تراجع الخصم عن الإدعاء بتزوير المحرر

تراجع الخصم عن الإدعاء بتزوير المحرر

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

نظم قانون الإثبات اليمني إنكار المستند الكتابي والإدعاء بتزويره ، وذلك في الفصل الرابع في المواد (من 122 حتى 128) غير إنه لم يتعرض لحكم تراجع مدعي التزوير عن إدعائه بالتزوير قبل إحالة المحرر إلى النيابة للتحقيق بشأنه، وكذلك نظم قانون الإجراءات الجزائية اليمني دعوى التزوير الفرعية، وذلك في الفصل السابع في المواد (من 258 حتى 262) ولكنه لم يتعرض أيضاً لحكم تراجع الخصم عن إدعائه بتزوير المستند أو المحرر بعد قرار المحكمة إحالة المستند المدعي بالتزوير إلى النيابة وقبل الاحالة الى النيابة.

وفي هذا الشأن فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه إذا أدعى الخصم اثناء سير إجراءات المحاكمة أن المستند مزور وبناء على ذلك قررت المحكمة إحالة المستند إلى النيابة للتحقيق في دعوى التزوير وقبل تنفيذ المحكمة لقرارها تراجع الخصم عن الإدعاء بتزوير ذلك المحرر فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن ذلك التراجع بمثابة إقرار ضمني بصحة ذلك المحرر، وتبعاً لذلك لا يحق للخصم بعد ذلك التراجع القول بعدم صحة ذلك المستند، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-1-2012م في الطعن رقم (43569)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه: (فقد عجز المدعون عن إبراز ما يقدح في صحة البصائر المقدمة من المدعى عليهم، بل أن المدعين قالوا في بداية الإجراءات أن البصائر مزورة ثم تراجعوا عن ذلك بعد إصدار المحكمة قراراً بإحالة البصائر للنيابة، وذلك يعد إقراراً ضمنياً من المدعين بصحة البصائر)، وبعد إستئناف الحكم الابتدائي قضت الشعبة بتاييد الحكم الابتدائي ، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي: (وحيث أنه لم يرد في الاستئناف ما يؤثر على سلامة الحكم الابتدائي ولا على الأسباب والإجراءات التي بني عليها، لهذا لا تجد المحكمة إلا تأييد الحكم الابتدائي)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد وجدت الدائرة: أن مناعي الطاعن غير واردة، إذ أن محكمة الموضوع قد ناقشت الأدلة المقدمة إليها كما ناقشت وسائل الدفاع وما قدم إليها مناقشة تامة، كما أن هذه الأدلة والأخذ بها داخل في إختصاص محكمة الموضوع، ولا رقابة عليها إلا في حالة مخالفة القانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية التراجع عن الإدعاء بتزوير المحرر:

حينما يحتج الخصم بالمحرر في مواجهة خصمه أثناء سير إجراءات المحاكمة، فعندئذٍ قد يدعي الخصم الآخر أن ذلك المحرر مزوّر وقبل إحالة المستند أو إحالة دعوى التزوير إلى النيابة العامة يفصح الخصم المدعي بالتزوير بأنه قد تراجع عن إدعائه بالتزوير، وقد يقع التراجع شفاهة أو كتابة ، وقد يقع التراجع بعد الإدعاء بالتزوير مباشرة وقبل أن تباشر المحكمة أي إجراء بشان الادعاء بالتزوير ، كما قد يقع التراجع بعد قيام المحكمة بإصدار قرارها بإحالة المحرر المدعى بتزويره إلى الجهة المختصة وقبل تنفيذ هذا القرار، وفي كل هذه الاحوال يرتب التراجع اثره.

غير انه يجب في كل الأحوال أن يكون التراجع ثابتاً في محضر جلسة المحكمة طالما أن الإدعاء بتزوير المحرر قد تم إثباته في محضر جلسة سابقة.

الوجه الثاني: غرض الخصم من تراجعه عن الإدعاء بتزوير المحرر:

من المعروف أن الخصم المدعي بتزوير المحرر عندما يتراجع عن إدعائه بالتزوير فأنه يعلم بعدم صحة إدعائه أو وجود ادلة على دعواه، اذ يخشى الخصم في هذه الحالة من إحالة الإدعاء بالتزوير إلى الجهة المختصة قانوناً التي ستتوصل حتما من خلال التحقيق والفحص إلى عدم صحة دعواه بالتزوير وإن المحرر سليم من التزوير، وبناءً على نتيجة التحقيق في دعوى التزوير فإن المحكمة سوف تقضي على الخصم بموجب المحرر إضافة إلى فرض غرامة على المدعي بالتزويروفقا لقانون الاثبات، ولذلك فإن المدعي بالتزوير يتراجع عن الإدعاء بتزوير المحرر حتى يتحاشى هذا الأمر.

الوجه الثالث: تراجع الخصم عن إدعائه بتزوير المحرر إقرار ضمني بصحة المحرر الذي سبق له الإدعاء بتزويره:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن تراجع الخصم عن إدعائه بتزوير المحرر يعد إقراراً ضمنياً بصحة المحرر، فطالما إنه قد تراجع عن إدعائه بتزوير المحرر فإن ذلك يعني أن المحرر صحيح وإن المدعي بالتزوير قد كذب نفسه فيما يتعلق بدعواه بتزوير المحرر، وعلى هذا الأساس فأنه لا يجوز له الإدعاء مرة أخرى بأن ذلك المحرر مزور، لأنه قد سبق له أن كذب دعواه بتزوير المحرر عن طريق تراجعه عن الإدعاء بالتزوير.

الوجه الرابع: أثر تراجع الخصم المدعي عن إدعائه بالتزوير:

تترتب على ذلك آثار عدة اهمها: صحة المحرر الذي سبق له أن أدعى بتزويره وذلك بالنسبة للشخص الذي سبق له الإدعاء بالتزوير دون غيره، اما غير المدعي فانه يجوز له الادعاء بتزوير ذلك المحرر طالما أن بوسعه إثبات تزوير ذلك المحرر، ، ويترتب على التراجع أيضا أن المحرر الذي سبق للخصم الادعاء بتزويره ثم تراجع عن ذلك يترتب عليه ان ذلك المحرر يصير دليلاً صحيحا في مواجهة الشخص الذي سبق له الادعاء بتزويره ، علاوة على إنه لا يجوز للخصم المدعي بالتزوير أن يدعي مرة أخرى بتزوير المحرر مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.

بيد انه يحق للخصم الذي سبق له الادعاء بتزوير المحرر ثم تراجع عن ذلك يجوز له الادعاء مرة اخرى بتزوير ذلك المحرر إذا حصل الخصم بعد تراجعه على إإقرار بتزوير ذلك المحرر أو صدر حكم بتزوير ذلك المحرر ، والله اعلم.

تراجع الخصم عن الإدعاء بتزوير المحرر
تراجع الخصم عن الإدعاء بتزوير المحرر