إثبات الرجعة للمطلقة
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
من حسنات قانون الأحوال الشخصية اليمني انه اشترط الإشهاد على الرجعة للمطلقة وكذا انه اشترط إعلام الزوجة برجعتها، ومع ذلك تحدث في اليمن إشكاليات كثيرة بشأن إثبات إرجاع الزوج لمطلقته سيما الرجعة اللفظية بسبب عدم الإلتزام باحكام الرجعة المقررة في قانون الأحوال الشخصية.
اما الفقه الإسلامي العظيم فقد كان ينظم الرجعة بحسب مقتضيات العصر الذي كان يعيش فيه فقهاؤنا العظام الذين ذهبوا في تلك العصور الزاهرة إلى إجازة الرجعة للزوجة المطلقة بالفعل أي بمعاشرة الزوج لها وكذا اجازوا رجعة الزوج إليها بنظره إليها بشهوة ولو من حائل كالزجاج أو من شاهق كالطيرمانة أو المفرج أو غيره، واجازوا الفقهاء كذلك رجعة الزوج للمطلقة باللفظ أي أن يتلفظ الزوج بأنه قد ارجع زوجته المطلقة طلاقاً رجعياً، ولاشك ان أقوال الفقهاء المتقدمين صحيحة ومناسبة في تلك العصور القديمة الزاهرة التي اشتهر فيها الناس بالورع والتقوى وخشية الله في السر والعلن وعدم الكيد خوفاً من الله، اما في العصر الحاضر فقد اشتهر الناس بالكذب والكيد وقلة الدين والفجر في الخصومة، ففي العصر الحاضر يتعمد الزوج الكيد بالزوجة عند إرجاعه لها.
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-4-2017م في الطعن رقم (59028)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة أسباب الطعن والرد عليه وبعد إطلاعها على الحكم الابتدائي وما تعقبه لدى محكمة الاستئناف التي حكمت بتأييد الفقرة الثانية من الحكم الابتدائي بشأن النفقة المستحقة وكذا الفقرة السابعة بشأن مؤخر المهر والحكم بإلغاء الفقرة الثالثة المتعلقة بمراجعة المدعى عليه للمدعية أثناء فترة العدة وتصير المستأنفة مطلقة طلاقاً بائناً بينونة صغرى وعليها أن تعتد من تاريخ صدور هذا الحكم، وبعد تأمل الدائرة فقد وجدت: أن حكم الاستئناف هو الموافق من حيث النتيجة لأحكام الشرع والقانون ، وذلك لما أوضحه وعلل به واستند إليه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: المفهوم الواسع للفقهاء المتقدمين في الرجعة الفعلية واللفظية:
اجاز الفقهاء المتقدمين رجعة الزوج لمطلقته طلاقاً رجعياً بالفعل والقول، وتكون الرجعة بالفعل مثل قيام الزوج بمعاشرة زوجته المطلقة أو قيامه بالنظر إليها بشهوة عند بعض الفقهاء.
اما الرجعة بالقول فقد ذهب الفقهاء جميعهم إلى أن الرجعة تقع باللفظ، وذلك بأن يتلفظ الزوج باي من الفاظ الرجعة، مثل قول الزوج المطلق : راجعت مطلقتي أو ارجعتها أو رجعت إليها أو راجعتها، وعند جمهور الفقهاء تصح الرجعة القولية أو اللفظية بمجرد تلفظ أو قول الزوج ، فلم يشترط جمهور الفقهاء الإشهاد على الرجعة القولية أو كتابتها في وثيقة، في حين ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الإشهاد على الرجعة ، وقد آخذ القانون اليمني بهذا القول.
وفي العصور الإسلامية السابقة التي اشتهر فيها الناس بالدين والصلاح والتقوى في السر والعلن والإبتعاد عن الكيد واللدد في الخصوم كانت الرجعة القولية غير المشهود عليها لا تثير أية إشكاليات، فلم يكن الزوج المطلق في تلك العصور الزاهرة يسيئ إستعمال الرجعة للكيد بمطلقته رجعياً.
