إشكالية تعدد فصول المقاسم الواحد في التركة الواحدة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
سبق ان اشرنا إلى هذا الموضوع مجرد إشارة في سياق تعليق سابق، فطلب مني بعض القضاة والمهتمين والمتابعين في اليمن أن أتناول هذا الموضوع في مقالة مستقلة تسلط الضوء على هذا الموضوع، حتى يدرك الباحثون والمهتمون والمتابعون الكرام أبعاد هذا الموضوع، وحتى نتمكن من تقديم الإقتراحات والمعالجات المناسبة بشأن هذا الموضوع، ولذلك فقد عقدت العزم على تناول هذا الموضوع بإيجاز في هذا المقال، وذلك على النحو الآتي:
الوجه الأول: معنى تعدد فصول الوارث الواحد في التركة الواحدة:
عند موت المؤرث تنتهي بموته ذمته المالية فتصير كافة أمواله تركة ومخلف تنتقل إلى خلفه العام وهم ورثته الشرعيون، إذ تصير بعد ثبوت موت المؤرث تصير أمواله تركة مملوكة على الشيوع لورثته من بعده.
وفي بعض الحالات لا يستعجل الورثة قسمة أموال مؤرثهم فتظل التركة شائعة بينهم لمدة من الزمن حتى يتم التاكد من أموال التركة على نحو سليم ،اذ تظهر خلال هذه الفترة أموال وديون وحقوق أخرى كانت للمؤرث لدى الغير، كما يتم خلال هذه المدة حسم النزاعات بشأن أموال المؤرث المتنازع على ملكيتها فيما بين المؤرث وبعض ورثتهم أو بين الورثة أنفسهم، وبعد مضي هذه المدة تكتسب أموال التركة بعض الثبات أو الإستقرار النسبي، فبعدئذٍ تتم قسمة كافة أموال التركة بعد إستخراج كافة الديون والإلتزامات وحقوق الغير المتعلقة بها التي ظهرت خلال الفترة السابقة للقسمة، وعندئذٍ يتم تحرير فصل واحد لكل واحد في كافة أموال التركة ، ويتم حسم قسمة التركة على هذا الأساس ، ومع ذلك فقد تظهر أموال أخرى من التركة بعد إجراء القسمة الأولى ، فعندئذ لا يتم تحرير فصول قسمة للأموال التي تظهر بعد القسمة الأولى وإنما يتم تثمين تلك الأموال وبيعها عن طريق وكيل للورثة ويتم تقسيم ثمنها على جميع الورثة بحسب الأنصبة الشرعية، اذ يتم بيع تلك الأموال لأحد الورثة أو للغير بموجب وكالة صادرة من جميع الورثة ببيع المال أو تلك الأموال التي ظهرت بعد القسمة الأولى بدلا من تحرير فصل اخر إضافي لكل وارث.
غير إنه في غالب الأحيان تدب الخلافات بين الورثة بعد وفاة مورثهم ، فيسارعوا إلى قسمة تركة مؤرثهم قبل أن يتحدد نطاقها، اذ تتم قسمة الأموال الموجودة بالفعل الخالية من النزاع ويتم تحرير فصول القسمة بين الورثة، وبموجب ذلك يتم تسليم كل وارث فصلاً واحداً، وبعد إجراء القسمة الأولى يتم حسم النزاع بشأن أموال المؤرث التي كانت محل نزاع عند القسمة الأولى فقد يحسم النزاع بشأنها لصالح الورثة كما قد تظهر بعد القسمة الأولى أموال أو ديون أخرى للمؤرث بذمة الغير فتتم قسمتها بين الورثة ، ويتم تقسيم هذه الأموال بين الورثة الشرعيين ، وبموجب ذلك يتم تحديد نصيب كل وارث في فصل مستقل ويتم تسليم كل وارث فصله، وبعد القسمة الثانية قد تظهر للمؤرث أموال أخرى، كما قد يتم حسم بعض النزاع بشأن بعض الأموال لصالح التركة، فعندئذٍ تتم قسمة هذه الأموال ويتم تسليم كل وارث فصلاً مستقلا، ففي هذه الأحوال تتعدد فصول الوارث المقاسم الواحد في التركة الواحدة.
