الجهة المختصة بفصل الموظف أو العامل
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
من أهم عيوب القرار الإداري هو (عيب الجهة) الذي يعني أن يصدر القرار من شخص أو جهة غير مختصة، فإذا صدر القرار الإداري من شخص غير مختص أو من إدارة غير مختصة فأنه يكون باطلاً ولا يترتب عليه أي أثر، ويسري هذا الخكم على قرار فصل الموظف.
ومن المعروف أن القوانين واللوائح وعقود تأسيس الشركات ونظمها الأساسية هي التي تحدد الجهة المختصة بإصدار قرار فصل الموظف أو العامل، وإن لم تحدد ذلك فإن الممثل القانوني للوحدة الإدارية أو المنشأة هو صاحب الإختصاص الاصيل في إصدار قرار فصل العامل أو الموظف، فإذا صدر قرار فصل العامل من إدارة أو فرع أو قطاع في شركة أو وزارة فإن ذلك القرار يكون باطلاً طالما أنه لم يرد في النظام الأساسي او القانون أو اللوائح أن الفرع او الإدارة أو القطاع هو المختص بفصل الموظف أو العامل، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-11-2011م في الطعن رقم (47467)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (اما قول الطاعن بأن الحكم الاستئنافي لم يبن على أسس قانونية، فذلك قول مجاف للحقيقة، لأن الحكم قد بني على نص المادة (113) من قانون الخدمة المدنية، فقرار فصل الموظف قد شابه عيب عدم الإختصاص ، مما يقتضي معه رفض الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: قانون الخدمة المدنية هو الذي يحدد الجهة المختصة بفصل الموظف العام في الوحدات الإدارية:
تنص المادة (3) من قانون الخدمة المدنية على أن أحكام هذا القانون تسري على موظفي وحدات الجهاز الإداري للدولة وهي الوزارات والمصالح والأجهزة، وكذلك تسري أحكام القانون المشار إليه على موظفي القطاعين العام والمختلط حتى تصدر التشريعات المنظمة لهذين القطاعين ، حسبما ورد في النص القانوني المشار إليه، ومؤدى ذلك أن أحكام قانون الخدمة المدنية لا تسري على شركات القطاع العام والمختلط إذا كانت لها تشريعات خاصة بها.
وقد حدد قانون الخدمة المدنية الموظفين المختصين بتوقيع العقوبات على الموظفين المخالفين، إذ نصت المادة (113) التي استند إليها الحكم محل تعليقنا نصت على أن (توقع العقوبات التأديبية المنصوص عليها في المادة (111) من هذا القانون على المخالفة التي يرتكبها الموظف في مجموعات الوظائف الإشرافية أو التنفيذية أو الحرفية أو الخدمات المعاونة وفقاً للصلاحيات التالية: -أ- بقرار من المدير العام للإدارة العامة أو من يماثله بناءً على إقتراح من الرئيس الأدنى مباشرة إذا كانت العقوبة التأديبية للمخالفة هي التنبيه والإنذار –ن- بقرار من الوكيل أو من يماثله بناءً على إقتراح من المدير العام للإدارة العامة إذا كانت العقوبة التأديبية للمخالفة هي التنبيه أو الإنذار أو الخصم من الراتب –جـ- بقرار من نائب الوزير أو من يماثله بناءً على إقتراح من الوكيل إذا كانت العقوبة التأديبية للمخالفة هي التنبيه أو الإنذار أو الخصم من الراتب أو تأجيل موعد إستحقاق العلاوة السنوية –د- بقرار من الوزير المختص أو من يفوضه بناءً على إقتراح من نائب الوزير إذا كانت العقوبة التأديبية هي التنبيه أو الإنذار أو الخصم من الراتب أو تأجيل موعد إستحقاق العلاوة السنوية أو الحرمان منها، وبقرار منه (أي من الوزير) بناءً على توصية من مجلس التأديب في العقوبات الأخرى –هـ- توقيع العقوبات التأديبية المنصوص عليها في المادة (111) من هذا القانون على المخالفة التي يرتكبها الموظف من مجموعة وظائف الإدارة العليا بقرار من السلطة المختصة بالتعيين بناءً على إقتراح من الوزير المختص إستناداً إلى قرار مجلس التأديب الأعلى المنصوص عليه في المادة (114) من هذا القانون فيما عدا العقوبات من (1-7) فتكون من قبل الوزير المختص).
وعند التأمل في الفقرة (د) من النص القانوني السابق وتحديداً نهاية الفقرة يظهر أن النص قد صرح بأن الوزير هو المختص بإصدار قرارات العقوبات التي لم يذكرها النص المشار إليه ولكنها مذكورة في نهاية المادة (111) وهي عقوبة (10- الفصل من الخدمة مع حفظ الحق في المعاش والمستحقات الأخرى) ، ومؤدى ذلك أن الوزير في الجهة الإدارية هو المختص بإصدار قرار فصل الموظف بناءً على توصية يرفعها مجلس التأديب إلى الوزير.