اما في العصر الحاضر فإن بعض الأزواج يسيئ أشد الإساءة إستعمال الرجعة بالقول أو باللفظ او بالفعل ، سيما أن طلاق الزوج للزوجة لا يقع إلا بعد خلافات زوجية حادة وخصومات بين الزوجين يتعمد فيها بعض الأزواج تعليق مطلقته فلا تكون مطلقة ولا ذات بعل، فيقوم زوجها بطلاقها فإذا حاولت الزواج بغيره بعد إنقضاء عدتها منه عندئذٍ يدعي الزوج أنه قد سبق له أن راجع الزوجة في أثناء عدتها، وبعضهم يدعي أن عاشرها أثناء العدة، وبعضهم يقوم بتحرير وثيقة إرجاع يزعم فيها أن الرجعة قد صدرت منه أثناء عدة المطلقة وبعضهم يقوم بتحرير وثيقة رجعة لدى الأمين الشرعي المختص مفادها إقرار الزوج بأنه قد راجع المطلقة أثناء عدتها، وغير ذلك من الوسائل والأساليب التي يتبعها بعض الأزواج في الإضرار بمطلقاتهم، بل أن بعض الأزواج المكايدين ينتظر إلى ما بعد زواج وزفاف مطلقته من غيره فيدعي أنه قد ارجعها في عدتها وانها تزوجت بالثاني سفاحا ، وقد حدث هذا بالفعل في بعض القضايا.
ولذلك فإن الواجب الشرعي والإخلاقي يقتضي أن تقوم الجهة المختصة بتوعية الامناء الشرعيين بعدم قبول تحرير وثيقة الرجعة الا بالتاريخ الذي يحضر فيه الزوج المطلق ويطلب فيه تحرير الوثيقة حتى يتم إحتساب تاريخ الرجعة من تاريخ حضور الزوج وليس قبل ذلك. (الوجيز في شرح أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص87).
الوجه الثاني: الرجعة القولية والفعلية في قانون الأحوال الشخصية اليمني:
أخذ قانون الأحوال الشخصية بما ذهب إليه غالبية الفقه الإسلامي في جواز الرجعة القولية والرجعة الفعلية، وفي هذا الشأن نصت المادة (75) أحوال شخصية على أن (تتم الرجعة بالقول ولو هازلاً أو بالفعل غير مشروطة بوقت أو بغيره وتصح بغير رضاء الزوجة وأوليائها)، وبحسب ماورد في هذا النص فإن الرجعة تصح بالقول وبالفعل على النحو السابق بيانه في الوجه الأول.
الوجه الثالث: إثبات الرجعة القولية:
سبق القول أن الرجعة تصح بالقول؛ وهو قول الزوج المطلق : ارجعت زوجتي المطلقة فلانة أو راجعت زوجتي فلانة أو لقد راجعت أو ارجعت زوجتي، ويشترط أن يتلفظ الزوج بهذا القول أثناء عدة الزوجة المطلقة وقبل إنقضاء عدتها.
ومن حسنات قانون الأحوال الشخصية اليمني أنه اشترط الإشهاد على الرجعة، ويتم الإشهاد على الرجعة بشاهدين عدلين بالغين عاقلين أو رجل وإمرأتين، وقد اشترط قانون الاحوال الشخصية الإشهاد على الرجعة في المادة (76) التي نصت على أنه (إذا كانت الرجعة بالقول فيجب على الزوج الإشهاد عليها وإعلام الزوجة بها فإن كانت مجنونة فإعلام وليها)، ويصح إثبات الرجعة بشهادة الواحد إذا قبلها المشهود عليه بعد أدائها عملاً بالمادة (46) من قانون الإثبات اليمني.
