تعويض الزوجة لعدم إنجاب الزوج
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
قال تعالى {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: (49 – 50)].
فالعقم اوعدم الإنجاب أية من آيات الله تعالى لا تدركها قدرات العقل البشري الناقصة، بيد أن الله سبحانه وتعالى أودع في الأنثى عاطفة الأمومة وحب الأولاد وتلك ايضا أية وفطرة إلهية ، إضافة إلى ان حفظ النسل البشري وتعمير الارض من حكم الزواج ومقاصده باتفاق الفقهاء.
والزوج النجيب حينما يتزوج الزوجة العقيم يستطيع تعويض ذلك عن طريق الزواج بأخرى غير عقيم، لكن المرأة إذا تزوجت الرجل وظهر لها من بعد ذلك انه عقيم فأنى لها ان تشبع فطرتها الإلهية في الأمومة?، لذلك يحق لها أن تطلب فسخ نكاحها عند بعض الفقهاء، كما يحق لها أن تصبر وتحتسب الاجر والثواب والعوض من الله الوهاب الرزاق الذي يهب لمن يشاء الاولاد ويجعل من يشاء عقيما.
وبالمقابل فإن شهامة الزوج العقيم ونخوته وحرصه على دينه وخوفه من الاثم وحرصه على مشاعر الزوجة، كل ذلك قد يدفعه الى طلاق زوجته مع انه المحب المتيم بها ، نعم يطلقها العقيم ،لعلها تتزوج بغيره فيرزقها الله بالبنين، وقد فعل هذا صاحبي السيد النبيل فلان، الذي طلق الزوجة الحبيبة وتزوج باخرى عقيم مثله كتب الله اجره.
وعلى مستوى اقل من الشهامة قد يدفع وفاء زوجة العقيم وتمسكها بزوجها رغم عقمه وصبرها على بلائها بالزوج العقيم قد يدفع ذلك الزوج العقيم إلى تعويض زوجته الصابرة عن بقائها في عش الزوجية مع علمها بأن زوجها عقيم ، قد يدفع ذلك الزوج إلى تعويضها بمال على وفائها وصبرها وبراءة لذمته ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-10-2012م في الطعن رقم (45775)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد ظهر للدائرة أن الطاعن الأول قد ذكر أن الحكم الاستئنافي قد خالف الشرع والقانون لتأييده الفقرة الثالثة من الحكم الابتدائي التي نصت على إستحقاق المطعون ضدها لنصف منزل مورثها زوجها بموجب محرر التمليك لها مقابل عجز الزوج عن الإنجاب ورضاء الزوجة المشار إليها بالبقاء مع زوجها رغم وجود ذلك العيب الذي يحرمها من حقها في الإنجاب ، وهذا الحكم يخالف الشريعة والقانون لانه قد اعطى الزوجة أكثر من الربع وهو نصيبها الشرعي إضافة إلى أن إعطاء الزوجة نصف البيت يعد وصية لوارث، والدائرة تجد: أن هذا النعي غير وارد، لأن التمليك للزوجة كان في حياة المورث مقابل حرمانها من حقها في الإنجاب ، فذلك من قبيل التعويض للزوجة ، فلا يعتبر من قبل الوصية ، مما يستوجب رفض هذا الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: التعويض بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية:
من المعروف أن الحق في التعويض قد يكون نتاج المسئولية العقدية أي أن المتعاقد الذي يخل بواجبه العقدي ملزم بتعويض المتعاقد الآخر إذا ترتبت على الإخلال ببنود العقد لحوق ضرر أو فوات كسب بالمتعاقد الآخر بسبب الإخلال بالعقد.
كذلك قد يكون التعويض نتاج المسئولية التقصيرية التي تعني أن الشخص مسئول عن تعويض الضرر الذي لحق بشخص آخر أو الكسب الذي فات عليه بسبب الخطأ الذي صدر من الشخص خلافاً لأحكام الشرع والقانون واللوائح والتعليمات ،فالشخص مسئول في الشريعة والقانون عن الضرر أو الكسب الذي فات على الآخرين بسبب ذلك الخطأ الذي يقع خلافا لاحكام الشرع والقانون.
الوجه الثاني: إمكانية تعويض زوجة العقيم على أساس المسئولية العقدية:
من المتفق عليه في الفقه الإسلامي أن عقد الزواج عقد ديني تدور عليه الاحكام التكليفية الخمسة (الوجوب والتحريم والندب والاباحة والكراهة)، كما أن الشكلية الدينية تحيط بعقد الزواج من كل جهة من حيث طريقة الخطبة وشكلياتها وتاريخ إبرام العقد ومكانه وإجراءاته والوليمة وإجراءات الزفاف، فلا شك أن عقد الزواج عقد ديني يختلف عن غيره من العقود، كما أن المرأة عند جمهور الفقهاء عدا الحنفية ليست طرفاً في عقد الزواج ، وإنما هي محل محل العقد أو المعقود عليها ، فطرف عقد الزواج هو الولي الشرعي الأقرب للمراة.
