احكام الإقعاد في القانون اليمني
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الإقعاد: هو إقامة المورث أثناء حياته لأولاد وارثه المتوفي مقام ابيهم المتوفي حتى يؤول إليهم ما كان سيؤول لوالدهم لو لم يمت في إثناء حياة مورثه الذي قام بالإقعاد.
ويطلق على هذا التصرف في بعض المناطق اليمنية (إقامة) أي أن المورث أثناء حياته يقيم أولاد وارثه المتوفي أثناء حياة مورثه يقيمهم مقام ابيهم حتى يؤول إليهم ما كان سيؤول إلى والدهم أو والدتهم لو لم يمت أثناء حياة مورثه.
والإقعاد او الإقامة عبارة عن وصية إختيارية صادرة من المورث أثناء حياته إذا كان أولاد الوارث لا يدخلوا ضمن ورثة الشخص الذي اقعدهم .
ولان الإقعاد في حكم الوصية فانه يجب ان تتوفر فيه شروط الوصية ، ولذلك فهناك شروط لا بد من توفرها في الشخص الذي يقوم بالإقعاد وكذا شروط في الأشخاص الذين يتم إقعادهم وهناك شروط في الحد الأعلى الذي يصير إلى المقعدين بموجب الإقعاد، فإذا توفرت شروط الإقعاد فانه يكون صحيحا ولازما.
كما أن للإقعاد احكام عدة مثل جواز الرجوع فيه ، وحكم تزاحمه مع بعضه وتزاحمه مع الوصايا والوقف، وعدم لزوم اجازته من الورثة أو موافقتهم عليه ،وانه لا يحق لأي من الورثة الإعتراض على الإقعاد، ولذلك نجد انه من المناسب الاشارة الى احكام الإقعاد بإيجاز في سباق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-4-2012م في الطعن رقم (44341)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (فالإقعاد المحضر من قبل الطاعنين المؤرخ.... فقد منحهما حق الإرث، وفي مواجهة ذلك فقد تجنب المطعون ضدهم أي تعليق على ذلك الإقعاد ، مما يدل على صحة الإقعاد)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي اقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما من حيث الموضوع فقد تبين للدائرة: أن الطعن غير مؤثر في الحكم الاستئنافي موضوع الطعن فيما استند إليه بشأن الإقعاد، فمناقشة الطاعنين في أسباب طعنهم كانت متعلقة بموضوع الإقعاد، فما ذكروه ليس له أصل في الأوراق ولا تنطبق عليه حالة من حالات الطعن بالنقض المقررة في المادة (292) مرافعات، وقد توصل الحكم الاستئنافي إلى نتيجة موافقة للشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: التكييف الشرعي والقانوني للإقعاد:
لاشك أن الإقعاد هو عبارة عن وصية إختيارية تصدر من المورث أثناء حياته وذلك إلى أولاد وارثه المتوفي أثناء حياة المورث الذي يقوم بالاقعاد، ولذلك فإن حكم الإقعاد حكم الوصية ،وتنطبق على الإقعاد كافة أحكام الوصية، فالإقعاد بحسب هذا المفهوم لا يكون نافذاً إلا بعد وفاة المورث الذي اقعد أولاد وارثه، فالإقعاد تصرف يصدر بالإرادة المنفردة من الموصي، ولكنه تصرف لما بعد موت الشخص الذي قام بالإقعاد.
الوجه الثاني: شروط الإقعاد:
بما أن الإقعاد من قبيل الوصية الإختيارية ، حسبما سبق بيانه في الوجه الأول ، لذلك فانه يشترط لصحة الإقعاد الشروط الشرعية والقانونية التي اشترطها الفقه الإسلامي وقانون الأحوال الشخصية في الوصية.
وعلى هذا الاساس فان شروط الإقعاد كثيرة ومختلفة منها ما يرجع إلى الشخص الذي يقوم بالاقعاد ، ومنها يرجع إلى الأشخاص الذين يتم إقعادهم ،ومن هذه الشروط ما يرجع إلى المال او التركة المحتملة التي تم إقعاد المقعدين فيها، ولكثرة هذه الشروط فسوف نلخصها بإيجاز على النحو الآتي:
1- شروط الإقعاد التي ترجع إلى المورث الذي يقوم بإقعاد أولاد وارثه: فيشترط في المورث الذي يقوم بإقعاد أولاد وارثه أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً مريداً مختاراً ، وان لا يكون محجوراً عليه.
2- شروط الإقعاد التي ترجع إلى المقعدين أولاد الوارث المتوفي أثناء حياه مورثه: فيشترط في هؤلاء أن لا يكون من ورثة الشخص الذي اقعدهم ، لأنه من المقرر في الفقه الإسلامي والقانون أنه لا وصية لوارث إلا بإجازة الورثة بعد وفاة المورث، ولا تشترط الأهلية في هؤلاء المقعدين ، فيصح الإقعاد للصغير والمجنون والسفيه.
