إثبات استلام العامل لحقوقه
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
كما أن أحكام المحكمة العليا في اليمن ومحاكم النقض والتمييز والتعقيب في بقية الدول قد استقرت على أنه في القضايا العمالية وفي القضايا التي يرفعها الموظفون على جهات الدولة فأنه من اللازم على صاحب العمل أن يثبت عدم صحة ما ورد في دعوى العامل أو الموظف ،لأن صاحب العمل اوجهة الإدارة هما الملزمتان قانوناً بالإحتفاظ بالوثائق والمستندات الخاصة بعلاقة صاحب العمل بالعامل، فالقانون يفترض أن صاحب العمل يحتفظ بكافة الوثائق والمستندات التي تخص علاقته بالعامل طوال فترة عمل العامل لديه، لأن القانون والنظم الإدارية توجب على صاحب العمل أن تكون لديه إدارة موارد بشرية أو مختص على الأقل معني بهذا الشأن، إضافة إلى أن القانون والنظم الإدارية تشترط على صاحب العمل إيجاد ارشيف منظم يحتفظ فيه صاحب العمل بكافة المستندات الخاصة بعلاقته بالعامل بما في ذلك المستندات والوثائق الخاصة بحقوق العامل المختلفة.
وعلى هذا الأساس فإن صاحب العمل هو الملزم بإثبات إستلام العامل لحقوقه حتى لو كان المدعي هو العامل ، خلافاً للقاعدة الشرعية والقانونية التي تنص على أن (على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين).
ومن هذا المنطلق فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجب على صاحب العمل وإن كان المدعى عليه، فيجب على صاحب العمل إثبات إستلام العامل لحقوقه وذلك بإثبات توقيع العامل أو بصمته على مستند إستلامه لحقوقه ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-1-2017م في الطعن رقم (58724)، المسبوق بالحكم الإستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه (كما تبين: بأن اللجنة التحكيمية قد سببت حكمها تسبيباً كافياً ، وان منطوق حكمها جاء مبنياً على تلك الأسباب، ولأن ما قدمته الشركة المستأنفة عبارة عن كشوفات حسابات صادرة عن الشركة وغير موقع عليها من العامل المستأنف ضده الذي تمسك بأنها مصطنعة من قبل المستأنفة، وبما أنه لا يجوز الإحتجاج بها على الغير، وبما أن قانون العمل قد حدد طريقة إثبات تسليم حقوق العمال ،فلا تبرا ذمة صاحب العمل إلا بتوقيع العامل أو بصمته) ، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بنقض الحكم الاستئنافي لعدم مراعاته لأحكام التقادم المقررة في المادتين (22 و 23) من قانون الإثبات وكذا بسبب عدم وجود توقيع للعامل على كشوفات حساب العامل التي لم يقم بالتوقيع أو وضع بصمته عليها، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: نطاق حقوق العامل القابلة لإثبات إستلام العامل لها عن طريق التوقيع والبصمة
حددت المادة (2) من قانون العمل مفهوم أجر العامل بأنه (ما يدفعه صاحب العمل للعامل لقاء عمله من مقابل نقدي أو عيني يمكن تقويمه بالمال)، ومن خلال ما ورد في هذا النص يظهر أن مفهوم أجر العامل المذكور في هذا النص عام وشامل يشمل المبالغ النقدية والأشياء العينية التي يقدمها صاحب العمل للعامل شريطة أنه يمكن تقويمها بالعملة، وعلى هذا المعنى فإن كل حقوق العامل يمكن تقويمه بالعملة حتى الإجازات فأنه يتم إحتساب أجر العامل فيها، إضافة إلى أن المادة (66) من قانون العمل قد نصت على أنه (-1- على صاحب العمل أن يضع المستندات اللازمة لدفع الاجور وتوضح فيها تفاصيل أجر العامل والاستقطاعات التي تمت فيه وصافي الاجر المدفوع ويجب ان تكون هذه المستندات خالية من أي فراغ او شطب او تحشيه -2- لا تبرأ ذمة صاحب العمل من دفع الأجر إلا بتوقيع العامل او ببصمته في المستند على مستحقاته من الأجر وملحقاته سواءً ورد ذكرها او لم يرد في المستند الموقع عليه)، ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أنه قد صرح بأن الإثبات بهذه الطريقة يشمل (أجر العامل وملحقاته)، وهذا يعني شمول النص لكافة حقوق العامل، إذ يجب على صاحب العمل أن يثبت إستلام العامل لها بالطريقة ذاتها وهي توقيع العامل وبصمته.
