موطن التركة قبل قسمتها

موطن التركة قبل قسمتها

من المواضيع المثيرة للجدل في اليمن تحديد المحكمة المختصة بنظر طلب القسمة الجبرية سيما إذا كانت اموال التركة عقارات منتشرة في أكثر من مكان أي ضمن إختصاص محاكم عدة، فقد وردت ضمن (أحكام الموطن ومحل الإقامة) في قانون المرافعات وردت المادة (35) التي نصت على أن (موطن القاصر ومن في حكمه هو موطن النائب عنه قانوناً ولياً أو وصياً، وموطن التركة قبل القسمة هو آخر موطن للمتوفي عنها)، في حين وردت ضمن الفصل المخصص لبيان الإختصاص المكاني للمحكمة وردت المادة (93) مرافعات التي نصت على إنه (في المنازعات المتعلقة في العقارات يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار كله أو بعضه الأكبر قيمة).

لا شك أن نص المادة (35) مرافعات يمني السابق ذكرها مأخوذ من الفقرة (2) من المادة (15) من قانون إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المصري ، وهو قانون خاص في مصر ينظم اجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، وذلك ظاهر من اسم القانون.

وقد حددت المادة (15) من القانون المصري المشار اليه حددت المحاكم المختصة مكانيا بنظر مسائل الأحوال الشخصية ومنها المحكمة المختصة مكانيا بقسمة التركات أو تصفية التركات بحسب تعبير القانون المصري ، وفي هذا المعنى نصت الفقرة (2) من المادة (15) مصري على أن (-2- تختص المحكمة التي يقع في دائرتها آخر موطن للمتوفي في مصر بتحقيق إثبات الوراثة والوصايا وتصفية التركات فإن لم يكن للمتوفي موطن في مصر يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها أحد أعيان التركة)، في حين ان المقنن اليمني الفهمان جدا بدلا من أن يضع هذا النص ضمن نصوص الاختصاص المكاني قام بوضعه ضمن احكام الموطن!!!؟. مع ان النص المصري صريح في تنظيمه للاختصاص وليس الموطن.

وعملا بنص المادة (93) مرافعات السابق ذكرها فقد صدرت أحكام كثيرة من المحاكم اليمنية تقضي بأن الإختصاص المكاني في قسمة عقارات التركة ينعقد للمحكمة التي تقع ضمن نطاق إختصاصها المكاني العقارات أو العقار الأكبر قيمة، وقد صدرت هذه الأحكام استنادا الى المادة (93) مرافعات باعتبارها النص القانوني المعني ببيان الاختصاص المكاني ، وعلى أساس أن المادة (35) مرافعات قد تناولت الموطن وليس الاختصاص المكاني، وحكم الموطن يختلف عن حكم الاختصاص المكاني للمحكمة، وانه من الواجب على القاضي التقيد باحكام الاختصاص المكاني المقررة في القانون، وقد سبق لنا على حكم للمحكمة العليا في هذا الشان.

ومقابل الاتجاه السابق فهناك أحكام أخرى صدرت من المحكمة العليا قضت بأن الإختصاص في قسمة التركة ينعقد للمحكمة التي يقع فيها آخر موطن للمتوفي عن التركة عملاً بالمادة (35) مرافعات السابق ذكرها ، 

حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-1-2012م في الطعن رقم (43788)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بانه: 

(فقد تبين أن الحكم الابتدائي استند في فصله في موضوع الإختصاص إلى المادة (35) مرافعات التي نصت على أن موطن التركة قبل القسمة هو آخر موطن للمتوفي عنها، وبالنظر إلى ما استند إليه الطاعن من نصوص نجد أن: الحكم الابتدائي قد استند إلى نص خاص بموطن التركة قبل قسمتها ، في حين أن المادة (93) مرافعات متعلقة بالمنازعات المتعلقة بالعقارات ، وتحديد المحكمة المختصة بشأنها هو نص عام ، والقاعدة أن الخاص يقدم على العام وإلا لما كان لإيراد المادة (35) مرافعات فائدة في موضوع التركات ، طالما أنها تدخل ضمن العقارات ، ولذلك فإن ما انتهت إليه المحكمة الابتدائية صحيح)، 

وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا أقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا:

(فقد تبين: أن نعي الطاعن على الحكم الاستئنافي في غير محله لعدم إستناده إلى أية حالة من حالات الطعن بالنقض ، وإن ما توصل إليه الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي بكافة فقراته على النحو المفصل في الحكم الاستئنافي، ولذلك فإن الحكم الاستئنافي موافق للشرع والقانون، لما استند إليه مما يستوجب رفض الطعن موضوعاً)،

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الموطن في التقاضي:

 الموطن عند التقاضي هو: المكان الذي يحدده القانون لتوجيه الإعلانات القضائية إلى الخصوم فيه، فيكون الإعلان الموجه إلى هذا الموطن صحيحاً ، وفي هذا المعنى عرّفت المادة (23) من قانون المرافعات اليمني الموطن بأن (الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة ويباشر فيه أعمال الحياة العادية ويستوفي ماله ويؤدي ما عليه، ويكون المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة أو مهنة أو وظيفة موطناً له لإدارة هذه الأعمال)، ويظهر من مطالعة هذا النص أنه قد راعى أن يكون مال الشخص في هذا الموطن وليس الشخص فقط، ولذلك فقد استثنى قانون المرافعات العقار من هذا الموطن إذا لم يقع العقار في موطن الشخص ، فضلا عن ان نص المادة (93) نص خاص بالاختصاص بالمنازعات على العقار بصفة عامة سواء في التركات ام في غيرها ، حسبما هو مقرر في احكام الاختصاص المكاني ومنها المادة (93) مرافعات.

