بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف

بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

نصت المادة (469) من القانون المدني اليمني على ان (بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف على إجازة سائر الورثة، وبيعه لغير وارثه بثمن المثل أو بغبن يسير صحيح ، والغبن اليسير هو مالم يكن خارجاً عما يقرره العدول، اما بيعه لغير وارثه بغبن فاحش فيأخذ فيه ما نقص من ثمن المثل حكم الوصية مالم يظهر تواطؤ على حرمان الورثة)، فمع أن آثار مرض الموت على القدرات العقلية والنفسية على المريض واحدة فقد فرق هذا النص بين بيع المريض مرض الموت لأحد ورثته الذي صرح النص بأنه موقوف على إجازة الورثة وبين تصرف المريض مرض الموت إلى غير الورثة الذي يكون نافذاً، وعلى أساس النص القانوني السابق ذكره فإن بيع المؤرث المريض مرض الموت لوارثه موقوف على إجازة الورثة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-2-2012م في الطعن رقم (43875)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (وبإطلاع الشعبة على ما جاء في أسباب الطعن والنصوص القانونية المتعلقة بتصرف الوارث قبل الوفاة في حالة مرضه مع أن المادة (469) مدني قد نصت على أن بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف على إجازة سائر الورثة...إلخ، تجد الشعبة: بأن تاريخ إبرام عقد البيع كان بتاريخ.... في حين كان تاريخ موت المؤرث .... أي بفارق سبعة أشهر، وحيث أن عقد البيع قد تم خلال فترة مرض المؤرث مرض الموت ، ولم يعلم الورثة بقيام المورث ببيع المنزل لوارثه، لذلك فهذا البيع غير صحيح لعدم إجازة الورثة لهذا التصرف ، كما أن قيمة المنزل المباع إلى الوارث فيها غبن حيث لا تساوي قيمة المنزل قيمة المثل)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد جاء ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة الطعن الذي نعى فيه الطاعن مخالفة الحكم الاستئنافي وقضائه بإبطال بيع المورث البيت لوارثه، حيث ذكر الطاعن أن البيع الصادر له صحيح وفقاً لوثيقة عقد البيع، وقد ناقشت الدائرة ذلك فوجدت: أن ما ذهبت محكمة الاستئناف في حكمها بشأن إبطال البيع صحيح، فقد توصل الحكم الإستئنافي إلى نتيجة صحيحة موافقة للشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تعريف مرض الموت في القانون المدني اليمني:

عرّف القانون مرض الموت في المادة (470) مدني التي نصت على أن (مرض الموت: هو المرض الذي يغلب فيه ظن الهلاك ويتصل بالوفاة، وفي حكم مرض الموت من خرج لملاقاة العدو ومن اصيب في حادث مهلك)، ومن خلال ما ورد في هذا النص يظهر إنه يشترط في المرض حتى يكون مرض موت الشرطين الآتيين:

الشرط الأول: 

أن يكون المرض من الأمراض التي تؤدي في غالب الأحيان إلى موت أو هلاك المصاب بها كمرض السرطان أو النزيف في الدماغ...إلخ.

الشرط الثاني

أن يتصل المرض بموت الشخص المريض به: أي أن يلازم المرض المريض فلاينفك منه حتى وقت موت المريض ، ولا يشترط أن يكون المرض ذاته هو سبب الوفاة، فقد يلازم المرض الشخص وأثناء ذلك يحدث له عارض فجائي اخر يتسبب في موته، كما لو كان الشخص مريضاً بمرض الكبد القاتل الذي يجعله ملازماً لفراش المرض وأثناء ذلك يصاب المريض بجلطة أو سكتة قلبية تؤدي إلى موته.

كما اشار النص القانوني السابق إلى حالات التي تعد في حكم مرض الموت وهي:

الحالة الاولى: 

يعد في حكم مرض الموت، الجندي في جبهات القتال أثناء العمليات العسكرية أو اثناء الحرب، وليس مجرد المرابطة في مواجهة العدو في أوقات السلم.

الحالة الثانية:

يعد في حكم المريض مرض الموت الشخص المصاب إصابة بالغة يغلب فيها الهلاك كإصابة الشخص بإصابة بالغة تؤدي الى الوفاة بعد حين مثل حوادث دهس الأشخاص بالسيارة أو اصطدام السيارات أو انقلاب السيارات، شريطة أن تكون الإصابة من شأنها في غالب الأحيان أن تؤدي إلى الهلاك بعد حين كالإصابات التي تستدعي وضعه في غرفة العناية المركزة أو الإنعاش.

المحكوم عليه بالاعدام : لم يتضمن النص القانوني السابق المحكوم عليه بالاعدام ضمن الحالات التي تعد من قبيل مرض الموت الحكمي ، مع أن الفقه الاسلامي يقرر ان المحكوم عليه بالقصاص في النفس يعد في حكم المريض بمرض الموت الحكمي ، وقد تضمنت قوانين عربية كثيرة اعتبار المحكوم عليه بالاعدام ضمن حالات مرض الموت الحكمي.

الوجه الثاني: مرض الموت في الفقه الإسلامي:

عرّف الفقهاء مرض الموت بتعاريف متقاربة، فقد عرفه الشافعية مرض الموت بأنه: المرض الذي يستتبعه الموت غالباً، وذهب الحنابلة وبعض الزيدية إلى تعريف مرض الموت بأنه: ما يكثر حصول الموت فيه واتصل به الموت، والظاهر أن القانون المدني اليمني قد أخذ بهذا التعريف.