الوجه الثاني: طريقة إثبات إستلام العامل لحقوقه
وفقاً لقانون الإثبات فإن طرق إثبات الحقوق وغيرها كثيرة منها: الإقرار والشهادة والقرائن والكتابة...إلخ، بيد أن المادة (66) من قانون العمل السابق ذكرها قد حصرت وسيلة إثبات إستلام العامل لحقوقه في وسيلة وحيدة وهي: الكتابة التي يقوم العامل بالتوقيع أو وضع بصمته عليها، ومؤدى ذلك أن إثبات إستلام العامل لحقوقه مقيد وليس حراً، وعلى هذا الأساس فلا يجوز إثبات إستلام العامل لحقوقه بغير الكتابة التي يرد فيها توقيع العامل وبصمته.
الوجه الثالث: المقصود بالإثبات الكتابي لإستلام العامل لحقوقه
المقصود بذلك حسبما ورد في المادة (66) من قانون العمل هو توقيع العامل أو وضع بصمته على المستند المتضمن تفاصيل الحق الذي استلمه العامل، وقد اشترطت المادة (66) عمل أن يتضمن المستند الذي يقوم العامل بالتوقيع عليه ان يتضمن المستند التفاصيل والأوصاف الدقيقة لحق العامل المطلوب منه التوقيع بما يفيد إستلامه حتى يكون العامل على بينة ومعرفة بالحق الذي استلمه.
فتوقيع العامل وبصمته بإستلامه لحقه يستدعي أن يكون هناك مستند يتضمن تفاصيل وأوصاف الحق الذي يوقع العامل أو يبصم عليه بما يفيد إستلامه لحقه.
الوجه الرابع: أنواع المحررات التي تفيد إستلام العامل لحقوقه
ذكرنا فيما سبق ان قانون العمل حدد لصاحب العمل وسيلة وحيدة لإثبات إستلام العامل لحقوقه وهي توقيع العامل أو بصمته على مستند يفيد ذلك.
وقد بينت المادة (103) من قانون الإثبات اليمني بينت أنواع المحررات العرفية، فقد نصت هذه المادة على أن (المحررات العرفية اقسام ثلاثة: -أ- محررات مكتوبة بخط الخصم وموقع عليها منه –ب- محررات مكتوبة بخط الغير وموقع عليها من الخصم – جـ- محررات مكتوبة بخط الغير وليس عليها توقيع للخصم، ويكون التوقيع على المحررات إما بالخط أو بالختم أو بصمة الأصبع).
ومن خلال إستقراء النص السابق وتطبيقه على توقيع العامل وبصمته على المستند أو المحرر بما يفيد إستلامه لحقوقه يظهر الآتي:
1- يجوز أن يقوم العامل نفسه بكتابة المحرر المتضمن إستلامه لحقه ، وذلك بخط العامل نفسه، شريطة أن يقوم العامل نفسه بالتوقيع على المحرر أو يوضع بصمته عليه، لأن مجرد كتابة العامل لمستند الإستلام من غير توقيع أو بصمة منه، لا يكون حجة على العامل، اذ أن قيامه بكتابة المحرر بخطه يجعل المحرر غير نهائياً ، فذلك لا يجزم في دلالته على إستلام العامل بالفعل لحقه، ولا شك أن تحرير أو كتابة العامل نفسه للمحرر أو المستند والتوقيع عليه من قبله ووضع بصمته على المحرر هو أفضل وسيلة لإثبات إستلام العامل لحقوقه.
2- يجوز أن يقوم صاحب العمل او غيره بكتابة او تحرير محرر إستلام العامل لحقوقه ويقوم العامل فقط بالتوقيع على المحرر أو وضع بصمة ابهامه عليه، فإذا قام العامل بذلك فإن محرر الإستلام يكون صحيحاً ويكون حجة على العامل، عملاً بالمادة (104) إثبات التي نصت على أن (يعتبر المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه وعلى وارثه وخلفه).
3- إذا قام الغير أي غير صاحب العمل وغير العامل بتحرير أو كتابة محرر إستلام العامل لحقه ، ولكن العامل لم يقم بالتوقيع أو بصمة ابهامه على هذا المحرر ، فلا يكون هذا المحرر حجة على العامل، لأن قانون العمل قد حصر إثبات إستلام العامل لحقه على توقيع العامل أو بصمة ابهامه، اما قانون الإثبات فقد صرح بأن المحرر يكون حجة على الشخص طالما أن الشخص الذي قام بكتابة المحرر معروفاً بالعدالة والأمانة وحُسن السيرة وكان خطه معروفاً للقاضي لشهرته أو كان قد أقر كاتب المحرر أمام القاضي أنه كاتب المحرر حتى لو لم يقم الخصم بالتوقيع على المحرر ، غير أنه بالنسبة لما ورد في هذه الفقرة أي الفقرة (3) فلا يسري على إستلام العامل لحقوقه، لأن قانون الإثبات قانون عام وقانون العمل قانون خاص، والقاعدة أن القانون الخاص مقدم على القانون العام عند التطبيق.
الوجه الخامس: ماهية توقيع العامل وبصمته على محرر إستلامه لحقه
حددت المادة (103) إثبات السابق ذكرها وذلك في الفقرة الأخيرة منها حددت ماهية التوقيع او وضع البصمة على المحرر ، فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة المشار إليها نصت على أن (يكون التوقيع على المحرر اما بالخط أو بالختم أو بصمة الأصبع) ومعنى ذلك ما يأتي:
1- التوقيع بالخط:
ويتم بتوقيع العامل بخطه على محرر الإستلام عن طريق كتابة العامل اسمه الرباعي بخط يده وليس الإمضاء وهو: عبارة عن علامة يضعها الشخص لنفسه، فهناك فرق بين التوقيع بالخط والتوقيع بالإمضاء، لأن التوقيع بالإمضاء يتيح للعامل التنصل من إمضائه ، لأن الإمضاء لايطابق غيره من إمضاءات الشخص نفسه.
وإشكالية التوقيع بالامضاء معروفة، ولذلك نلاحظ محلات الصرافة ومكاتب البريد تشترط التوقيع بالاسم عند استلام الأشخاص للنقود.
2- البصمة:
وهي بصمة ابهام اليد اليسرى، ويشترط أن يتم تثبيت أصبع اليد عند أخذ البصمة ويشترط أيضا أن يكون حبر البصمة غير كثيف حتى تكون البصمة واضحة كما يشترط مسح الأصبع قبل أخذ البصمة بقطعة من القماش وليس بمنديل ورقي (فاين) وكذا يشترط ان يتم أخذ البصمة في غير ساعات شدة البرد.
3- التوقيع بالختم:
فبعض الأشخاص الذين لا يجيدون الكتابة أو الذين يخشون تقليد توقيعاتهم يقوموا بصنع اختام خاصة بهم تحمل اسمائهم، فيستخدموا تلك الاختام بدلاً من التوقيع.
والأولى أن يتم الجمع بين توقيع العامل وبصمته معاً حسبما ورد في المادة (66) من قانون العمل السابق ذكرها، ويتم وضع التوقيع والابهام في نهاية أو ذيل المحرر أو الإستلام، لأن ذلك يعني نسبة الكلام المذكور في المحرر للعامل أو قبول العامل بما ورد في المحرر. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص56) ، والله اعلم.
![]() |
إثبات استلام العامل لحقوقه |