الوجه الرابع: صعوبة إثبات الرجعة الفعلية:
ذكرنا فيما سبق أن الرجعة تصح بمعاشرة الزوج لزوجته المطلقة رجعياً، ومن المؤكد أنه يتعذر إثبات الرجعة في هذه الحالة عن طريق شهادة الشهود، ولذلك فإن إثبات الرجعة في هذه الحالة يتم عن طريق التصادق بين الزوج والزوجة ، كأن تقر الزوجة بأن الزوج عاشرها أثناء عدتها فيصادقها الزوج على ذلك، أو أن يدعي الزوج بأنه عاشرها أثناء عدتها فتصادقه على ذلك.
الوجه الخامس: إثبات الرجعة عند الخلاف بين الزوجين على وقوع الرجعة:
إذا اختلف الزوج ومطلقته بشأن وقوع الرجعة فإن القول في هذا الشأن قول من ينكر وقوع الرجعة، وفي هذا المعنى نصت المادة (77) أحوال شخصية على أنه (إذا اختلف الرجل والمرأة بعد إنقضاء العدة على حصول الرجعة فالقول لمنكرها)، لان الخلاف بشأن وقوع الرجعة لا يتصور إلا بعد إنقضاء العدة، وقد صرح النص السابق أنه عند الإختلاف بشأن وقوع الرجعة فإن القول في فصل هذا الخلاف هو قول منكر وقوع الرجعة ، لأن الأصل العدم، ويتعذر إثبات العدم، وعلى من يدعي خلاف العدم أن يثبت ذلك، ومؤدى ذلك أنه على من يدعي وقوع الرجعة أن يثبت ذلك بوسائل الإثبات المقررة شرعاً، فالقول لمنكر الرجعة يكون عند عدم وجود أدلة إثبات لوقوع الرجعة.
الوجه السادس: إعلام الزوجة المطلقة برجعتها:
أيضاً من حسنات قانون الأحوال الشخصية اليمني أنه اشترط عند رجعة الزوج لزوجته أن يتم إعلامها بذلك، حتى يكون من المعلوم لها أن الزوج قد ارجعها إلى الحياة الزوجية وأنه ينبغي عليها التعامل مع الأمر على هذا الأساس، وأن حقوقها وواجباتها الزوجية قد عادت لها بموجب الرجعة، وفي هذا الشأن نصت المادة (76) على أنه (إذا كانت الرجعة بالقول فيجب على الزوج الإشهاد عليها وإعلام الزوجة بها فإن كانت مجنونة فإعلام وليها).
ولم يشترط النص القانوني السابق وسيلة معينة (لإعلام) الزوجة بالرجعة، وبناءً على ذلك يجوز إعلامها شفاهة أو كتابة ،فالغاية من إعلان الزوجة تستدعي الإشهاد على حصول الإعلام، ومن جهتنا فإننا نوصي بأن يتم إعلام الزوجة بكتاب علم الوصول أو الاشهاد على إعلان الزوجة بالرجعة نظراً للآثار الشرعية البالغة الخطورة المترتبة على الإختلاف بشأن حصول الإعلام من عدمه.
الوجه السابع: نموذج شهادة الرجعة المعد من قبل وزارة العدل باليمن :
سبق القول بأنه يتعذر إثبات الرجعة الفعلية للزوجة الا من طريق الزوجين ، كذلك سبقت الإشارة إلى كيفية إثبات الرجعة القولية عن طريق الإشهاد على الرجعة حسبما هو مقرر في المادة (76) أحوال شخصية السابق ذكرها، وبالإضافة إلى ذلك فقد وضعت وزارة العدل نموذجاً خاصاً بوثيقة (الرجعة) ، وقد تضمن هذا النموذج البيانات اللازمة الواجب توفرها في الرجعة مثل تاريخ تحرير الشهادة واسم الزوج والزوجة المطلقة وتاريخ الطلاق ...الخ، ويتم تحرير نموذج الرجعة من قبل الأمين الشرعي المختص مكانياً، وفي هذا الشأن نصت المادة (17) من قانون التوثيق اليمني على أن (يمارس الأمين المهام التالية –أ- تحرير عقود الزواج وشهادات الطلاق والرجعة على النماذج الرسمية المعدة لذلك).
