مقتضيات إلزامية التأمين الاجتماعي على الموظفين والعمال
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
لإعتبارات شرعية وقانونية وإجتماعية وإقتصادية واخلاقية أوجبت القوانين في دول العالم كافة أوجبت وجعلت نظام التأمينات والمعاشات والتامين الاجتماعي على الموظفين والعمال إلزاميا، فجعلته إلزامياً سواءً على الموظف أو العامل نفسه أو الجهة التي يعمل لديها الموظف أو العامل بل على الخزينة العامة للدولة (وزارة المالية والبنك المركزي).
ولاريب أن لهذه الإلزامية مقتضيات عدة منها: أن نظام التأمينات والمعاشات أو التامين الاجتماعي واجب وليس حقاً، ومؤدى ذلك إنه لا يجوز للموظف أو العامل أو لجهة عمله الإتفاق على خلاف ما قرره قانون التأمينات والمعاشات أو قانون التامين الاجتماعي، ولاتجوز الزيادة أو النقصان في مقادير الإشتراكات التامينية أو المعاشات التعاقدية، كما ان نصوص وأحكام قانون التأمينات والمعاشات وقانون التامين الاجتماعي ملزمة للموظف والجهة الإدارية التي يعمل بها وهيئة التأمينات والمعاشات ومؤسسة التامينات الاجتماعية والخزينة العامة للدولة.
وبما أن نظام التأمينات والمعاشات والتامين الاجتماعي إلزامي فأن القانون قد حدد إلتزامات الأطراف المعنية به وهي (الموظف أو العامل/ جهة عمل الموظف أو العامل/ هيئة أو مؤسسة التامينات/الخزينة العامة للدولة).
وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر من الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-12-2011م في الطعن رقم (47899)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالدائرة تجد: أن نعي الطاعنة مردود عليه بما ورد في المادة (6) من قانون التأمينات والمعاشات التي نصت على أن (يكون التأمين وفقاً لأحكام هذا القانون إلزامياً)، ومؤدى ذلك ما يأتي: -1- أن نظام التأمين لا شأن لإرادة الأطراف به ولا يخضع لأحكام عقود التأمين الرضائي المنصوص عليها في القانون المدني -2- أن التأمين بمقتضى قانون التأمينات والمعاشات ولائحته التنفيذية يكفل حق المؤمن عليه ولا يتأثر حقه بتخلف جهة عمله عن واجباتها وإلتزاماتها ولا بتقاعس الهيئة عن متابعة الجهات في تحصيل الإشتراكات المقررة في القانون أو الرجوع عليها إذا قامت بتسديد المستحقات المقررة في القانون الى المستفيد -3- أن المادة (23) من قانون التأمينات والمعاشات قد قررت كيفية إحتساب معاش التقاعد على أساس الأجر الكامل الأخير (الراتب + البدلات) -4- انه لا شأن لهيئة التأمينات في تحديد الأجور أو زيادتها، فلا يحق للهيئة أن تشترط صدور الإذن منها في زيادة الأجور والرواتب -5- أن قانون التأمينات والمعاشات قد تضمن تحديد موارد صندوق التأمينات والمعاشات فهي ليست محصورة في إشتراكات المؤمن عليهم وجهات أعمالهم بل هناك مصادر أخرى منها ريع إستثمار أموال الصندوق لتغطية إلتزاماته تجاه المؤمن عليهم بل أن القانون حمل الخزانة العامة للدولة أي عجز قد يظهر في أموال الصندوق ويكون من شأنه عدم الوفاء بإلتزاماته حسبما ورد في المادة (77) من قانون التأمينات -6- ما دام قانون التأمينات هو الذي حدد إلتزامات جهة العمل وإلتزامات الهيئة فأنه لا يجوز إطلاقاً الإعتداد بأية إتفاقات تعدل من أحكام القانون تؤدي إلى المساس بحقوق الموظفين المؤمن عليهم -7- أن قانون التأمينات واجب التطبيق مهما كانت الإعتبارات لدى الهيئة التي يحق لها أن تقترح إدخال التعديلات التي تراها على القانون دون أن يعطيها ذلك الحق في إجراء تعديلات على المراكز القانونية المقررة في القانون النافذ)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: مفهوم التأمين الإلزامي الذي تقوم به الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة التامينات الاجتماعية:
تقوم باليمن الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات بتنفيذ قانون التأمينات والمعاشات على موظفي الدولة وعمالها المعنيين في وظائف دائمة وكذا موظفي القطاعين العام والمختلط والمعارين رسمياً للعمل في هيئات أو منظمات عربية وأجنبية وكذا شاغلي الوظائف العليا وأعضاء السلطة القضائية والسلك الدبلوماسي والقنصلي حسبما ورد في المادة (3) من قانون التأمينات والمعاشات اليمني.
