إشكالية قسمة المنقولات في القانون اليمني

إشكالية قسمة المنقولات في القانون اليمني 

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تتكون اموال التركة من عقارات ومنقولات، ومعرفة العقارات ومعرفة ملكيتها للمورث وحصرها ومعرفة حالتها ميسورة، لأن العقارات يتعذر إخفائها، كما أنه من الممكن الوقوف على بياناتها عن طريق مكاتب الأمناء الشرعيين وأقلام التوثيق والسجل العقاري، بخلاف الحال بالنسبة للمنقولات التي يسهل إخفائها ويصعب التعرف على المالك الحقيقي لها ، كما يتعذر حصرها بدقة، ولذلك تكون منقولات التركة محلاً للخلاف بين الورثة للطبيعة الخاصة بالمنقولات، وتخضع المنقولات من حيث حصرها والتعرف على ملكية المورث لها تخضع لإجتهادات القسامين والقضاة في القسمة الجبرية، وتتفاوت هذه الإجتهادات من قسام إلى آخر ومن قاضٍ إلى آخر، ولذلك نجد أنه من المناسب الإشارة إلى إشكالية قسمة المنقولات بمناسبة التعليق على الحكم

الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19-3-2017م في الطعن رقم (58973)، 

المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى (بقنوع..... وكريمته عن المطالبة بقسمة المنقولات لعدم قيام الدليل على أنها من مخلف المورث)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (بعد الإطلاع على الحكم الابتدائي وما تعقبه لدى محكمة الاستئناف وتوصلها إلى الحكم بإلغاء الحكم الابتدائي، والحكم بما هو مفصل في حكم الاستئناف، فقد وجدت الدائرة: أن حكم الاستئناف هو الموافق للشرع والقانون لما علل به واستند إليه، ولا جدوى من الطعن لخلوه من أية حالة من حالات الطعن أمام المحكمة العليا وفقاً للمادة (292) مرافعات، مما يستوجب رفض الطعن موضوعاً.)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مفهوم التركة:

رغم أن المادة (299) من قانون الأحوال الشخصية قد عرّفت مصطلحات المواريث إلا أنها لم تعرّف التركة، واكتفت بتعريف الإرث بأنه (عبارة عن إنتقال الأموال والحقوق الخاصة بالميت إلى من يرثه)، إلا أن مفهوم التركة معروف وهو يعني: الأموال التي يتركها الميت، أو يموت الشخص وهي تحت يده، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الأموال مملوكة بالكامل للميت المورث أو كانت أمانات ورهون لديه، ولذلك ينبغي التحقق من ملكية المورث لها لتحديد الأموال الجوائز قسمتها ، حسبما سبق بيانه في تعليق سابق.

وتشتمل التركة بحسب هذا المفهوم على العقارات والأراضي والمنقولات والديون والإلتزامات المستحقة للميت.

الوجه الثاني: مفهوم المنقولات التي يتركها الميت (المورث):

المنقولات: هي كل مال غير مستقر أو غير ثابت يمكن نقله من مكان إلى آخر، ويكون هذا المنقول بحوزة وقبضة المورث قبل موته، بخلاف العقار وهو كل مال مستقر ثابت لا يمكن نقله دون تلف أو تغير في هيئته.

وبحسب هذا المفهوم فإن المنقولات التي يتركها المورث : هي الأموال القابلة للنقل التي يموت الشخص وهي بحوزته، وبحسب هذا المفهوم فإن أنواع المنقولات كثيرة ومختلفة.

الوجه الثالث: مكان وجود منقولات المورث:

يختلف هذا المكان بحسب نوع المنقولات وطبيعتها والأماكن المعدة لحفظها، فالنقود تكون في الغرفة التي كان يقيم فيها المورث أو في حسابات المورث في البنوك، وقد تكون على هيئة ديون مستحقة للمورث بذمة الغير، والمتعلقات الشخصية الثمينة كالساعات الذهبية والأسلحة الثمينة كالجنابي تكون أيضاً في الغرفة الخاصة بالمورث أو في الخزنة الخاصة به، والسيارات والمعدات قد تكون تحت يد المورث أو مؤجرة أو معارة أو مودعة لدى الغير، والحيوانات تكون كذلك.

أيضاً المستندات والمحررات التي تكون تحت يد المورث عند موته تكون في الغالب في الغرفة الخاصة بالمورث أو في خزنته الخاصة، كما قد تكون محفوظة في خزائن البنوك حيث يقوم غالب الناس في دول العالم المختلفة بإستئجار ما يسمى بالخزانة الحديدية في البنك ويقوم الشخص بحفظ وثائقه المهمة كسندات الملكية وسندات الاسهم وسندات الديون وغيرها بالإضافة إلى المنقولات الثمينة كالمجوهرات والذهب ، ويتم حفظها في خزنة أو مكان مقفل في البنك فلا يفتح هذا المكان إلا بمفتاحين معاً أحدهما لدى المورث والآخر لدى البنك، وهذه الطريقة جائزة بإتفاق الفقهاء المعاصرين بإعتبارها عقد إيجار إضافة إلى أنها أفضل الطرق لحفظ المستندات والمنقولات الثمينة ، وقد نظم القانون التجاري اليمني إجارة الخزائن ضمن عمليات البنوك . (النظرية المصرفية الإسلامية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص318) .