3- شروط الإقعاد التي ترجع إلى المال او التركة التي يتم الإقعاد فيها: يشترط أن لا يزيد قدر الإقعاد بصفة عامة عن ثلث تركة الشخص الذي يقوم بالإقعاد، حتى لو قام ذلك الشخص بإقعاد أولاد أكثر من وارث، ويشترط أيضاً أن لا يزيد قدر الإقعاد مع الوصايا الأخرى عن ثلث التركة، بمعنى أن الإقعاد بإعتباره وصية إختيارية فأنه يتزاحم مع الوصايا الأخرى، ويذهب البعض إلى أن الإقعاد يتزاحم في الثلث أيضا مع الوقف والوصايا الأخرى، فلا ينفذ الإقعاد والوصايا والوقف كلها إلا في حدود ثلث التركة.
الوجه الثالث: وقت صدور الإقعاد وطريقته:
لا يشترط صدور الإقعاد وقت وفاة الوارث بل يجوز الإقعاد في أي وقت، فالمهم أن يتم الإقعاد أثناء حياة المورث، ويصح الإقعاد في وثيقة مستقلة، كما يصح الإقعاد ضمن وثيقة الوصية العامة الصادرة عن المورث المتضمنة عدة تصرفات منها الإقعاد، كما يصح الإقعاد عن طريق الكتابة فأنه يصح أن يكون شفاهة بحضور شهود على ذلك، كما يصح الإقعاد عن طريق تصادق الورثة بأن مورثهم قد اقعد في حياته المقعدين.
اما وقت نفاذ الإقعاد فلا يكون الإقعاد نافذاً إلا بعد وفاة الشخص الذي قام بالإقعاد بإعتباره وصية، والوصية لا تكون نافذة إلا بعد وفاة الشخص الذي قام بالإقعاد.
الوجه الرابع: حكم الرجوع عن الإقعاد:
بما أن الإقعاد وصية إختيارية وبما أن هذه الوصية لا تكون نافذة إلا بعد وفاة الشخص الذي قام بالإقعاد، وبما أن المال يظل في حيازة الشخص الذي قام بالإقعاد، لذلك فأنه يجوز للشخص الذي قام بالإقعاد أن يتراجع عن إقعاده حتى موته ، شريطة أن يظل الشخص متمتعاً بأهليته حتى موته، فإذا مات الشخص الذي قام بالإقعاد ولم يتراجع عن إقعاده فإن الإقعاد يكون لازماً.
الوجه الخامس: لا تشترط موافقة الورثة على الإقعاد او إجازتهم للإقعاد:
بإعتبار الإقعاد وصية إختيارية لغير وارث تتم بالإرادة المنفردة للشخص الذي قام بالإقعاد ، لذلك فلا تشترط موافقة ورثة الشخص الذي قام بالإقعاد على ذلك، كما لا تشترط إجازتهم للإقعاد إلا إذا ترتب على الإقعاد زيادة نصيب المقعدين عن ثلث أموال التركة.
الوجه السادس: لا يشترط علم الورثة بأن مورثهم قد قام بالإقعاد:
الإقعاد تصرف من تصرفات الإرادة المنفردة، فلايشترط قبول المقعدين للإقعاد ، فالإقعاد يقع بإرادة الشخص المنفردة ، كما لا تشترط موافقة او رضاء الورثة بالإقعاد ،وكذا لا يشترط إعلام الورثة بالإقعاد ، غير أن الورثة إذا علموا بأن مورثهم قد قام بالإقعاد فلم يعترضوا في حينه فإن ذلك قرينة على صحة الإقعاد وتوفر شروطه ، لأن الأصل في العقود والتصرفات الصحة، علماً بأنه لا يحق للورثة الإعتراض على الإقعاد الصادر من مورثهم.
الوجه السابع: إستخراج الإقعاد من التركة بعد وفاة المورث:
بعد وفاة المورث يتم تقسيم تركته بين الورثة، ومن غير الممكن تنفيذ الإقعاد ومعرفة نصيب الشخص الذي تم إقعاد المقعدين مكانه إلا إذا تم دخول المقعدين ضمن القسمة مع الورثة الاخرين باسم ورثة الشخص الذي تم إقعادهم بمقعده كما لو انه لم يمت ، فمع أن الإقعاد وصية إختيارية إلا انه يتعذر إخراج الإقعاد مثل الوصايا الأخرى قبل إجراء القسمة، وإنما يتم إدخال المقعدين في القسمة باسم والدهم (ورثة فلان)، حتى يمكن تحديد نصيب الشخص الذي تم إقعادهم بمقعده ، وبعد فرز وتعيين ماصار للمقعدين يتقاسم المقعدون ماصار لهم بموجب ألإقعاد على أساس للذكر مثل حظ الانثيين، والله اعلم.
![]() |
احكام الإقعاد في القانون اليمني |