وضع العامل أثناء فترة الإختبار في القانون اليمني
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
العامل في فترة الإختبار يعمل لدى صاحب العمل بموجب عقد غير نهائي فلايصير عاملا ثابتا في جهة العمل إلا بعد إجتيازه فترة الإختبار،فلايرتب عقد العامل تحت الإختبار اثاره إلا بعد انتهاء فترة الإختبار، ويعد هذا الوضع استثناءا من القواعد الشرعية والقانونية التي تقرر أن كل عقد بمجرد إبرامه وانعقاده صحيحاً يكون ملزماً وبشكل نهائي على طرفيه ، وتنتج عنه اثاره من تاريخ إبرامه.
وقد تناول قانون العمل اليمني العامل في فترة الاختبار تناولا مضطربا ومجملا ، وترك القانون للفقه مسالة بيان الاجمال والابهام في هذه المسألة ، فقد عرف قانون العمل اليمني العامل ضمن التعريفات الواردة في المادة (2) من القانون التي نصت على أن (العامل هو كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب، ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الإختبار والتدريب) ، فهذا النص قد صرح بأنه يسري مفهوم العامل على العامل في فترة الإختبار ويفهم من ذلك النص أن العامل تحت الإختبار يتمتع بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها العامل الذي سبق له تجاوز فترة الإختبار ، لكن القانون ذاته ذهب الى مذهب مغاير في المادة (28) التي نصت على إنه (عند توقيع عقد العمل يجوز إخضاع العامل لفترة إختبارية لا تزيد على ستة أشهر لدى نفس صاحب العمل وينص على ذلك في العقد ولا يجوز وضع العامل تحت الإختبار أكثر من مرة في نفس المهنة)، اذ يفهم من هذا النص ان عقد العمل في فترة الإختبار غير نهائي وموقوفة اثاره منذ ابرامه وانه لاينتج اثاره الا بعد انتهاء فترة الإختبار، ومعنى ذلك ان العامل تحت الإختبار لايستحق حقوق العمال الاخرين في المنشاة غير الأجر الا بعد ان يصير العقد نهائيا ،لان العقد النهائي هوالذي تترتب عليه اثاره من تاريخ ابرامه، وهذا الأمر لاينطبق على عقد العامل تحت الإختبار.
وحتى تظهر الوضعية القانونية للعامل في فترة الإختبار وحقوقه خلال هذه الفترة فأنه من المناسب أن نتناول هذا الموضوع في العناوين الفرعية الآتية:
أولاً: تعريف العامل في فترة الإختبار:
لم يعرف القانون اليمني ذلك، إذ اكتفى القانون اليمني بإدراج العامل في فترة الإختبار ضمن تعريف العامل بصفة عامة حسبما ورد في المادة (2) من القانون المادة (2) من القانون التي نصت على أن (العامل هو كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب، ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الإختبار والتدريب) ، ولا عيب في القانون اليمني حينما لم يعرف العامل تحت الإختبار، لأن صياغة التعريفات من وظيفة الفقه وليس القانون.
ولذلك فقد تصدى الفقه العربي لتعريف العامل تحت الإختبار بتعريفات عدة متقاربة منها (العامل تحت التجربة هو الذي يعمل لدى صاحب العمل بموجب إتفاق يتعهد العامل بمقتضاه بالعمل لدى صاحب العمل تحت الإختبار لمدة معينة للتأكد من مدى صلاحية العامل للعمل المطلوب) ، وهناك من يعرف العامل تحت الإختبار بأنه الذي يعمل لدى صاحب العمل بموجب عقد يكون للمتعاقدين أو لأحدهما أن يقرر بعد إنتهاء فترة الإختبار أن يقرر ما إذا كان من مصلحته أن يمضي في التعاقد أو يعدل عنه) ، وذهب اخرون إلى تعريف العامل تحت الإختبار بأنه (العامل الذي يعمل لدى صاحب العمل بموجب عقد ينص على أن لا يكون هذا العقد باتاً ولكنه يظهر من العقد أن المتعاقدين قد ارادا ان يعطيا لنفسيهما فترة من الوقت ليتحققا مما إذا كان من مصلحتهما الإستمرار في العمل أو عدم الإستمرار فيه)، وهناك تعريفات أخرى مقاربة للتعريفات السابقة، ومن خلال جميع التعريفات للعامل تحت الإختبار يظهر أنها متقاربة ، وأن جميعها تذهب إلى العامل تحت الإختبار يعمل لدى صاحب العمل بموجب عقد غير نهائي، ويعد هذا استثناء من القواعد الشرعية والقانونية التي تقرر أن كل عقد بمجرد إبرامه وانعقاده يكون صحيحاً ملزماً وبشكل نهائي لطرفيه. (شرح أحكام قانون العمل وفقاً لآخر التعديلات وإجتهادات محكمة التمييز، د. جعفر محمود المغربي، دار الثقافة الأردن، 2018م ص80).
