نقض الوقف الأهلي (الذري) القديم

نقض الوقف الأهلي (الذري) القديم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

قسم قانون الوقف اليمني الأوقاف إلى نوعين: النوع الأول: الوقف الأهلي، والنوع الثاني: الوقف الخيري ، حسبما هو مقرر في المادة (3) من القانون ذاته، ووفقاً للمادة (4) من القانون ذاته فان الوقف الأهلي هوان يوقف الشخص ماله على نفسه أو على ذريته ، إذ نصت هذه المادة على ان (الوقف الأهلي: هو ما وقف على النفس أو الذرية)، ولذلك يطلق على هذا النوع من الوقف أسم الوقف الذري ، وهذا الاسم افضل من تسمية الوقف الاهلي.

ويتولى إدارة الوقف الأهلي ناظر الوقف او متولي الوقف الذي يحدده الواقف في وقفيته، وهو ناظر الوقف الذي حدده الواقف في وقفيته والغالب ان يكون متولي الوقف الاهلي من ذرية الواقف، كما أن الواقف في الوقف الاهلي يحصر الموقوف عليهم في ذريته، ولذلك يطلق على هذا النوع اسم (الوقف الذري).

وقد أتجه قانون الوقف اليمني النافذ إلى تقليص الوقف الأهلي منذ صدور القانون ، عام 1992م ، حيث صرح القانون بان الوقف على النفس أو على الذرية لايصح ، بل إن القانون قد منع الأوقاف الأهلية التي تمت قبل صدور القانون لمدة تقل عن أربعين عاماً، وفي سياق محاربة القانون النافذ للأوقاف الأهلية فقد قرر القانون في المادة (46) أن الأصل في الوقف الأهلي البطلان وإنه يجوز نقضه حتى في الحالات الاستثنائية التي صححها القانون ، فقد حرض القانون على نقض الوقف ، حسبما ورد في المادة ذاتها، ولذلك فقد ظهرت في اليمن موجة او موضة تحرير الأوقاف الأهلية باللهجة اليمنية أي إبطال ونقض الاوقاف الاهلية اوقاف الأجداد ، وبناءً على طلب كثير من الباحثين والمهتمين فقد عقدنا العزم على تناول هذا الموضوع في هذه المقالة، وذلك على النحو الآتي:

الوجه الأول: ماهية الوقف الأهلي في قانون الوقف اليمني:

قسمت المادة (3) من قانون الوقف قسمت الوقف إلى نوعين: وقف أهلي ووقف خيري، في حين بينت المادة (4) من القانون ذاته ماهية الوقف الأهلي وماهية الوقف الخيري، إذ نصت المادة (4)على إن (الوقف الأهلي: هو ما وقف على النفس أو الذرية ، والوقف الخيري هو ما وقف على جهات البر العامة والخاصة (مثل كوائن زبيد) ، والكوائن عبارة عن أوقاف من واقفين متعددين جهل ما وقفه كل واحد منهم وجهلت مصارفها فضمت إلى الأوقاف العامة وصرف ما عين عليها للمدارس والمساجد وغيرها)، ومن سياق هذا النص يظهر أن الوقف الأهلي هو أن يوقف الشخص على نفسه أو على ذريته ، ويظهر أن هذا الوقف من وجهة نظر القانون ليس خيرياً وليس فيه معنى القربة ، لأن القانون ينص على أن الوقف الخيري هو الذي يكون مصرفه في جهات البر العامة والخاصة.

غير ان قانون الوقف عرّف الأوقاف العامة في المادة (2) بأنها (الأوقاف العامة: كافة الأوقاف الخيرية التي تعود ولايتها لذي الولاية العامة) أي وزارة الأوقاف أو هيئة الأوقاف، ومعنى ذلك أن هناك أوقاف خاصة يتولها الشخص الذي حدده الواقف في وقفيته، ومؤدى ذلك أن الوقف الأهلي أو الخاص قد يكون وقفاً خيرياً إذا كان الموقوف عليه قربة لله او جهة بر ، ولكن الولاية عليه لا تكون للولاية العامة وزارة الأوقاف وإنما تكون الولاية على الوقف للمتولي الخاص الذي يعينه الواقف في وقفيته ، كأن يقوم الواقف بالوقف على مسجد او مدرسة او طريق او جسر...إلخ ويحدد الواقف المتولي على الوقف من ذريته او من غيرهم فتكون الولاية على الوقف في هذه الحالة ولاية خاصة وليست ولاية عامة لكن الوقف يكون خيريا.

وعلى أساس ما تقدم فإن الوقف الخيري قد تتولاه جهة الولاية العامة كوزارة الأوقاف او هيئة الأوقاف كما قد تكون الولاية عليه للمتولي الخاص الذي يحدده الواقف ،فالوقف الأهلي قد يكون وقفا خيريا عندما تكون اغراضه مثل اغراض الوقف الخيري الذي تتولاه وزارة الاوقاف ،وقد يكون الوقف الاهلي وقفا على النفس والذرية غير ان قانون الوقف اليمني قصر مصطلح الوقف الاهلي على النفس والذرية حسبما سبق بيانه.

