تعديل المدعي لسبب دعواه

تعديل المدعي لسبب دعواه

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

سبب الدعوى : هو الاسم القانوني الفني لمجموعة الوقائع التي تسبب أو تؤدي إلى قيام المدعي بتقديم (الدعوى) وهي مطالبة من المدعي قابلة للاقتضاء والتنفيذ أمام المحكمة المختصة ، ومؤدى ذلك ان المدعى عليه قد ارتكب خطأ انشا حقاً للمدعي في رفع دعوى.

 أي أن المدعى عليه قام بتصرف انشأ حقاً للمدعي في مطالبة المدعى عليه به ودياً وقضائياً بموجب أحكام القانون، فوقوع هذا الخطأ أو التصرف من المدعى عليه يخوّل المدعي في رفع الدعوى لمطالبة المدعي بحقه .

ويتكون سبب الدعوى من وقائع يجب على المدعي إثباتها كي يتمكن من رفع الدعوى، فسبب الدعوى هو مجموعة الوقائع القانونية التي تؤدي إلى الحماية القضائية، فسبب الدعوى هو الوقائع القانونية، وليس القاعدة القانونية المجردة، فالسبب هو الذي يحدد معالم دعوى معينة، وليس النص القانوني المجرد.

حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-6-2012م في الطعن رقم (45489)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه: (وعليه فإن المدعي جعل سبب دعواه عند رفعها هو إستناده إلى ميراثه من والده ، ثم قام بعد ذلك بتعديل سبب الدعوى إلى تنازل اخيه المدعى عليه عن جزء من الارض محل النزاع، ولذلك فإن هذا التعديل لا يعد دعوى جديدة طالما بقي الطلب الأصلي على حاله وأنصب التعديل على السبب الذي تقوم عليه الدعوى، وهذا ما اجازه القانون للمدعي ، فله الحق في ذلك، وقد أوضحت المذكرة التفسيرية في هذا الخصوص بقولها: إنه من الخير الحيلولة دون تكرار الدعوى بنفس الموضوع وبين نفس الخصوم، وذلك بتقرير حق المدعي في أن يعدل سبب دعواه طالما إنه لم يحصل تعديل في موضوع الدعوى أو أطرافها)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد تبين أن الطاعنين قد اثاروا في طعنهم أن الحكم الاستئنافي قد خالف القانون لعدم صفة المتنازعين، لأن الأرض محل النزاع من الأوقاف العامة وقد كان الواجب إدخال مكتب الأوقاف في النزاع، والدائرة: تجد أن هذا الطعن مؤثر مما يستوجب قبول الطعن موضوعاً ونقض الحكم)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية سبب الدعوى:

تهدف فكرة سبب الدعوى مع موضوعها إلى تحديد الشيء الذي يطلبه المدعي من المحكمة القضاء له به، فهذا الشيء لا يتحدد فقط بتحديد ماهية الشئ الذي يطلبه المدعي من القضاء أي محل الدعوى وإنما يجب أيضاً تحديد سبب الدعوى ، فإذا اختلف السبب كنا بصدد دعويين لا دعوى واحدة.

 وقد تعددت آراء شراح قانون المرافعات بشأن تحديد سبب الدعوى، فقد ذهب بعض الشراح إلى أن سبب الدعوى هو الأساس القانوني الذي يستند إليه المدعي ويبني عليه الدعوى ويتحدد في خاصية مجردة بصرف النظر عن الوقائع، في حين يذهب فريق آخر إلى أن سبب الدعوى هو مجموعة الوقائع القانونية التي تؤدي إلى الحماية القضائية وليس القاعدة القانونية المجردة، فالسبب الذي يحدد معالم دعوى معينة ليس النص القانوني المجرد ولكن العناصر والظروف الواقعية هي التي تحدد أساس الدعوى أو سببها، ويترتب على ذلك أن المدعي إذا استند في دعواه إلى وقائع معينة كسبب لدعواه فإن الدعوى تظل واحدة موحدة السبب ، ولو قام المدعي بتغيير تكييفه لهذه الوقائع او غير القاعدة القانونية التي استند إليها في دعواه. (السبب كعنصر من عناصر الدعوى، عبدالستار ناجي، ص3).

 وبتطبيق هذا المفهوم على الدعوى في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا فإن تعديل المدعي لسبب دعواه لم يكن دعوى جديدة ، فقد كان يطلب من المحكمة أن تقضي له بنصف الأرض محل النزاع بسبب أحكام الميراث بصفته وارثاً ، وبعد ذلك قام المدعي بتعديل سبب دعواه بأن طلب من المحكمة لاحقاً الحكم له بنصف الأرض على أساس أن المدعى عليهم قد وهبوا له او تنازلوا له عن نصف الأرض محل النزاع، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن تعديل سبب الدعوى على هذا النحو ليس من قبيل الدعوى الجديدة وإنما مجرد تعديل لسبب الدعوى السابقة ، لأن المدعي بعد تعديل سبب الدعوى ظل يطلب نصف الأرض ولكن على أساس أن المدعى عليهم قد وهبوه او تنازلوا له عن نصف الأرض، فموضوع الدعوى واحد والخصوم فيها متحددون ولم يتغير إلا سبب الدعوى.

الوجه الثاني: إدخال مكتب الأوقاف عندما يكون محل النزاع من أموال الأوقاف:

كان سبب نقض حكم المحكمة العليا للحكم الاستئنافي المؤيد للحكم الابتدائي كان سبب ذلك هو عدم قيام محكمة الموضوع بإدخال مكتب الأوقاف في النزاع ، لأن محل النزاع كان أرض من أراضي الأوقاف العامة، فلم يكن نقض الحكم متعلق بتعديل سبب الدعوى على النحو السابق بيانه في الوجه السابق، علماً بأن محل النزاع بين الطرفين لم يكن بشان ملكية العين الموقوفة وإنما كان بشأن الإنتفاع بالعين الموقوفة ، لأن الطرفين كانا معترفين بملكية الأوقاف للأرض محل النزاع، ووجوب إدخال الأوقاف في هذه الحالة كان وجوبياً ، لأن الحكم بشأن أحقية الإنتفاع بالعين الموقوفة يعني فرض المستأجر لأرض الوقف على مكتب الأوقاف ، في حين أن تأجير أرض الوقف يخضع للسلطة التقديرية لمكتب الأوقاف وبحسب رضاء وموافقة مكتب الأوقاف بإعتبار أن عقد تأجير أرض الوقف من العقود الرضائية، ولتحاشي هذا الأمر فإن بعض القضاة عند نظرهم في نزاع الأشخاص على أحقية الإنتفاع بالعين الموقوفة يصرح في الحكم بانه يجب على المحكوم له بالحق في الإنتفاع أن يقوم بإستئجار العين من مكتب الأوقاف، ومن وجهة نظرنا أن إدخال مكتب الأوقاف هو المعالجة القانونية السليمة وان ذلك أولى وأفضل من الناحية القانونية من الحكم بأحقية الإنتفاع بالعين الموقوفة وإلزام المحكوم له بالإستئجارلها من الاوقاف ، سيما أن قيام مكتب الأوقاف بتأجير الأعيان الموقوفة عمل إداري يخضع للسلطة التقديرية لمكتب الأوقاف وهو ما يطلق عليه: سلطة الإدارة في ملائمة أعمالها الإدارية، ووفقاً لذلك لا يجوز للقضاء أن يفرض على الأوقاف تأجير العين الموقوفة لشخص بعينه، والاهم من هذا وذاك ان الحكم بالزام المستاجر بإستئجار العين الموقوفة من الاوقاف لايكون ملزما للاوقاف لانها لم تكن في الخصومة التي صدر فيها ذلك الحكم،عملا بمبدا نسبية حجية الاحكام، ومن هذا المنطلق فان المعالجة القانونية الصائبة هي إدخال الاوقاف عند النزاع بين الخصوم بشان الانتفاع بالإعيان الموقوفة ، والله اعلم.

تعديل المدعي لسبب دعواه
تعديل المدعي لسبب دعواه