الفصل الحكمي للموظف في القانون اليمني

الفصل الحكمي للموظف في القانون اليمني

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

 الفصل الحقيقي للموظف يقع بموجب قرار يصدر من الجهة الادارية المختصة بعد إحالة الموظف المخالف الى لجنة التحقيق التي ترفع نتائج اعمالها وتوصيتها بفصل الموظف المخالف إلى مجلس التاديب الذي يقوم بمواجهة الموظف المخالف بنتائج التحقيق ويستمع المجلس الى دفاع الموظف فان لم يقتنع المجلس بدفاع الموظف فان المجلس يرفع توصيته بفصل الموظف المخالف الى الوزير الذي يصدر قرار فصل الموظف.

اما الفصل الحكمي للموظف فانه يقع بحكم القانون إذا صدر حكم بات بحق الموظف في جريمة مخلة بالشرف والامانة ، فيتم الفصل الحكمي للموظف من غير حاجة الى تحقيق أو أي إجراء ، وفي هذا المعنى نصت الفقرة (ب) من المادة (125) من قانون الخدمة المدنية على انه (إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف أو الأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة أو غيرها من محكمة مختصة اعتبر معزولاً من وظيفته حكماً شريطة إكتساب الحكم الدرجة القطعية).

فمن الشروط القانونية لشغل الوظائف والإلتحاق بجهات العمل أن لا يكون الشخص المتقدم لشغل الوظيفة او الإلتحاق بالعمل قد حكم عليه بجريمة مخلة بالشرف والأمانة، وفي هذا المعنى نصت المادة (30) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية على إنه (يشترط في المرشح للتعيين في وظيفة عامة ما يلي: -7- أن لا يكون قد حكم عليه بعقوبة قيد الحرية في جريمة تخل بالشرف أو الأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة وغيرها مالم يكن قد رد إليه إعتباره وأن لا يكون قد سبق فصله من الخدمة بحكم أو قرار تأديبي مالم يكن قد مضى على ذلك ثلاث سنوات).

فشرط نزاهة الموظف أو العامل ليس مجرد شرط قبول في الوظيفة أو العمل بل انه يجب أن يستمر الموظف أو العامل بعد التحاقه بالوظيفة أو العمل ملتزماً بهذا الشرط أثناء تأديته واجبات عمله أو وظيفته، فإذا قام الموظف او العامل أثناء عمله بإرتكاب جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة وقضى الحكم بإدانته وكان هذا الحكم باتاً فأنه يترتب على ذلك الفصل الحكمي للموظف من الوظيفة، وفي هذا الشأن نصت المادة (125) من قانون الخدمة المدنية على أنه (تنتهي خدمة الموظف بالفصل أو العزل عند: -ب- إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف أو الأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة أو غيرها من محكمة مختصة أعتبر معزولاً من وظيفته حكماً شريطة إكتساب الحكم الدرجة القطعية).

اما في قانون العمل اليمني، فإن فصل العامل المحكوم عليه بحكم بات في جريمة مخلة بالشرف والامانة لايقع بحكم القانون وإنما اجاز قانون العمل لصاحب العمل ان يقوم بفصل العامل المحكوم عليه ، وعندئذ يتم الفصل من غير حاجة الى تحقيق لان الحكم البات قد ادان العامل بعد التحقيق معه ، وفي هذا الشان نصت المادة (25) من قانون العمل على أنه (يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد من جانبه بدون إشعار كتابي أو يتحمل الأجر المقرر عن فترة الإنذار في الحالات الآتية: -ب- إذا حكم على العامل في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة بحكم قضائي بات).

ويلاحظ على النص السابق الوارد في قانون الخدمة أن الموظف العام يعد مفصولاً حكماً إذا صدر عليه حكم بات بإدانته بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، في حين أن النص الوارد في قانون العمل يصرح بأن العامل لا يعد مفصولاً إذا صدر عليه حكم بات بإدانته بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة وإنما يجوز لصاحب العمل أن يفصله بعد صدور الحكم عليه، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-11-2011م، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه إنه: (اما بالنسبة لإحالة المطعون ضده إلى النيابة العامة وما صدرت ضده من أحكام ، فمن المعلوم أن إلغاء قرار الفصل محل دعوى الإلغاء لا يحول دون تطبيق نص المادة (125/ب) من القانون رقم (19/1991م) بشأن الخدمة المدنية التي نصت على إنه (إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف أو الأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة أو غيرها من محكمة مختصة اعتبر معزولاً من وظيفته حكماً شريطة إكتساب الحكم الدرجة القطعية) ناهيك عن أن قرار الفصل كان سابقاً على إقامة الدعوى الجزائية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الفصل الحقيقي للموظف أو العامل:

الفصل الحقيقي للموظف أو العامل جزاء إداري مقرر في قانون الخدمة المدنية وقانون العمل، يتم توقيع الفصل في هذه الحالة على الموظف أو العامل عند إرتكابه للمخالفات المقررة في القانونين المشار إليهما، ولا يتم توقيع جزاء الفصل من العمل على الموظف أو العامل إلا بعد تحقيق إداري عادل تقوم بإجرائه جهة العمل أو جهة الإدارة شريطة أن يثبت من خلال التحقيق الإداري ثبوت وقوع المخالفة التي تستدعي هذا الجزاء وشريطة أن يثبت من خلال التحقيق الإداري نسبة المخالفة إلى الموظف المحال للتحقيق وشريطة أن يتم الإستماع إلى أقوال الموظف أو العامل المخالف وان يتم تمكينه أثناء التحقيق من تقديم أوجه دفاعه والأدلة التي يتمسك بها، وشريطة أن توصي لجنة التحقيق بتوقيع جزاء الفصل على الموظف المخالف وان يتم رفع الدعوى التاديبية الى مجلس التاديب وشريطة يرفع مجلس التاديب توصيته بالفصل الى المسئول المختص لاصدار قرار الفصل، وبموجب ذلك يصدر قرار الفصل الحقيقي.

الوجه الثاني: الفصل الحكمي للموظف العام:

استند الحكم محل تعليقنا إلى الفقرة (ب) من المادة (125) من قانون الخدمة المدنية التي نصت على أنه (إذا حكم على الموظف في جناية مخلة بالشرف أو الأمانة كالرشوة والإختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة أو غيرها من محكمة مختصة اعتبر معزولاً من وظيفته حكماً شريطة إكتساب الحكم الدرجة القطعية)، فقد صرح هذا النص القانوني في نهايته على أن الموظف العام إذا صدر بشأنه حكم بات قضى بإدانته (اعتبر معزولاً من وظيفته حكماً) ، ومعنى ذلك أن الموظف يعتبر مفصولاً بحكم القانون بمجرد صيرورة الحكم نهائياً إذا لم يطعن فيه الموظف او عند استنفاد الحكم لطرق الطعن، فعندئذٍ فإن الموظف المدان بذلك الحكم يصبح مفصولاً بحكم القانون الذي نص على ذلك، دون حاجة إلى أي إجراء آخر، إذ يجب على جهة الإدارة إعمال هذا النص وإنهاء خدمة الموظف المدان المحكوم عليه دون حاجة إلى أي من إجراءات التحقيق والتأديب المقررة في الفصل الحقيقي للموظف.

الوجه الثالث: الفصل الجوازي للعامل المحكوم عليه بجريمة مخلة بالشرف والامانة:

نصت المادة (25) من قانون العمل اليمني على إنه (يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد من جانبه بدون إشعار كتابي أو يتحمل الأجر المقرر عن فترة الإنذار في الحالات الآتية: -ب- إذا حكم على العامل في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة بحكم قضائي بات)، ومفاد ذلك أنه يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد من جانبه إذا صدر حكم بات على العامل قضى بإدانة العامل بجريمة مخلة بالشرف والأمانة دون حاجة إلى أن يقوم صاحب العمل بإجراء تحقيق يسبق قراره بفصل العامل ، لأن سبب فصل العامل في هذه الحالة يرجع إلى صدور حكم بإدانته بجريمة مخلة بالشرف والأمانة وليس بسبب إرتكابه مخالفة إدارية تحتاج إلى تحقيق للتحقق من وقوعها ونسبتها إلى العامل، فالنيابة العامة هي التي تتولى التحقيق الابتدائي مع العامل في هذه الحالة وبعدها تقوم المحكمة بالتحقيق النهائي ، فلا يصدر حكم الإدانة إلا بعد ذلك ، كما أن محكمة الطعن تقوم بدورها من التحقق من صحة وسلامة حكم الإدانة، فلا يصير الحكم باتاً إلا بعد إستنفاد درجات الطعن ، فيكون الحكم بعدها عنوان الحقيقة، ولأن النص القانوني السابق يفيد الجواز فقد يرى صاحب العمل عدم إنهاء خدمة العامل المدان بجريمة مخلة بالشرف والأمانة، وهذا على خلاف الفصل الحكمي للموظف العام إذ يجب حتما على الجهة الإدارية أن تنهي خدمة الموظف العام المحكوم عليه بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة بموجب حكم بات أو قطعي حسبما ورد في نص المادة (125) من قانون الخدمة المدنية السابق ذكره، والله اعلم.