الوجه الثاني: منع قانون الوقف النافذ للوقف الأهلي (الذري):

سبق القول أن قانون الوقف اليمن قد صرح في تعريفه للوقف الأهلي بانه: الوقف على النفس او على الذرية حسبما ورد في المادة (3) السابق ذكرها.

ومن هذا المنطلق فقد صرح قانون الوقف بمنع الوقف الأهلي، وفي هذا المعنى نصت المادة (33) وقف على أن (الوقف على النفس خاصة او على وارث او على الورثة او على الذرية او على الأولاد وأولاد الأولاد باطل مالم يكن المذكورون داخلين في عموم جهة بر عينها الواقف في الحال فيعامل الواحد منهم كأحد أفرادها او كان الموقوف عليه عاجزاً كالأعمى والأشل وليس له ما يكفيه ، وفي هذه الحالة إذا زال عجزه او مات اعتبر الوقف منقطع المصرف ويأخذ حكمه المبين في المادة (30) من هذا القانون).

وقد صدر قانون الوقف النافذ بتاريخ 29/3/1992م، وقد نصت المادة الأخيرة من هذا القانون على أن يتم العمل به من تاريخ صدوره، ومعنى ذلك أن الوقف الأهلي الذري بمفهومه السابق بيانه صار ممنوعاً من تاريخ صدور القانون، ومؤدى ذلك أن الوقف الأهلي الذري الذي يتم بعد صدور القانون باطل.

الوجه الثالث: وضعية الوقف الأهلي (الذري) الذي تم قبل صدور قانون الوقف النافذ:

مع أن القاعدة تقضي بالأثر الفوري للنص القانوني وسريان النص على الوقائع والتصرفات التي تقع بعد صدور القانون ،وعدم رجعية النص القانوني على التصرفات والوقائع السابقة على صدور القانون، ومع ذلك فأن قانون الوقف قد صرح بأن الوقف الأهلي (الذري)القديم يبقى على حاله إذا كانت قد مضت على تمامه مدة أربعين سنة قبل صدور قانون الوقف النافذ، ومقتضى ذلك أن الوقف الأهلي الذي تم خلال مدة تقل عن أربعين سنة قبل صدور القانون يكون باطلاً، حسبما هو مقرر في المادة (46) من قانون الوقف.

الوجه الرابع: حالات جواز الوقف الأهلي الذري القديم السابق على صدور قانون الوقف النافذ:

حددت المادة (46) من قانون الوقف النافذ حددت الحالات التي يصح فيها الوقف الأهلي (الذري) القديم السابق على صدور القانون، وفي هذا الشأن نصت المادة المشار إليها على أن (الأوقاف الأهلية القديمة التي لا تتفق شروطها مع الشروط المنصوص عليها في هذا القانون إذا كانت قد صدرت فيها أحكام شرعية بصحتها او كان الورثة قد تراضوا عليها او مضى عليها اربعون عاماً تبقى على ما هي عليه ولا تنقض إلا بتراضي أهل المصرف أو اغلبهم بحسب الإستحقاق وأوفر صلاحاً إذا تحققت المصلحة) ، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر إنه قد أكد على بطلان الوقف الأهلي (الذري) القديم السابق على صدور القانون بإستثناء ثلاث حالات يصح فيها الوقف الاهلي أو الذري ، وبيان هذه الحالات كما يأتي:

الحالة الأولى: صدور أحكام قضائية قضت بصحة الوقف الأهلي: فإذا وجدت هذه الأحكام فإن الوقف الأهلي أو الذري لا يبطل إحتراماً لحجية أحكام القضاء، ويبقى الوقف الأهلي القديم في هذه الحالة ولا يجوز نقضه إلا بتراضي أهل المصرف او الموقوف عليهم، ويكفي في هذه الحالة أن يكون الوقف قديماً حتى لو كان قد تم قبل صدور القانون بأيام، فلا يشترط أن تكون قد مضت على قيام الوقف الأهلي أربعون عاماً.

الحالة الثانية: تراضي الورثة على الوقف الأهلي أو الذري: فإذا تراضى ذرية على الوقف الأهلي السابق على صدور القانون فأن هذا الوقف يصحً ، والتراضي بين الذرية الواقف أو ورثتهم قد يكون شفاهة او كتابة، وهذا هو التراضي الصريح وقد يكون التراضي ضمنياً بأن يقبل الورثة أو الذرية بالوقف الأهلي كالإنتفاع بالأعيان الموقوفة او قبض عائداتها...إلخ، ولم يشترط النص القانوني السابق وقتاً معيناً لتراضي الورثة ، فيكفي أن يكون التراضي في وقت سابق لصدور قانون الوقف ولو كان التراضي قد تم قبل صدور القانون بأيام.