ثانياً: تعريف فترة الإختبار في العمل (فترة التجربة):
يطلق على فترة الإختبار فترة التجربة ، بيد أن القانون اليمني اختار مصطلح (فترة الإختبار) وهو إختيار سديد، وفترة الإختبار: هي المدة التي يختبر فيها صاحب العمل العامل للتأكد من كفاءته للعمل و مقدرته على أداء العمل بأحسن وجه ومدى حرص العامل وإخلاصه في عمله، وهناك من يعرف فترة الإختبار بأنها: فترة إختبار مقررة لصالح العامل وصاحب العمل معا ، اذ يمكن لأي منهما أثناء هذه الفترة فسخ العقد بدون أي آثار قانونية مترتبة على الفسخ.
ومن خلال مطالعة التعريفات السابقة لفترة الإختبار يظهر أن فترة الإختبار هي شرط يحقق أيضا مصلحة للعامل التي تتمثل في أن العامل يتأكد خلالها من ظروف العمل وقدراته ومدى مناسبة الأجر الذي يتقاضاه قياساً بالجهد الذي يبذله ، وكذا يختبر طريقة وإجراءات صاحب العمل في إدارته للعمل وتعامله مع العمال، فإن لم يناسب العامل ذلك قام بفسخ العقد أثناء هذه الفترة، وبالمقابل فإن شرط الإختبار في عقد العمل يحقق غالباً مصلحة صاحب العمل الذي يختبر مهارات وقدرات وخبرات العامل وإخلاصه وحرصه وإلتزامه أثناء فترة الإختبار.
ومع أن شرط الإختبار في عقد العمل يحقق مصلحة الطرفين العامل وصاحب العمل معاً إلا أن صاحب العمل في الغالب هو الذي يضع هذا الشرط أو يشترط هذا الشرط، بيد إنه بصرف النظر عمن اشترط الشرط فأنه يكون مفيداً للطرفين.
ثالثاً: وجوب كتابة شرط الإختبار وفترته وحقوقه في عقد العمل:
صرح قانون العمل اليمني بأن أقصى فترة الإختبار في عقد العمل هي ستة أشهر ، فلا يجوز تجاوزها حسبما ورد في المادة (28) من قانون العمل اليمني ، بيد إنه يفهم من ذلك النص أنه يجوز إنقاص فترة الاختبارعن الستة الأشهر، ويفهم أيضاً من نص المادة (28) من قانون العمل اليمني أن فترة الإختبار جوازية ، ومؤدى ذلك أنه يحق لصاحب العمل والعامل أن يبرما عقد العمل من غير حاجة للنص على فترة الإختبار.
وبما أن فترة الإختبار جوازية فإن الأصل أن عقد العمل يتم إبرامه من غير أن يتضمن فترة الإختبار، ولذلك إذا اراد صاحب العمل ان يضع فترة إختبار للعامل فانه يجب عليه في هذه الحالة أن ينص في عقد العمل على فترة الإختبار ومدتها وشروطها وحقوق العامل أثناء تلك الفترة، فإن لم تتم كتابة فترة الإختبار عند التعاقد مع العامل فان عقد العمل يكون نهائيا، لأن الأصل أن عقد العمل غير محدد المدة حسبما هو مقرر في المادة (29)من قانون العمل.
ومن المقرر إنه لا يجوز النص على تجديد فترة الإختبار ، لأن قانون العمل اليمني ينص صراحة على عدم جواز تجديد فترة الإختبار، بيد ان فترة الإختبار قد تتجدد إذا توقف عقد عمل العامل تحت الإختبار بسبب عصيان مسلح أو حرب أو فيضانات أو غيرها كذلك إذا مرض العامل أثناء فترة الإختبار فإن فترة الإختبار تتجدد.
رابعاً: التكييف القانوني لعقد العمل المتضمن فترة الإختبار:
هناك اربعة أراء للفقه القانوني العربي في تكييف هذا العقد بيانها كما يأتي:
الرأي الأول: يذهب إلى أن عقد العمل المتضمن فترة إختبار هو عقد مؤقت أو عقد ابتدائي وانه ليس عقدا نهائيا ، فإذا ثبت لصاحب العمل صلاحية العامل للعمل فعندئذٍ يصير للعامل عقدان الأول: العقد المؤقت وهو العقد تحت الإختبار ، والثاني عقد العمل النهائي الذي يبدأ من الوقت الذي يقرر فيه صاحب العمل قبول العامل للعمل لديه بصفة نهائية، وبحسب هذا الرأي فإن العامل تحت الإختبار لايستحق الا الأجر اما بقية الحقوق فلايستحقها الا بعد صيرورة عقد العمل نهائيا، والظاهر من صياغة المادة (28)من قانون العمل اليمني انها قد أخذت بهذا الراي.
الرأي الثاني: يذهب إلى أن عقد العمل تحت الإختبار عقد معلق على شرط واقف، وهو نجاح العامل في الإختبار، وبحسب هذا الرأي فإن العامل تحت الإختبار لايستحق الا الأجر اما بقية الحقوق فلايستحقها الا بعد صيرورة عقد العمل نهائيا.
الرأي الثالث: يذهب إلى أن عقد العامل تحت الإختبار عقد معلق على شرط معلق وهو إجتياز العامل لفترة الإختبار، وبحسب هذا الرأي فإن العامل تحت الإختبار لايستحق الا الأجر اما بقية الحقوق فلايستحقها الا بعد تحقق الشرط المعلق.
الرأي الرابع : يذهب إلى أن عقد العامل تحت الإختبار عقد معلق على شرط فاسخ يتمثل في عدم نجاح العامل في فترة الإختبار، فإذا نجح العامل استمر العقد وان اخفق تم فسخ العقد، وعلى أساس هذا التكييف فإن العامل يستحق كافة حقوق العمل أثناء فترة الإختبار، لان العقد قد تم عند ابرامه ونفذت اثاره في ذلك الوقت ،وإن كان هذا العقد قابلا للفسخ في المستقبل. ووفقا لهذا الرأي فإن العامل أثناء فترة الإختبار يستحق كافة الحقوق التي يتمتع بها العمال الآخرون الذين اجتازوا فترة الإختبار. (الأحكام والقواعد التي تنظم عقد العمل تحت التجربة في القانون الأردني، د. محمد خير عمار شريف. د. أحمد عمرو الشريف، ص140).
خامساً: حقوق العامل أثناء فترة الإختبار:
جاءت نصوص قانون العمل في هذه المسألة مجملة وغامضة، فقد تناول قانون العمل اليمني العامل فترة الاختبار تناولا مضطربا ومجملا ، وترك القانون للفقه مسالة بيان الاجمال والابهام في هذه المسألة ، فقد عرف قانون العمل اليمني العامل بصفة عامة ضمن التعريفات الواردة في المادة (2) من القانون التي نصت على أن (العامل هو كل شخص يعمل لدى صاحب العمل ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب، ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الإختبار والتدريب) ، فهذا النص قد صرح بأنه يسري مفهوم العامل على العامل في فترة الإختبار ، ويفهم من ذلك أن العامل تحت الإختبار يتمتع بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها العامل الذي سبق له تجاوز فترة الإختبار ، لكن القانون ذاته ذهب الى مذهب مغاير في المادة (28) التي نصت على إنه (عند توقيع عقد العمل يجوز إخضاع العامل لفترة إختبارية لا تزيد على ستة أشهر لدى نفس صاحب العمل وينص على ذلك في العقد ولا يجوز وضع العامل تحت الإختبار أكثر من مرة في نفس المهنة)، اذ يفهم من هذا النص ان عقد عمل في فترة الإختبار غير نهائي وموقوف منذ ابرامه وأن هذا العقد لايرتب اثاره إلا بعد صيرورته نهائيا، ومعنى ذلك ان العامل تحت الإختبار لايستحق إلا الاجر اثناء فترة الإختبار اما الحقوق الاخرى فلا يستحقها الا بعد ان يصير العقد نهائيا ،لان العقد النهائي هو الذي تترتب عليه اثاره من تاريخ ابرامه، وهذا الأمر لاينطبق على العامل تحت الإختبار لانه عقد معلق أو موقوف وغير نهائي.