في حين عرّف المالكية مرض الموت بأنه: المرض الذي حكم الطب بكثرة الموت به كالسل والقولونج والحمى القوية، ويدخل في معنى المريض بمرض الموت عند الفقهاء الشخص المحكوم عليه بالقصاص في النفس أو الإعدام.

الوجه الثالث: بيع المورث المريض مرض الموت إلى وارثه في الفقه الإسلامي:

اختلف الفقه الإسلامي في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: بيع المريض مرض الموت لوارثه ينعقد موقوفاً على إجازة الورثة فإن اجازوه نفذ وإن لم يجزه الورثة فإن البيع يبطل بقدر المحاباة التي حابى بها المورث وارثه ويصح فيما عداها، وهو قول الشافعية وبعض الزيدية وهو قول الحنفية والمالكية، وبعض الحنابلة، أي أن هذا القول هو قول جمهور الفقهاء.

القول الثاني: إذا حابى المريض مرض الموت وارثه في البيع بطل البيع في قدر المحاباة وصح فيما يقابل ثمن المثل، وللمشتري الخيار بين الأخذ والفسخ وهو قول بعض الحنابلة.

القول الثالث: ان المريض مرض الموت إذا حابى وارثه يبطل البيع، ومن باب أولى تبطل المحاباة ، وهو قول بعض الحنابلة وبعض المالكية.

القول المختار: هو القول الأول الذي ذهب إلى أن بيع المريض مرض الموت لوارثه ينعقد موقوفاً على إجازة الورثة فإن اجازوه نفذ وإن لم يجزه الورثة فإن البيع يبطل بقدر المحاباة التي حابى بها المورث وارثه ويصح فيما عداها ، وقد حاول القانون اليمني الأخذ بهذا القول غير ان القانون اليمني لم ياخذ بالتفاصيل االواردة في القول الاول، ولذلك يفهم من نص القانون اليمني الاتي ذكره أن بيع المورث المريض مرض الموت لوارثه موقوف على إجازة الورثة مطلقا. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص187).

الوجه الرابع: بيع المريض مرض الموت لوارثه في القانون المدني اليمني:

نصت المادة (469) من القانون المدني اليمني على أن: (بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف على إجازة سائر الورثة، وبيعه لغير وارثه بثمن المثل أو بغبن يسير صحيح ، والغبن اليسير هو مالم يكن خارجاً عما يقرره العدول، اما بيعه لغير وارثه بغبن فاحش فيأخذ فيه ما نقص من ثمن المثل حكم الوصية مالم يظهر تواطؤ على حرمان الورثة) ، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد فرق بين بيع المورث إلى وارثه الذي يكون موقوفاً على إجازة الورثة فإن اجاز الورثة عقد البيع كان صحيحاً من تاريخ وقوعه وإن لم يجزه الورثة بطل، ولم يشترط هذا النص أن تتم الإجازة بعد وفاة المؤرث كما هو الحال في إجازة الورثة للوصية لوارث التي تقع بعد وفاة المورث ،حسبما هو مقرر في قانون الأحوال الشخصية.

وقد حاول القانون اليمني الأخذ بقول جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن بيع المريض مرض الموت لوارثه ينعقد موقوفاً على إجازة الورثة فإن اجازوه نفذ وإن لم يجزه الورثة فإن البيع يبطل بقدر المحاباة التي حابى بها المورث وارثه ويصح فيما عداها ،غير ان القانون اليمني لم ياخذ بالتفاصيل االواردة في قول جمهور الفقهاء ، ولذلك فانه يفهم من نص المادة (469) مدني السابق ذكرها: أن بيع المورث المريض مرض الموت موقوف على إجازة الورثة مطلقا.

الوجه الخامس: بيع المريض مرض الموت لغير وارثه في القانون المدني اليمني:

نصت المادة (469) من القانون المدني اليمني على أن: (بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف على إجازة سائر الورثة، وبيعه لغير وارثه بثمن المثل أو بغبن يسير صحيح ، والغبن اليسير هو مالم يكن خارجاً عما يقرره العدول، اما بيعه لغير وارثه بغبن فاحش فيأخذ فيه ما نقص من ثمن المثل حكم الوصية مالم يظهر تواطؤ على حرمان الورثة) ،فمن خلال استقراء هذا النص يظر انه بالنسبة لبيع المؤرث المريض بمرض الموت إلى غير وارثه فقد صرح النص القانوني السابق بأن هذا البيع صحيح مع جواز معالجة الغبن الفاحش إذا لم يكن هناك تواطؤ على حرمان الورثة.

الوجه السادس: في غير مرض الموت يجوز للمورث أن يبع ماله إلى وارثه:

إذا لم يكن المورث مريضا بمرض الموت فانه يجوز له ان يبع ماله إلى وارثه ، وفي هذا المعنى نصت المادة (464) مدني على إنه (يصح بيع الوالد ماله لولده المشمول بولايته وبيعه مال أحد الولدين للآخر بشرط القبول من منصوب القاضي الذي يقبل البيع عن الصغير ثم يسلمه بعد ذلك لوالده ليحفظه لولده، ويشترط أن لا يكون البيع منطوياً على حيلة وحكم الوصي المختار حكم من اختاره).

فقد اجاز هذا النص للوالد (المورث) أن يبع ماله لولده القاصر، ومن باب أولى فأنه يجوز للوالد أو المورث أن يبيع ماله لإبنه البالغ أو لأي من ورثته ، طالما ان البيع صحيح ولاينطوي على حيلة على الورثة الآخرين، والله اعلم.

بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف
بيع المريض مرض الموت لوارثه موقوف

مقالات ذات صلة: