الصلح بين الورثة في قسمة التركة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
الصلح عقد بين المتصالحين يتضمن تنازل او إسقاط المصالح لبعض طلباته لاجل قطع النزاع او حسمه أو توقي وقوع نزاع في المستقبل، حسبما هو مقرر في الشريعة الإسلامية ، وحسبما ورد في تعريف الصلح في المادة (668) من القانون المدني اليمني.
في حين أن أنصبة الورثة في تركة مورثهم هي فرائض شرعية حدد الشارع تبارك وتعالى مقادريها ، فلا تجوز الزيادة والنقصان فيها، غير إنه يجوز للوارث أن يتنازل عن نصيبه في التركة بعد ثبوت حقه وعند قسمة التركة، وقد اشار إلى هذه المسألة المهمة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-7-2012م في الطعن رقم (45324)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار اليه: (فعند إمعان النظر في حيثيات وأسباب الحكم الاستئنافي وما تضمنته عريضة الطعن من أسباب والرد على الطعن فقد تبين: أن الطاعن نعي على الحكم الاستئنافي مخالفته للقانون والقصور في التسبيب، وبتأمل الدائرة في حيثيات وأسباب الحكم الاستئنافي فقد تبين للدائرة: أن الحكم الاستئنافي الذي قضى بتأييد الحكم الابتدائي الذي قضى به بإعتماد رقم الصلح المحرر بين الطاعن والمطعون ضده المؤرخ.... بقلم.... فقد تبين للدائرة من خلال ذلك : أن الحكم الاستئنافي جاء صحيحاً لموافقته للشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن موضوعاً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية الصلح بصفة عامة في الشريعة والقانون:
الصلح في الفقه الإسلامي هو: عقد يتوصل به الخصوم إلى رفع النزاع القائم وقطع الخصومة، أو يتوقى به الخصوم وقوع نزاع في المستقبل ، والصلح جائز ومشروع في الفقه الإسلامي، فقد وصف القرآن الكريم الصلح بأنه خير، وذلك في قوله تعالى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.
ويتضمن الصلح في المال معنى الإسقاط، فقد يتم التصالح على أن يحط او يتنازل أحد الخصوم عن بعض حقه ويسمى (صلح الحطيطة) كأن يكون محل النزاع دارا فجرى الصلح على أن يأخذ المدعي نصفها مثلاً ، فيكون في ذلك قد اسقط او حط صاحب الحق فيها نصف الدار، وقد يكون الصلح معاوضة على غير العين التي أدعى بها المدعي، كما لو أدعى المدعي بأرضية لدى خصمه فتصالح المدعي والمدعى عليه على أن يقوم المدعى عليه بتعويض المدعي بعوض نقدي عنها، وهذا الصلح جائز في الشريعة طالما إنه لم يحرم حلالاً او يجيز حراماً.
اما القانون المدني اليمني فقد عرّف الصلح بأنه (عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً او يتوقيا به نزاعاً محتملاً، وذلك بأن يتنازل كل منهما عن جزء من إدعائه)، وصرحت المادة (669) مدني بأن عقد الصلح جائز في الدماء والأموال والحقوق شريطة أن لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ولا يثبت نسباً او يسقط حداً.
الوجه الثاني: مدى جواز تنازل الوارث او إسقاطه لحقه في الميراث:
ذكرنا في الوجه السابق أن الصلح في الأموال يتضمن في معناه إسقاط الخصم صاحب الحق لبعض حقه مقابل قطع النزاع او رفعه أو منعه ، وهذا الأمر يستدعي الإشارة بإيجاز إلى مدى جواز تنازل الوارث عن حقه او نصيبه الشرعي في الميراث.
لا ريب إنه من المسلم به إنه لا يجوز للوارث أن يتنازل عن نصيبه او حقه الشرعي في الميراث قبل تحقق هذا الحق الشرعي بموت المورث أي انه لايجوز للوارث ان يتنازل عن نصيبه في تركة مورثه قبل وفاة مورثه، فمن المعروف أن حق الوارث في الميراث لا يتحقق إلا إذا ثبت بالبينة موت مورثه وثبتت حياة الوارث عند وفاة المورث، ففي هذه الساعة يستطيع الوارث ان يتنازل عن حقه في الميراث الشرعي من مورثه ، غير أن تنازل الوارث عن نصيبه قبل حصر أموال التركة وتحديد الإلتزامات القائمة عليها يكون جزافي يكتنفه الغرر، ولذلك فإن الوقت المناسب لتنازل الوارث عن نصيبه أو بعض نصيبه يكون عند حصر أموال التركة وتحديد نصيب كل وارث منها ، فعندئذٍ يجوز للوارث أن يتنازل عن نصيبه لأحد الورثة أو للورثة الآخرين جميعهم، لأن الوارث في هذه الحالة قد صار مالكاً لنصيبه المعين ، وله عندئذٍ أن يتصرف بماله كيفما يشاء ومتى ما شاء سواءً بالبيع او الهبة او الوقف او التنازل أو غير ذلك من التصرفات.
الوجه الثالث: مدى جواز الصلح في قسمة التركة:
يجوز الصلح بين الورثة على إجراءات القسمة كالصلح بشأن التثمين او التخارج او في توزيع أموال التركة بينهم بالتراضي شريطة أن يكون الورثة المتقاسمين ذكورا بالغين عاقلين غير ممنوعين من التصرف ، وشريطة أن يكون الورثة المتصالحين من الذكور ، لأن تصرف النساء او تنازلهن لأقاربهن مشروط بأن يكون بيعاً قد تم بسعر المثل وتولى تقديره خبراء عدول وتم قبض الثمن من قبل الوارثة المتصرفة حسبما استقرت عليه أحكام القضاء اليمني منذ امد بعيد.
ونخلص من هذا التعليق إلى القول بأن الصلح بين الورثة في قسمة التركة جائز إذا كان الورثة ذكوراً بالغين عقلاء، والله أعلم.