وقد اختلف الفقه العربي بشان حقوق العامل أثناء فترة الإختبار حسبما سبق بيانه في الوجه السابق ، فشراح قانون العمل الذين ذهبوا إلى أن عقد العمل المتضمن فترة الإختبار عقد مؤقت أو معلق أو غير نهائي قد ذهبوا تبعا لهذا القول ذهبوا الى انه إذا لم يجتز العامل هذه الفترة فأنه لا يستحق إلا الأجر المتفق عليه دون الحقوق الأخرى، اما إذا اجتاز العامل تلك الفترة فقد صار العقد نهائياً أو تحقق الشرط المعلق فيستحق العامل حقوقه كعامل كاملة بما ذلك حقوقه اثناء فترة الإختبار.
اما على رأي من ذهب إلى أن عقد العمل المتضمن فترة إختبار هو عقد عمل معلق على شرط فسخ، فإن معنى ذلك أن العقد بين الطرفين قد تم قبل بدء فترة الإختبار وان ذلك العقد نافذ منذ ذلك التاريخ وان كان قابلا للفسخ اثناء فترة الإختبار ، وبناءً على هذا الرأي فإن العامل تحت الإختبار يستحق كافة حقوق العامل مثله مثل غيره من العمال الذين اجتازوا فترة الإختبار.
سادساً: المعالجة المناسبة لحقوق العامل أثنا فترة الإختبار:
طالما أن قانون العمل قد ألمح في تعريفه للعامل الى أن العامل أثناء فترة الإختبار يندرج ضمن مفهوم العامل بمفهومه العام ، وإنه بناءً على ذلك يستحق حقوق العامل مثله مثل غيره من العمال الذين اجتازوا فترة الإختبار، بيد أن قانون العمل ذاته قد ألمح في المادة (28) إلى أن عقد العمل المتضمن فترة إختبار غير نهائي ،لأنه محدد بحدود مدة لا تزيد على ستة أشهر، وان هذا العقد يختلف عن عقد العمل غير المحدد المذكور في المادة (29) ، وعلى هذا المعنى فإن وضعية وحقوق العامل تحت الإختبار تختلف عن وضعية وحقوق العامل الذي قد اجتاز فترة الإختبار.
ولمواجهة هذه الوضعية القانونية الهلامية المضطربة ، فإن كبار المستشارين القانونين في اليمن كانوا منذ مدة طويلة يقدموا توصياتهم إلى شركات كثيرة بأن المعالجة المناسبة لهذه الوضعية هو تحرير عقد العامل تحت الإختبار في نموذج خاص مستقل يتم النص فيه على الحقوق التي يتمتع بها العامل أثناء فترة الإختبار، وبعد إجتيازه فترة الإختبار يتم تحرير عقد عمل (دائم).
علماً بأن العامل تحت الإختبار إذا اجتاز بنجاح فترة الإختبار فأنه يحتفظ بكافة حقوقه أثناء تلك الفترة كالإجازات وإحتساب الفترة ضمن مدة الخدمة والخبرة، اما الحقوق التأمينية فأنه لا يتم خصم الإشتراكات إلا بعد أن يجتاز العامل فترة الإختبار، لأن العامل تحت الإختبار لم يتاكد بقاءه في المنشاة بعد، والله اعلم.
![]() |
وضع العامل أثناء فترة الإختبار في القانون اليمني |