الوجه الثاني: القسمة بفصل واحد من جهة نظر بعض القسامين:
الأصل أن الهدف من القسمة الشرعية هو إزالة الشيوع بين الورثة في تركة مؤرثهم التي تحدث بعد ثبوت موت المؤرث، وتبعاً لذلك فإن الأصل أن تتم إزالة هذا الشيوع بقسمة واحدة بعد حصر كافة الأموال التي كانت تحت يد المؤرث عند موته، وتحديد الأموال المملوكة له والمؤجرة له والمؤجرة منه والمرهونة لديه وأمواله المرهونة لدى الغير والديون المستحقة له لدى الغير وتلك المستحقة للغير عنده، وفي ضوء هذا الحصر الشامل والدقيق يتم التأكد من كافة البيانات والمعلومات والمستندات الخاصة بأموال التركة التي تجوز قسمتها شرعا، وبعد التحقق من ذلك يتم إجراء القسمة الشرعية لأموال المؤرث مرة واحدة، ويتم تسليم كل وارث فصلا واحدا يتضمن نصيبه من الأموال الموجودة، وكذا نصيبه من الأموال المتنازع عليها إذا تم حسمها لاحقاً لصالح التركة بل إنه يتم قسمة ديون المؤرث لدى الغير وكذا الديون المستحقة للغير على المؤرث، ويتم تضمين الفصول إنه إذا ظهر أي مال للمؤرث بعد هذه القسمة فأنه يعد مقسوماً بحسب الفرائض الشرعية.
وبناءً على ذلك تكون هناك قسمة واحدة لكافة أموال التركة ويكون لكل وارث فصل واحد فقط يتضمن كل نصيبه الشرعي في التركة.
ولكن يعاب على هذه الطريقة في القسمة ما يأتي:
1- قسمة الأموال غير الموجودة حقيقة وقت القسمة فيه غرر فاحش والنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نهى عن الغرر، فضلاً عن أن الغرر في القسمة يكون سبباً لنقض القسمة ،كما انه يؤدي إلى إثارة النزاع بين المتقاسمين لاحقاً.
2- هذه الطريقة تطيل إجراءات القسمة ،اذ يظل الورثة في حالات كثيرة ينتظروا حسم بعض أموال التركة العالقة لوقت طويل.
3- تكون القسمة بحسب هذه الطريقة غير حقيقية لأنها معلقة بالأموال غير الموجودة التي تتم قسمتها حقيقة لعدم وجودها عند اجراء القسمة، فعندما تتضمن القسمة أموالاً غير موجودة حقيقة عند إجرائها تكون القسمة غير حقيقية.
الوجه الثالث: قسمة الأموال القابلة للقسمة الفورية فقط:
وتتم هذه القسمة بناءً على الكشف الشامل المتضمن حصر كافة الأموال التي مات المؤرث وهي تحت يده، غير أن القسمة تقتصر على الأموال القابلة للقسمة الفورية فقط، فيتم إعداد التركيز على أساس الأموال القابلة للقسمة الفورية وهي أموال المؤرث الخالية من النزاع الموجودة بالفعل عند القسمة، ويتم تحرير الفصل بين الورثة على أساس ذلك، فيتم تسليم كل وارث فصله، ثم تحرير فصول أخرى باسم كل وارث بعد كل قسمة من القسمات التالية للقسمة الاولى، وعندئذٍ تتعدد فصول المقاسم الواحد مع أن التركة واحدة.
ويؤخذ على هذه الطريقة ما يأتي:
1- تعدد فصول المتقاسم الواحد مع أن التركة واحدة ،فيكون بيد الوارث المقاسم الواحد أكثر من فصل مع أن التركة واحدة، وهذا الأمر يثير الإلتباس فيما بين الورثة والغير سيما عندما يقوم الوارث بالتصرف في ماله المذكور في الفصل.
2- قد يسيء المقاسم إستعمال الفصول المتعددة.
3- تعدد الفصول قد تؤدي إلى تناقض بعض بياناتها.
4- تعدد الفصول يدل على أن قسمة التركة ليست نهائية وحاسمة.
وعند التأمل في المآخذ السابق ذكرها يظهر إنه بالإمكان تلافيها عن طريق النص في كل فصل على نوعه وإنه مكمل للفصل السابق عليه وإنه لا ينسخه ولا يناقضه، وقد لاحظنا في بعض الفصول القديمة أن بعض القسامين كان يقوم بإثبات قسمة المؤخر أو المتروك في وثيقة يتم لصقها بفصل القسمة الأصلية وبعضها كان يتضمن النص في الفصل الاخير على إنه مكمل للفصل الأصلي ، علاوة على أن المآخذ على هذه الطريقة في القسمة مبالغ فيها، لأن حجية الفصول قاصرة على الورثة المتقاسمين، فلا ضير من تعدد الفصول طالما أنها قد تضمنت بيانات صحيحة وواقعية وحقيقية عن نصيب الوارث في تركة مؤرثه وان بيانات هذه الفصول غير متناقضة ، والله أعلم.
![]() |
إشكالية تعدد فصول المقاسم الواحد في التركة الواحدة |