الوجه الثاني: قانون العمل هو الذي يحدد الجهة التي تختص بفصل العامل:
حدد قانون العمل في المادة (93) العقوبات التي يجوز لصاحب العمل توقيعها على العامل المخالف ومنها (4- الفصل من العمل مع إحتفاظ العامل بحقه في كافة المستحقات المنصوص عليها في هذا القانون وفي تشريعات العمل الأخرى)، وقد صرحت المادة (94) من قانون العمل بانه لا يحق لصاحب العمل توقيع عقوبة فصل العامل من العمل إلا بعد إجراء التحقيق الإداري ، ويجوز للعامل أن يطلب حضور ممثل اللجنة النقابية ، حسبما هو مقرر في المادتين (96 و 97) من قانون العمل.
ومن المعلوم أن الذي يقوم بإصدار قرار فصل العامل هو صاحب العمل، وصاحب العمل هو صاحب أو مالك المشروع التجاري الذي قد يكون محلاً تجارياً أو مؤسسة تجارية فردية أو شركة.
وتحديد صاحب العمل قد لا يثير أية إشكالية إذا كان المشروع التجاري بسيطاً أو صغيرا كالمحل التجاري، ولكن الأمر يختلف إذا كان النشاط التجاري مؤسسة تجارية فردية مسجلة لدى الجهة المختصة باسم صاحبها، فعندئذٍ يجب أن يصدر قرار فصل العامل من الشخص الذي تم تسجيل المؤسسة باسمه ، لأن تسجيلها باسمه لدى الجهات المختصة يدل على أنه المالك القانوني للمؤسسة التجارية الفردية وانه صاحب العمل فيها.
اما إذا كان المشروع التجاري عبارة عن شركة نظامية كالشركة المحدودة او المساهمة او التضامنية ففي هذه الأحوال لا يكون المشروع التجاري أو الشركة مملوكة لشخص واحد حتى يقال أنه صاحب العمل، وإنما يكون صاحب العمل في هذه الأحوال هو الشخص الاعتباري ذاته (الشركة) والشخص الاعتباري شخص مستقل عن الشركاء في الشركة ، ويكون للشخص الاعتباري (الشركة) ممثل قانوني يمثل الشركة أمام كافة الجهات ويقوم هذا الممثل القانوني بتمثيل الشركة عند إبرام كافة العقود والتصرفات بما فيها إصدار قرار فصل العامل.
ويتم تحديد الممثل القانوني للشركة في النظام الأساسي للشركة (رئيس مجلس الادارة او المدير العام)، وقد يتم تسمية الممثل القانوني أي ذكر اسمه في النظام الاساسي ،وقد تتم تسميته في وثيقة مستقلة لاحقة لصدور النظام الاساسي وهو الأفضل.
والغالب أن تقوم الشركات النظامية بإصدار لوائح وأدلة سياسات للموارد البشرية تتضمن إجراءات التحقيق الإداري وتشكيل اللجان المختصة بالتحقيق وتشكيل مجلس التأديب ويتم فيها تحديد اجراءات فصل العامل المخالف والجهة أو الادارة التي تتولى إصدار قرار فصل العامل.
وقد تصدر بعض الشركات أدلة سياسة خاصة بالتحقيق الإداري وتأديب العاملين فيها، وفي الحالتين تتضمن هذه الأدلة أو اللوائح تحديد الإدارة المختصة التي تتولى إصدار قرار فصل العامل.
ومن المعلوم أن اصحاب العمل هم في الحقيقة (الشركاء في الشركة) وهم الذين يشكلون قوام الجمعية العامة، وهم الذين يقروا إصدار النظام الاساسي واللوائح أو الأدلة التي تتضمن تحديد الممثل القانوني للشركة وتحديد الادارة التي تتولى إصدار قرار فصل العامل من العمل، فذلك يعد موافقة وتفويض من صاحب العمل أو أصحاب العمل (الشركاء) للإدارة المختصة بإصدار قرار فصل العامل.
وبعد ذلك يتم التوقيع على تلك الادلة واللوائح من قبل الممثل القانوني للشركة (رئيس مجلس الادارة أو المدير العام)، وعلى هذا الأساس فإن صدور قرار فصل العامل من قبل الإدارة المختصة بالشركة يكون بمثابة القرار الصادر من صاحب العمل نفسه، والله اعلم.
![]() |
الجهة المختصة بفصل الموظف أو العامل |