في حين تباشر المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية تنفيذ قانون التأمينات الإجتماعية على العمال العاملين في القطاع الخاص، وهناك أيضاً تأمين إجتماعي خاص بأفراد وضباط القوات المسلحة بموجب القانون الخاص بهم.
والتأمين الإجتماعي المقرر بموجب قانون التأمينات والمعاشات المقرر على موظفي الدولة وغيرهم إلزامي حسبما هو مقرر في المادة (6) من القانون التي نصت على أن (يكون التأمين وفقاً لأحكام هذا القانون إلزامياً)، وقد استند الحكم محل تعليقنا إلى هذا النص، وكذلك يكون التامين الاجتماعي على العمال في القطاع الخاص الزاميا بموجب المادة (9) من قانون التامينات الاجتماعية التي نصت على ان (يكون التامين في المؤسسة الزاميا بالنسبة لاصحاب الاعمال والعمال الذين تسري عليهم احكام هذا القانون).
ومعنى ذلك أن التأمين الإجتماعي المقرر بموجب القانونين المشار إليهما ملزم للكافة بمن فيهم الموظف أو العامل والجهة التي يعمل لديها والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتامينات والاجتماعية والخزينة العامة للدولة ( الخزينة العامة هي : وزارة المالية/ البنك المركزي اليمني).
وتعني أيضاً إلزامية التأمين الإجتماعي المقرر بموجب القانونين المشار إليهما أن التأمين الإجتماعي واجب على الموظف والعامل والجهة التي يعمل بها والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتامينات الاجتماعية والخزينة العامة للدولة، ومؤدى ذلك أنه يجب حمل هذه الأطراف أو الجهات على العمل بمقتضى قانون التأمينات وتنفيذ أحكامه ونصوصه، فالتأمين الإجتماعي واجب وليس حقاً ، ولذلك لا يجوز للموظف أو العامل التنازل عنه ،كما لا يجوز ذلك بالنسبة للجهات الأخرى كما لايجوز الإتفاق على خلاف ماورد في القانون.
ويستتبع ذلك أن أي جهة تتخلف عن تنفيذ قانون التأمينات والمعاشات أو قانون التامينات الاجتماعية تكون عرضة للمسائلة القانونية بأنواعها المختلفة (المسائلة الجزائية/ المسائلة الإدارية/ المسائلة المدنية).
الوجه الثاني: اغراض التأمين الإجتماعي على الموظفين والعمال:
نصت المادة (5) من قانون التأمينات والمعاشات اليمني على أن (يشمل هذا القانون مجالات التأمين التالية: -أ- تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة –ب- التأمين الصحي وإصابات العمل)، كذلك نصت المادة (36) من قانون التامينات الاجتماعية على أن (تشمل حقوق العامل المصاب التعويض والمعاش في حالة العجز المستديم والمعاش في حالة وفاة المؤمن عليه ).
ومن خلال إستقراء النصين السابقين يظهر البعد الديني والإجتماعي والإنساني والأخلاقي والإقتصادي للتأمين الإجتماعي على الموظفين والعمال المشمولين بقانون التأمينات والمعاشات وقانون التامينات الاجتماعية، فأغراض القانونين المشار إليهما هو تحقيق مقاصد شرعية وإجتماعية تكفل رعاية العجزة والمصابين والمرضى من الموظفين والعمال المشمولين بالتامين إضافة إلى رعاية من كانوا يعولونهم أثناء حياتهم، ولذلك فإن التأمين الإجتماعي المقرر في قانون التأمينات والمعاشات وقانون التامينات الاجتماعية يحقق مقاصد الدولة في مكافحة مخاطر الفقر والعوز والعجز والمرض لما في ذلك من حماية لأمن الدولة الإجتماعي، ويعد هذا من ضمن الأسس التي قامت عليها فكرة التأمين الإجتماعي على الموظفين في الدولة والعمال في القطاع الخاص.
الوجه الثالث: المركز القانوني للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتامينات الاجتماعية ومسئولياتهما:
نصت المادة (98) من قانون التأمينات والمعاشات اليمني على أن (تتولى الهيئة تنفيذ أحكام هذا القانون واللوائح والأنظمة الصادرة بموجبه)، وكذا نصت المادة (11)من قانون التامينات الاجتماعية على أن (تتولى مؤسسة التامينات الاجتماعية تطبيق الاحكام المنصوص عليها في قانون التامينات الاجتماعية)، وهذان النصان صريحا في أن الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات ومؤسسة التامينات الاجتماعية هما المسئولتان عن تنفيذ القانونين المشار إليهما.
ومقتضى مسئولية الهيئة والمؤسسة أن مسئوليتهما لا تقتصر على تنفيذ القانون داخل أورقة الهيئة أو المؤسسة وإنما يتسع نطاق مسئوليتهما ليشمل بسط رقابتهما وإشرافهما على الجهات المشمولة بالقانون لضمان إلتزام تلك الجهات بتنفيذ القانون بل وحملها على تنفيذ نصوص وأحكام القانون.
فالهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتامينات الاجتماعية ليستا مجرد متلقي للإشتراكات التأمينية بل هما مسئولتان عن الرقابة والإشراف على الجهات المشمولة بالقانون لضمان إلتزامها وتنفيذها لأحكام القانون، فالهيئة أو المؤسسة هما المسئولتان عن قيام الجهات بتوريد الإشتراكات التأمينية لأي موظف أو عامل مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: لا يجوز إنقاص المعاش التقاعدي بسبب عدم قيام الجهة التي يعمل بها الموظف أو العامل بتوريد الإشتراكات التأمينية:
كان جانب من النقاش الذي أشار إليه الحكم محل تعليقنا بشأن هذه المسألة، فالواجب على الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات أن تدفع للموظف المتقاعد المعاش التقاعدي إذا اكمل الموظف أو العامل المؤمن عليه خمس وثلاثين سنة كاملة خدمة فعلية أو إذا بلغ ستين سنة وكانت مدة خدمته الفعلية خمس عشرة سنة ففي هاتين الحالتين وغيرهما من الحالات المقررة في المادة (19) من القانون ففي هذه الأحوال يجب على الهيئة العامة للتأمينات أن تدفع للموظف المتقاعد معاشه التقاعدي المقرر في المادة (22) من القانون التي نصت على أن (يحسب معاش التقاعد بواقع 1-420 جزء من أربعمائة وعشرون جزء من الأجر الكامل (الراتب الأساسي + البدلات) عن كل شهر من شهور الخدمة الفعلية وفي حساب مدة الخدمة تجبر كسور الشهر إذا زادت عن النصف وتهمل أن قلت عن ذلك)، فيجب على الهيئة العمل بمقتضى هذا النص ودفع المعاش التقاعدي على النحو المبين في النص السابق، فلا يجوز للهيئة إنقاص المعاش التقاعدي للموظف المحال للتقاعد بذريعة عدم قيام جهة عمله بتوريد بعض إشتراكات التأمين، لأن من واجب الهيئة متابعة الجهات على توريد الإشتراكات بل إنه يجوز للهيئة حجز أموال أية جهة لا تورد الإشتراكات التأمينية على موظفيها وفقاً للمادة (75) من القانون التي نصت على إنه (يجوز للهيئة عبر القضاء طلب حجز أموال أية جهة عمل ذات ذمة مالية مستقلة لا تلتزم بتسديد المبالغ المستحقة للهيئة والمقررة وفقاً لأحكام هذا القانون وتحمل جهة العمل المصاريف القضائية).
علاوة على أن القانون صريح في أن الموظف المحال للتقاعد لا يتحمل نتيجة تقصير الجهة التي كان يعمل فيها حسبما هو مقرر في المادة (7) من القانون التي نصت على إنه (لا يجوز تحميل المؤمن عليه أي نصيب من نفقات التأمين غير المنصوص عليها في هذا القانون).
اما بالنسبة للعامل فقد حددت المادة (56)من قانون التامينات الاجتماعية حالات استحقاقه للمعاش في حالة الشيخوخة وهي بلوغه سن التقاعد على ان لاتقل مدة الاشتراك في التامين على (180) شهريا (15) سنة أو حدوث عجز غير مهني كلي مستديم أو وفاته بعد مرور اكثر من سنة بالنسبة لمن ترك الخدمة قبل بلوغ سن التقاعد متى بلغت مدة اشتراك العامل (180)اشتراكا شهريا...الخ الاحكام الواردة في المادة المشار إليها ،وان كانت هذه الاحكام تختلف الى حدما عن الاحكام الواردة في قانون التامينات والمعاشات، إلا ان مسئولية مؤسسة التامينات الاجتماعية لاتختلف بالنسبة لمتابعة أصحاب العمل للوفاء بالتزاماتهم التامينية ، فلايجوز للمؤسسة أن تنتقص من حقوق العامل المؤمن عليه بذريعة عدم وفاء اصحاب العمل بالتزاماتهم التامينية.
الوجه الخامس: عدم نفاذ أية إتفاقات فيما بين هيئة التأمينات أو مؤسسة التامينات الاجتماعية وبين الجهات المشمولة بالقانون إذا كانت هذه الاتفاقيات تخالف القانون أو تنتقص من الحقوق التأمينية للموظف أو العامل:
قضى الحكم محل تعليقنا بذلك إستناداً إلى أن القانون أعلى مرتبة من تلك الإتفاقيات ، كما أن مفهوم إلزامية التأمين الإجتماعي تجعله واجباً قانونياً بحكم القانون وبإعتبار أن أحكام التأمين الإلزامي من النظام العام الذي لا يجوز للأفراد أو الهيئات والجهات الإتفاق على خلافه، والله اعلم.