ومن المقرر ايضا في الفقه الإسلامي أن الحكمة من الزواج تتلخص في تحصين الفروج وحفظ النسل وتعمير الأرض وإماتة الأنانية، وبناءً على ذلك فإن زواج العقيم يحقق بعض مقاصد الزواج وهي تحصين الفروج وإماتة الأنانية غير أن حفظ النسل وتعمير الأرض لا يتحقق في هذا الزواج ، لأن الزوج عقيم.
فالمرأة بصفة عامة عندما تتزوج الرجل تضع في حسبانها انها ستكون أماً تنجب الأولاد وتشبع فطرتها في الأمومة، فإذا تزوجت المرأة الرجل العقيم وهي تعلم أنه كذلك فأنها لم تضع في حسبانها الإنجاب بعد زواجها ، غير أن الأمر يختلف عندما تتزوج المرأة بالرجل وهي لا تعلم أنه عقيم. (الوجيز في احكام الاسرة، أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين، ص82).
الوجه الثالث: تعويض الزوج العقيم لزوجته أثناء حياته:
قضى الحكم محل تعليقنا بصحة تمليك الزوج العقيم لزوجته نصف منزل الزوج مقابل تعويضها عن عدم الإنجاب أثناء فترة زواجها منه، وقد ذهب الحكم محل تعليقنا إلى أن قيام الزوج بتمليك زوجته نصف منزله ليس وصية أو هبة للزوجة وإنما تعويض لها ،لأن التمليك لنصف المنزل لم يكن تصرف لما بعد موت الزوج وإنما كان أثناء حياته، فالتمليك الصادر من الزوج العقيم كان تعويضاً وليس هبة أو وصية، ولذلك لا تسري على ذلك التصرف أحكام الوصية أو الهبة حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: إمكانية مطالبة زوجة العقيم بفسخ زواجها:
في تعليق سابق ذكرنا أن هذه المسألة محل خلاف شرعي وقانوني، وأساس هذا الخلاف هل العقم عيب في الزوج أم لا؟.
ففي الفقه الإسلامي اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى قولين: فقد ذهب القول الأول : إلى عدم جواز مطالبة الزوجة بفسخ زواجها لعقم زوجها، لأن العقم أمر قدره الله تعالى في قوله تعالى {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}، في حين ذهب القول الثاني: إلى أن عقم الزوج سبب من أسباب فسخ الزواج، لأن حفظ النسل وتعمير الارض مقصد من اهم مقاصد عقد الزواج ،علاوة على أن زوجة العقيم التي لا تعلم قبل زواجها بأنه كذلك ،ماكانت لتقبل الزواج به لو كانت تعلم ذلك، ولذلك فان ارادتها ورضاها بالزواج قد تعيبت ، فضلا عن ان الزوجة في هذا الزواج لاتستطيع إشباع عاطفتها في الأمومة التي أودعها فيها الله تعالى، بخلاف الزوج المتزوج بالزوجة العقيم الذي يستطيع الزواج بأخرى، إضافة الى أن القول بأن العقم عيب في الزواج لا يخالف ماورد في قوله تعالى (يخلق ما يشاء) ، لأن عيوب الزوج الأخرى كلها تحدث بقدرة الله تعالى كالجب والعنة والبرص والجذام وغيرها، ومع ذلك فالفقه متفق على جواز الفسخ عند تحققها.
ومن جهتهم اختلف شراح القانون في هذه المسألة ، فقد ذهب بعضهم إلى أن عقم الزوج عيب يبرر طلب الزوجة فسخ زواجها، لأن العيوب المذكورة في النص القانوني قد تم ذكرها على سبيل المثال وليس للحصر، فالقاضي غير متقيد بالعيوب المذكورة في النص القانوني ، فأي مرض أو عيب يكون مستعصياً أو منفراً أو يخل بكمال الإستمتاع بين الزوجين أو يعطل مقاصد الزواج فأنه يبرر المطالبة بفسخ الزواج، وهذا الأمر ينطبق على الفسخ لعقم الزوج، وقد صرحت بعض القوانين العربية على جواز الفسخ لعقم الزوج كالقانون الإماراتي، في حين ذهب بعض شراح القانون لعدم جواز الفسخ لعقم الزوج، وحجة هؤلاء هي الحجة ذاتها التي استدل بها الفقهاء الذين ذهبوا إلى عدم جواز فسخ الزواج لعقم الزوج، (فسخ عقد الزواج في القانون اليمني والقوانين العربية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص 365)، والله اعلم.
![]() |
تعويض الزوجة لعدم إنجاب الزوج |