الحالة الثالثة: مضي أربعين عاماً قبل صدور القانون على إنشاء الوقف الأهلي أو الذري: فبمجرد إنقضاء هذه المدة يصح الوقف الأهلي حتى لو لم يتراض الورثة عليه، وحتى لو لم تصدر أحكام قضائية بصحته.

الوجه الخامس: نقض الوقف الأهلي (الذري) القديم:

ذكرنا في الوجه السابق الحالات التي يصح فيها الوقف الذري القديم الذي نشأ قبل صدور قانون الوقف النافذ، حسبما هو مقرر في المادة (46) من القانون ذاته السابق ذكرها، وقد اجاز القانون لذرية الواقف في الوقف الأهلي نقض الوقف الأهلي في الحالات السابق بيانها ،وذلك إذا تم النقض بناءً على تراضي أهل المصرف الذي تصرف فيه عائدات الوقف الأهلي وهم ذرية الواقف الموقوف عليهم، ولايدخل في الذرية المتراضين من سبق له أو لسلفه ان تصرف بنصيبه من الوقف الذري ، فلايجوز لهولاء المطالبة بنقض الوقف الذري لسبق تصرفهم في نصيبهم من الوقف الذري.

ومعنى نقض الوقف الأهلي أو الذري هو: إبطال الوقف وزوال صفة الوقف والحبس عن الأعيان التي كانت موقوفة على النفس او الذرية ، ؤإجازة التصرف فيها بالبيع والشراء والهبة والنذر وغيرها من التصرفات الناقلة للملكية، وتطلق على نقض الوقف الأهلي في اليمن مسميات عدة منها (تحرير الوقف/ إبطال الوقف/ نقض الوقف/تسويغ الوقف).

الوجه السادس: شروط نقض الوقف الأهلي:

من خلال إستقراء نص المادة (46) من قانون الوقف السابق ذكرها يظهر أن ذلك النص قد اشترط لنقض الوقف الأهلي الذري الشروط الآتية:

الشرط الأول: أن يتراضى ذرية الواقف أهل المصرف في الوقف الذري أو الأهلي على نقض الوقف: وينبغي أن يتم التراضي بين جميع أهل المصرف او ذرية الواقف جميعهم او اغلبهم، وتحتسب اغلبية الذرية على أساس أغلبية الإستحقاق في الوقف الأهلي الذري وليس بحسب عدد رؤوس الورثة، وعند الإختلاف يراعى رأي أكثر الورثة صلاحاً، ولايدخل في ذرية الواقف المتراضين من سبق له أو لسلفه ان تصرف بنصيبه من الوقف الذري ، فلايجوز لهولاء المطالبة بنقض الوقف الذري لسبق تصرفهم في نصيبهم من الوقف الذري

الشرط الثاني: أن يتم إثبات تراضي ذرية الواقف في وثيقة طلب يتم رفعه إلى الجهة المختصة وهي هيئة الأوقاف أو وزارة الأوقاف التي تتولى إحالته إلى المحكمة المختصة (القاضي الشخصي) المختص الذي يقع ضمن إختصاصه المكاني أموال الوقف الأهلي الذري المطلوب نقضه.

الوجه السابع: آثار الحكم القضائي بنقض الوقف الأهلي الذري:

بعد أن تتولى هيئة الاوقاف إحالة الطلب بنقض الوقف الأهلي الذري إلى القاضي الشخصي المختص مكانياً ، فإن القاضي يتولى دراسة الطلب وتحقيقه والتثبت من تحقق شروط صحة الطلب والتحقق من تراضي غالبية الذرية وصفاتهم والتحقق من وجود مصلحة في نقض الوقف، فإذا تحقق القاضي من ذلك فأنه يصدر حكمه بنقض الوقف ، وعندئذٍ فأنه يترتب على ذلك زوال صفة الوقف والحبس ومنع التصرف في تلك الأموال ، فتصير تلك الأموال حرة قابلة للتصرف فيها بأي من التصرفات الناقلة لملكيتها، وقد يقتصر أثر الحكم على ذلك إذا كانت هذه الأموال قد سبق تقسيمها من قبل الورثة، وإذا كان الورثة قد سبق لهم التراضي على قسمتها للإنتفاع بها فيتم إعتماد تلك القسمة، اما إذا لم يسبق تقسيم الأموال وما زالت شائعة فأنه يتم قسمتها بحسب الفرائض الشرعية مع مراعاة إنه إذاكان قد سبق لأحد الذرية او اسلافه أن تصرف في أي من أموال الوقف الأهلي أو الذري فيتم إحتسابها من نصيبه، والله اعلم.

نقض الوقف الأهلي (الذري) القديم