدته عن أربعة أشهر، وسبق أن ذكرنا أن العمل الموسمي هو قيام العامل بالعمل لدى صاحب العمل في مواسم معينة مثل أيام رمضان أو أيام العيد أو في بداية العام الدراسي أو في موسم الطلب على سلعة أو منتج معين، وبعد إنتهاء هذا الموسم تنتهي علاقة العامل بصاحب العمل بعد إنتهاء الموسم ومن المعروف ان الموسم لايستمر لمدة تزيد على اربعة اشهر، والعمل الموسمي يختلف عن العمل العرضي ،لأن العمل الموسمي يدخل غالباً في عمل أو نشاط صاحب العمل، غير أن قانون العمل اليمني لم يحدد مدة معينة للعمل الموسمي، ومع ذلك فأنه بالإمكان إلحاق العمل الموسمي بالعمل العرضي من حيث مدته، أي أن لا تزيد مدة العامل بعمل موسمي على أربعة أشهر قياساً على العمل العرضي،لان الموسم لاتزيد مدته عن اربعة أشهر ، وبناءً على ذلك فإن قانون العمل لا يسري على العمل الموسمي الذي تقل مدته على أربعة أشهر.

الوجه الثامن: العمل المتقطع وفترة الاختبار:

حدد قانون العمل اليمني مدة الاختبار عند التعاقد مع العامل لاول مرة بانها لاتزيد على ستة اشهر حسبما هو مقرر في المادة (28) من ذلك القانون ، ويفهم من المادة (28) من قانون العمل التي نصت على ان فترة الإختبار لا تزيد على ستة أشهر يفهم من ذلك أن العامل لا يكون مثبتاً في عمله إلا بعد إنقضاء مدة ستة أشهر أي انه لايكون عاملا ثابتا الا بعد انقضاء تلك المدة، بيد أن العمل المتقطع يختلف عن العامل في فترة الاختبار ، فالعامل في فترة الاختبار يسري عليه تعريف العامل المنصوص عليه في المادة (2)من قانون العمل التي عرفت العامل بأنه (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الإختبار والتدريب).

الوجه التاسع : العمل المتقطع والعمل المؤقت:

عرفت المادة من قانون العمل اليمني العمل المؤقت بانه (العمل الذي تقتضي طبيعة إنجازه مدة محددة أو الذي ينصب على عمل بذاته وينتهي بإنتهائه) ويظهر من هذا التعريف ان العمل المؤقت تقتضي طبيعته ان ينتهي هذا العمل بإنجاز العمل المؤقت ، وعندها تنتهي العلاقة بين العامل وصاحب العمل، فلايستمر هذا العمل بعد تمامه، ولم يحدد القانون مدة معينة للعمل المؤقت ، ولذلك فانه ينتهي بإنجاز العمل سواء طالت المدة ام قصرت ، وبحسب هذا المفهوم فأن العمل المتقطع يختلف عن العمل المؤقت ،لان العمل المتقطع لاتزيد الفترة الواحدة فيه على اربعة اشهر في حين ان طبيعة العمل المؤقت قد تستدعي أن تكون مدة إنجاز العمل المؤقت اكثر من اربعة اشهر. (محاضرات في عقد العمل المؤقت ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص9)، والله اعلم.