الوجه الثاني: موطن التركة قبل قسمتها وفقاً للمادة (35) مرافعات:

حددت المادة (35) مرافعات موطن التركة قبل قسمتها ، فقد نصت هذه المادة على أن (موطن القاصر ومن في حكمه هو موطن النائب عنه قانوناً ولياً أو وصياً، وموطن التركة قبل قسمتها هو آخر موطن للمتوفي عنها) ، ومفاد هذا النص أن المعتبر في تحديد الموطن في هذه الحالة هو مكان وفاة المورث الذي ترك التركة وليس مكان أموال التركة، وفقاً لما ورد في المادة (23) مرافعات السابق ذكرها ،فمن المعروف ان موطن المورث قبل موته هو مكان إقامته العادية أو المكان الذي كان يباشر فيه حرفته قبل وفاته.

 ومع أن المادة (35) مرافعات قد بينت موطن التركة وليس الاختصاص المكاني كما الحال في النص المصري ، الا ان تطبيق المادة (35) في وضعها الحالي لا يثير أية إشكاليات إذا كانت أموال التركة كلها أو أغلبها تقع ضمن دائرة موطن المورث، أما إذا كانت أموال التركة تقع ضمن إختصاص عدة محاكم فتثور إشكاليات عدة بشأن مساحة وتثمين أموال التركة في هذه الحالة، وبالإمكان تجاوز هذه الإشكالية عن طريق قيام محكمة موطن المورث أو موطن التركة بتكليف خبراء عدول لحصر وتثمين أموال التركة اينما كانت خارج موطن التركة، وإذا استدعى الأمر إتخاذ أية إجراءات قضائية بشأن أموال التركة الواقعة خارج نطاق إختصاص محكمة موطن التركة أو الورثة المقيمين خارج نطاق إختصاص محكمة موطن التركة فإن محكمة موطن التركة تستطيع إنابة المحاكم الأخرى التي يقع ضمن إختصاصها بعض الورثة أو بعض أموال التركة لاتخاذ الاجراءات اللازمة.

ومع هذا فإن عدة قضاة وباحثين في اليمن يشككوا في إمكانية تطبيق المادة (35) مرافعات يمني طالما وقد وردت هذه المادة ضمن نصوص الموطن وليس ضمن نصوص الاختصاص المكاني ، سيما عندما تكون أموال التركة موزعة بين عدة مناطق تخضع مكانيا لمحاكم عدة.

ولمعالجة مثل هذه الاشكاليات فقد وضع نظام الأحوال الشخصية السعودي معالجة لهذا الأمر، حيث قرر هذا النظام أن القسمة الجبرية التي لا تزيد قيمتها عن خمسين مليون ريالا سعودياً تختص بنظرها إحدى محاكم (الرياض – الدمام – المدينة – جدة – ابها) ، كما حدد النظام المشار اليه محاكم بعينها للفصل في القسمة الجبرية للأموال العقارية وكذا حدد النظام محاكم معينة للقسمة الجبرية للأسهم والسندات، أي أن القانون السعودي قد حدد لكل نوع من أنواع أموال التركة قسمة جبرية خاصة بها بما يناسب اموال التركة، وقد منع القانون السعودي الجمع بين طلبات القسمة الجبرية أمام محكمة واحدة ، فمثلاً لا يجوز للوارث أن يجمع في طلبه القسمة الجبرية بين طلب قسمة العقارات وطلب قسمة الاموال الأخرى، أما بالنسبة للقسمة الرضائية فقد اطلقت وزارة العدل السعودية منصة للقسمة الرضائية يقوم الأفراد عن طريقها بأغلب إجراءات القسمة الرضائية إلكترونيا وبطريقة سهلة وبسيطة ً.

الوجه الثالث: مصدر المادة (35) مرافعات وإشكالية تطبيقه في اليمن وتوصيتنا للمقنن اليمني:

لا شك أن نص المادة (35) مرافعات يمني السابق ذكرها مأخوذ من الفقرة (2) من المادة (15) من قانون إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية المصري ، وهو قانون خاص في مصر ينظم اجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، وذلك ظاهر من اسم القانون.

