وقت جرح الشاهد والشهادة

وقت جرح الشاهد والشهادة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

نصت المادة (54) من قانون الإثبات اليمني على إنه (لا يقبل جرح الشاهد بعد الحكم بشهادته إلا في الأحوال الآتية: -1- أن يكون المحكوم عليه غائباً -2- خائفاً أو مسجوناً أو مريضاً لا يستطيع الوصول إلى القاضي -3- القاصر إن أهمل وليه الجرح –4- إستعجال الحاكم بالحكم قبل إتمام النزاع، ويترتب على قبول الجرح في هذه الأحوال إعادة النظر في الحكم).

 فالأصل وفقاً لهذا النص القانوني أن يقوم المشهود عليه بجرح الشاهد أو الشهادة بعد الإدلاء بالشهادة وقبل صدور الحكم، بإعتبار جرح الشاهد أو الشهادة حقا من حقوق الدفاع المقررة في القانون للمشهود عليه في مواجهة الشهادة المقدمة ضده ، ومقتضى ذلك انه ينبغي على المشهود عليه أن يجرح الشاهد أو الشهادة بعد الأدلاء بالشهادة ، وان يقدم الجارح الأدلة على وقائع الجرح للشاهد نفسه أو لشهادته ، حتى تتمكن المحكمة من دراسة وتمحيص وقائع الجرح للشاهد أو لشهادته والادلة على ذلك في حينه والتحقق من صحة جرح الشاهد او شهادته ، وفي ضوء ذلك تستبين محكمة الموضوع الحقيقة فيكون حكمها عنوانا للحقيقة، وعلى هذا الاساس اذا لم يقم المشهود عليه بجرح الشاهد أو الشهادة قبل صدور الحكم ، فانه يكون قد فرط في حقه ، فلايقبل جرحه الا في الحالات المستثناة حصرا المحددة في النص القانوني السابق ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-2-2012م في الطعن رقم (44029)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه : (اما بشأن العمل بالشهادة التي قدمها المستانف فلا مجال للأخذ بها، فلايجوز الأخذ بشهادة الجرح المقدمة من المستانف أمام محكمة الاستئناف، لانها شهادة جرح للشاهد الذي سبق الحكم الابتدائي ان قضى بشهادة الشاهد، وعدم توفر أية من الحالات التي وردت بالمادة (54) من قانون الإثبات)، وعند الطعن بالنقض بالحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فما ورد في أسباب الطعن عبارة عن وقائع ناقشها الحكم الاستئنافي ، ومن خلال ذلك توصل الحكم الإستئنافي إلى تأييد الحكم الابتدائي، فالحكم الاستئنافي موافق للشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن موضوعاً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية جرح الشاهد وجرح الشهادة:

الجرح قد يكون للشاهد وقد يكون للشهادة ، وقد يكون لهما معا ، فجرح الشاهد: هو قيام الخصم المشهود عليه بإثبات تخلف شروط الشاهد المقررة في الشرع والقانون ، وذلك في الشاهد الذي قام بالأدلاء بشهادته ضد الجارح.

اما جرح الشهادة فهو : قيام المشهود عليه بإثبات تخلف شروط الشهادة المعتبرة في الشرع والقانون للشهادة، وذلك في الشهادة التي أدلى بها الشاهد على الجارح.

وقد صرحت المادة (53) إثبات على أن الجرح قد يكون للشاهد او للشهادة، وفي هذا المعنى نصت المادة (53) إثبات على أن (يكون الجرح بما ينفي شروط الشاهد والشهادة مع بيان الجرح وتاريخه).

الوجه الثاني: جرح الشاهد :

 سبق القول ان جرح الشاهد: هو قيام الخصم المشهود عليه وهو الجارح بإثبات تخلف شروط الشاهد المقررة في الشرع والقانون،وذلك في الشاهد الذي قام بالأدلاء بشهادته على الجارح.

والشروط المعتبرة في الشاهد هي المذكورة في المادة (37) إثبات التي نصت على إنه (يشترط في الشاهد ما يلي: -أ- أن يكون بالغاً عاقلاً عدلاً –ب- أن يكون قد عاين المشهود به بنفسه إلا فيما يثبت بالسمع واللمس –ج- أن لا يكون مجلوداً في حد أو مجروحاً في عدالة مالم تظهر توبته وصلاح عدالته، والعدالة هي الصلاح الظاهر في الشاهد –د- أن لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً –هـ- أن لا يكون خصماً للمشهود عليه –و- أن لا يشهد على فعل نفسه مع مضنة التهمة –ز- أن يكون عالماً بالمشهود به ذاكراً له وقت الأدلاء).

فجرح الشاهد يتم عن طريق قيام المشهود عليه بإثبات تخلف أي شرط من الشروط المذكورة في النص السابق ، وذلك في الشاهد الذي أدلى بشهادته.

الوجه الثالث: جرح الشهادة :

جرح الشهادة هو : قيام المشهود عليه وهو الجارح بإثبات تخلف شروط الشهادة المعتبرة في الشرع والقانون ، وذلك في الشهادة التي أدلى بها الشاهد على الجارح.

فاذا اتجه الجرح إلى الشهادة التي أدلى بها الشاهد فعندئذٍ يجب على الخصم الجارح أن يثبت امام محكمة الموضوع تخلف شروط الشهادة المقررة في المادة (41) إثبات التي نصت على إنه (يشترط في الشهادة ما يأتي: -1- أن تكون في مجلس القضاء في حضور المشهود عليه أو وكيله أو المنصوب عنه -2- أن تؤدى بلفظ أشهد -3- أن تتقدمها دعوى شاملة لها -4- أن لا تكون بالنفي الصرف إلا إذا اقتضى الإثبات، وان لا يكذبها الواقع وتراعى الأحكام المبينة في المواد التالية)، وورود عبارة (وتراعى الأحكام المبينة في المواد التالية) دليل على أن شروط الشهادة ليست محصورة في نص المادة (41)السابق ذكرها وان هناك شروط أخرى للشهادة مقررة في المواد التالية للمادة السابق ذكرها مثل: عدم جواز الشهادة لغير مدعٍ أو وجود خلل في نصاب الشهادة..الخ.

الوجه الرابع: الخصم الذي يحق له جرح الشاهد أو شهادته وشروط ذلك:

هو الخصم المشهود عليه الذي لم يستشهد بالشاهد أو لم يطلب حضوره إلى المحكمة للادلاء بشهادته، ويشترط في الجارح أن لايكون هو الذي طلب الإستشهاد بشهادة الشاهد ، وان لا يكون قد سبق له القبول بالشهادة، وفي هذا المعنى نصت المادة (55) إثبات على أن (قبول الخصم بشهادة الشاهد قبل أدائها تعديل للشاهد لا يقبل بعده الجرح فيه ، وقبولها بعد أدائها إعتراف بما فيها) ، كما يشترط ان يتم الجرح قبل صدور الحكم في القضية حسبما هو مقرر في المادة (54) إثبات.

الوجه الخامس: وقت قيام الخصم المشهود عليه بجرح الشاهد أو الشهادة:

كفلت الشريعة الإسلامية وقانون الاثبات اليمني للخصم المشهود عليه أن يواجه الشهادة عليه بجرح الشاهد أو الشهادة أو جرحهما معا ، بإعتبار جرح الشاهد أو الشهادة من أهم مظاهر حق الدفاع في مواجهة الشهادة على الجارح التي تعد دليلا من أهم الادلة على المشهود عليه ، ومن مظاهر حق المشهود عليه في الدفاع في مواجهة الشاهد والشهادة عليه حق المشهود عليه في جرح الشاهد الذي شهد عليه أو جرح شهادته أو جرحهما معاً، وفي هذا الشأن نصت المادة (47) إثبات على إنه (يجوز للخصم أن يدفع شهادة خصمه ببينة يثبت بطلانها كما يجوز له أن يأتي بشهود لجرح شهود خصمه).

غير ان حق الخصم المشهود عليه في جرح الشاهد أو شهادته موقوت بوقت معين وهو: الوقت التالي لأدلاء الشاهد بشهادته وقبل حجز القضية للحكم فيها، فإذا لم تتوفرللجارح أدلة الجرح إلا بعد حجز القضية للحكم ، فيجوز للخصم أن يطلب فتح باب المرافعة للإستماع إلى أدلته على جرح الشاهد أو شهادته ، غير انه لا يقبل من الخصم جرح الشاهد أو جرح شهادته بعد صدور الحكم المبني على الشهادة التي يريد الخصم جرحها أو جرح الشاهد الذي أدلى بها، وفي هذا المعنى نصت المادة (54) إثبات على إنه (لا يقبل جرح الشاهد بعد الحكم بشهادته إلا في الأحوال الآتية: -1- أن يكون المحكوم عليه غائباً -2- خائفاً أو مسجوناً أو مريضاً لا يستطيع الوصول إلى القاضي -3- القاصر إن أهمل وليه الجرح –4- إستعجال الحاكم بالحكم قبل إتمام النزاع، ويترتب على قبول الجرح في هذه الأحوال إعادة النظر في الحكم).

 فقد اشترط النص القانوني السابق جرح الشاهد او جرح شهادته قبل الحكم المبني على تلك الشهادة ، حتى يتمكن القاضي الذي استمع للشاهد والشهادة من الوقوف على أقوال الجارح وأدلته والموازنة بينهما وبين الشاهد المجروح وشهادته والتثبت من الحقيقة ، فيتمكن القاضي من تلمس سبيل الحق والحقيقة، علاوة على أن الخصم حينما لا يقوم بجرح الشاهد أو شهادته بعد الأدلاء بها مع انه كان حاضر في جلسات المحاكمة وهو آمن على نفسه عاقل قادر على الجرح لاشك أن سكوت الخصم عن الجرح في هذه الحالة دليل على ان المشهود عليه ليس لديه ما يجرح الشاهد أو الشهادة، فلو كان لديه ما يجرح ذلك لقام بالجرح في حينه، وعلى إفتراض ان لدى المشهود عليه مايجرح فأنه قد فرط في حقه حينما لم يتقدم بذلك قبل صدور الحكم، فضلاً عن ان الخصم حينما يقوم بالجرح في الشاهد او الشهادة بعد صدور الحكم الابتدائي فإن ذلك يحرم المشهود له من الرد ومناقشة اوجه الجرح أمام محكمة أول درجة ،علاوة على أن قيام المشهود عليه بجرح الشاهد أو الشهادة بعد صدور الحكم المبني على الشهادة دليل على انه يسعى إلى الكيد وإطالة إجراءات نظر القضية، والله اعلم.

وقت جرح الشاهد والشهادة
وقت جرح الشاهد والشهادة