وعند التأمل في النص القانوني السابق يظهر أنه قد اعتبر نموذج الرجعة شهادة رسمية بوقوع الرجعة، ولذلك فإن شهادة الرجعة هي الوسيلة الرسمية المعدة قانوناً لإثبات الرجعة غي القانون اليمني.
ويتم تكييف شهادة الرجعة على أنها وثيقة رسمية تتضمن إقرار الزوج بالرجعة، والواجب أن يكون تاريخ تحرير شهادة الرجعة هو ذاته تاريخ الإرجاع وهو تاريخ حضور الزوج المطلق إلى الامين الشرعي وطلبه تحرير شهادة الرجعة ،لأن بعض الأزواج المكايدين يذهب إلى الأمين الشرعي بعد إنقضاء عدة الزوجة ويدعي أنه قد ارجع الزوجة في تاريخ سابق لتاريخ حضور المطلق إلى مكتب الامين لتحرير شهادة الرجعة حيث يدعي في هذه الحالة انه قد سبق له أن تلفظ برجعة الزوجة أثناء عدتها، ومن وجهة نظرنا أن طلب تحرير شهادة الرجعة في هذه الحالة لا يقبل إلا إذا اثبت الزوج إرجاعه للزوجة في العدة عن طريق شهادة الشهود، لأن تحرير الشهادة بعد إنقضاء العدة يحدث إشكاليات ومخاطر لا حصر لها.
الوجه الثامن: إثبات أن الرجعة قد وقعت أثناء العدة:
تختلف عدة الزوجة المطلقة التي يقوم الزوج بإرجاعها تختلف عدتها بإختلاف وصفها ، فإذا كانت الزوجة حاملاً فإن عدتها تمتد حتى تضع حملها وإن كانت من ذوات الحيض والإقراء فإن عدتها ثلاث حيضات أو ثلاثة اقراء ، وإن كانت من غير ذوات الحيض فإن عدتها ثلاثة أشهر، وعلى هذا الأساس تكون عدة الحامل معلومة لا خلاف بشأنها وكذا عدة ذات الأشهر – وتبعاً لذلك فلا يقع الخلاف إلا بشأن عدة ذات الحيض، فإذا وقع الخلاف بشأن وقوع الرجعة في عدة ذات الحيض فإن القول في هذا الخلاف يكون قول المطلقة ، لأن إنقضاء الحيضات لا يعلم إلا من جهتها، وفي هذا المعنى نصت المادة (78) أحوال شخصية على أنه (إذا أدعت المرأة أن عدتها قد انقضت ولا منازع لها في ذلك صدقت بيمينها مالم يغلب على الظن كذبها)، والله أعلم.
أسئلة شائعة
يجوز للزوج إرجاع مطلقته طلاقًا رجعيًا إما بالفعل، مثل المعاشرة، أو بالقول كأن يقول "راجعت مطلقتي". اشترط بعض الفقهاء الإشهاد على الرجعة بينما لم يشترطه الجمهور.
وفقًا للمادة (76) من قانون الأحوال الشخصية اليمني، يجب الإشهاد على الرجعة القولية بشاهدين عدلين وإعلام الزوجة أو وليها إذا كانت مجنونة.
يصعب إثبات الرجعة الفعلية بالشهود، لذلك يتم إثباتها عادة عن طريق التصادق بين الزوج والزوجة، مثل إقرار أحدهما بمعاشرة الآخر أثناء العدة.
بحسب المادة (77)، إذا اختلف الزوجان بشأن وقوع الرجعة بعد انتهاء العدة، فالقول لمن ينكرها ما لم يثبت المدعي وقوعها بأدلة شرعية.
يجب إعلام الزوجة بالرجعة، وفقًا للمادة (76)، سواء شفاهة أو كتابة. يُوصى باستخدام إشعار مكتوب لضمان عدم حدوث نزاعات لاحقًا.
وثيقة الرجعة، التي تُحرر بواسطة الأمين الشرعي، تعتبر وسيلة رسمية لإثبات الرجعة، ويجب أن يكون تاريخ تحريرها مطابقًا لتاريخ الإرجاع لضمان صحتها.