 وقد حددت المادة (15) من القانون المصري المشار اليه حددت المحاكم المختصة مكانيا بنظر مسائل الأحوال الشخصية ومنها المحكمة المختصة مكانيا بقسمة التركات أو تصفية التركات بحسب تعبير القانون المصري ،وفي هذا المعنى نصت الفقرة (2 ) من المادة (15) مصري على أن (-2- تختص المحكمة التي يقع في دائرتها آخر موطن للمتوفي في مصر بتحقيق إثبات الوراثة والوصايا وتصفية التركات فإن لم يكن للمتوفي موطن في مصر يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها أحد أعيان التركة)، في حين ان المقنن اليمني الفهمان جدا بدلا من أن يضع هذا النص ضمن نصوص الاختصاص المكاني مثلما ورد في القانون المصري قام بوضع النص ضمن احكام الموطن!!!؟.

مع ان النص المصري صريح في تنظيمه للاختصاص وليس الموطن فقط ، ولذلك فنحن نوصي المقنن اليمني سيما وانه عاكف هذه الأيام على تعديل قانون المرافعات بأن يعالج هذا الخطا الفادح بتعديل المادة (35) مرافعات وان يضعها في موضعها الصحيح أي ضمن نصوص الاختصاص المكاني وليس ضمن نصوص الموطن.

الوجه الرابع: المحكمة المختصة بنظر منازعات العقار بصفة عامة وفقاً لقواعد الاختصاص المكاني في قانون المرافعات اليمني:

في غالب الأحيان في الوقت الحاضر يتم حسم قسمة المنقولات من التركة الموجودة اما عن طريق تصادق الورثة على تلك المنقولات أو عن طريق قيام الوارث الذي كانت بحضرته وفاة المورث أو كان الوارث حاضر مع المورث قبل وفاته، يتم حسم امر هذه المنقولات عن طريق قيام هذا الوارث بحلف اليمين على عدم وجود أية منقولات أخرى غير تلك التي ظهرت بالفعل بعد وفاة المورث.

اما بالنسبة للعقارات من أموال التركة فإن كثيراً من القضاة يطبقوا المادة (93) مرافعات بإعتبار أن حكم المادة (93) حكماً خاصا ينظم الاختصاص المكاني بالنسبة للمنازعات على العقار بما في ذلك المنازعة على العقار في دعوى القسمة الجبرية ، فهذا النص القانوني من وجهة نظرهم يحدد الاختصاص المكاني للمحكمة بالنسبة لكافة الدعاوى التي يكون محلها العقار بما في ذلك أموال التركة إذا كان محلها عقاراً، فقد نصت المادة (93) على إنه (في المنازعات المتعلقة في العقارات يكون الإختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار كله أو بعضه الأكبر قيمة)، فهذا النص قد حدد الاختصاص المكاني الذي يجب على المحكمة التقيد به.

وحجة القضاة والباحثين في تطبيق حكم المادة (93) عند قسمة عقارات التركة أن هذا النص خاص بالاختصاص المكاني للمحكمة بالنسبة للعقارات بصفة عامة سيما أن هذا النص يعد استثناءً من المادة (92) مرافعات التي حددت الإختصاص المكاني للمحكمة، فالنصوص القانونية المحددة للإختصاص المكاني للمحكمة هي التي يجب على القاضي أن يتقيد بها عند التحقق من إختصاص المحكمة المكاني وليس أحكام الموطن ، فالقاضي مخاطب قانوناً بالتقيد بالنصوص القانونية الواردة في (الفصل الرابع: الإختصاص المكاني) التي حددت الإختصاص المكاني بصفة عامة في المادة (92) في حين حددت الاستثناءات منها في المواد التالية لها بما في ذلك المادة (93) التي حددت الإختصاص المكاني بالنسبة للمنازعات التي يكون محلها العقار ،وبحسب وجهة النظر هذه فقد صدرت أحكام كثيرة من المحكمة العليا في اليمن ، وقد سبق لنا التعليق على احدها.

الوجه الخامس: موطن التركة قبل قسمتها وفقاً للمادة (35) مرافعات ، هل هو استثناء من قواعد الإختصاص المكاني المحدد في المواد (92) مرافعات وما بعدها:

كان جانب من الجدل في الحكم محل تعليقنا قد اتجه إلى هذه الوجهة ، حيث قضى الحكم بأن موطن التركة قبل قسمتها هو موطن المتوفي عنها (المورث) أي أن هذا الموطن هو خاص بالتركة قبل قسمتها، بيد أن الحكم قد ذهب إلى أبعد من ذلك فقد ذهب إلى أن ذلك يدل على أن نص المادة (35) مرافعات نص خاص فيما يتعلق بالإختصاص المكاني، غير أن ما ذهب إليه الحكم محل تعليقنا يناهضه أن المادة (35) مرافعات قد وردت ضمن أحكام الموطن وليس ضمن أحكام الإختصاص المكاني ، فضلاً عن ان أحكام الإختصاص المكاني المقررة في المادة (92) وما بعدها قد وردت متأخرة عن المادة (35)، وهذا الأمر يفسر صدور أحكام كثيرة من المحكمة العليا بإعتماد ما ورد في المادة (93) عند قسمة العقارات، وقد سبق لنا التعليق على احدها، والله اعلم.

موطن التركة قبل قسمتها
موطن التركة قبل قسمتها

©مدونة الأستاذ الدكتور/ عبدالمؤمن شجاع الدين