الوجه الرابع: التلاعب في منقولات التركة:

من الصعب جداً التلاعب عند حصر العقارات لأنها ثابتة مستقرة ومعلومة أنها ملك المورث أو مؤجرة منه أو له، أما المنقولات فلأنها غير مستقرة وغير ثابتة لذلك تكون عرضة للتلاعب بها، فقد يتم إخفائها أو استبدالها بعد موت المورث.

ولذلك يجب على القسام أن يراعي ذلك عند حصر المنقولات، كما أن حصر منقولات المورث تكون مجالاً للكيد والتخاصم بين الورثة حيث يدعي بعض الورثة على بعضهم إخفاء أو سرقة منقولات ثمينة على سبيل الكيد، فمن الطريف أنه في إحدى القسمات أن أحد الورثة أدعى أن اخته سرقت المسدس الذهبي المهدي لأبيه من الملك الحسين ملك الأردن، فقيل له هل كان أبوك ملكاً أو رئيساً لليمن حتى يهدي له ملك الأردن مسدساً ذهبياً!!!! علماً بأن المورث في هذه القسمة كان صاحب مكتب عقارات وليس ملكاً أو رئيساً.

ولذا فإن دعاوى الورثة الكيدية بشأن منقولات التركة سبب من ضمن أسباب إطالة إجراءات القسمات سواءً الإختيارية أو القضائية (الجبرية) مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.

الوجه الخامس: مسح منقولات التركة قبل حصرها:

سبق القول في الأوجه السابقة بأن للمنقولات طبيعتها الخاصة التي تجعلها عرضة للتلاعب والكيد بين الورثة، فضلاً عن صعوبة الإحتفاظ بها في مكان واحد، لذلك فأنه من الواجب على القسام أن يقوم أولاً بمسح المنقولات قبل حصرها في كشف التركة.

ويتم المسح عن طريق تكليف القسام للورثة بتقديم البيانات اللازمة عن المنقولات المملوكة لمورثهم أو التي يعلموا أنها ملكه سواءً الموجودة تحت يده عند موته أو لدى الغير وأن يقدموا ما يؤكد أنها ملك مورثهم، على أن يتم تقديم هذه البيانات خلال مدة معينة، وقد يقوم الورثة جميعهم بإعداد وثيقة واحدة تتضمن البيانات المشار إليها، كما قد يقوم كل واحد منهم بتقديم وثيقة مستقلة بذلك، فإذا اتفق الورثة في البيانات المتقدمة فأنها تكون الأساس السليم لإعداد حصر المنقولات وإن لم يتفقوا في بعض البيانات فينبغي على القسام البت في هذه البيانات الخلافية فإن استحكم الخلاف بين الورثة بشأنها فإن القسام أو القاضي يؤجل حصرها وقسمتها فلا يجعلها سبباً لتأخير القسمة.

الوجه السادس: إثبات ملكية المنقولات قبل حصرها:

غالباً ما تكون بعض المنقولات التي يموت المورث وهي بحوزته لا تكون مملوكة له ، فقد تكون مرهونة لديه أو عارية لديه بل قد تكون بعضها مسروقة أو منهوبة من قبل المورث (غفر الله له)، لذلك يجب أن يتثبت القسام من ملكية المورث لتلك المنقولات، فلا يجوز أن تقسم على الورثة إلا الأموال التي يثبت ملكية المورث لها.

الوجه السابع: أهمية مستندات المورث بإعتبارها من المنقولات:

ينطبق على المستندات التي يتركها المورث حين موته ينطبق عليها مصطلح (المنقولات) السابق ذكره، وغالباً ما تكون مستندات المورث في مكان واحد وهو غرفته الخاصة في منزله وقد يكون بعضها محفوظاً لدى بعض الورثة أو غيرهم كما قد يكون بعضها مرهوناً، وقد تكون تلك المستندات محفوظة بخزنة استأجرها المورث في البنك.

والمستندات قد تكون وثائق ملكية (كالبصائر والفصول وعقود التمليك والإنتفاع) وقد تكون عقود مزارعة أو مغارسة في أراضي ، وقد تكون شهادات استثمار أو مساهمة أو شراكة أو سندات اسهم في الشركات أو شهادات إيداع في بنوك أو سندات ديون مستحقة للمورث لدى الغير ، وقد تكون إقرارات من الغير بحق للمورث، وقد تكون وصايا صادرة من المورث كما قد تكون إقرارات من المورث بحقوق للورثة أو للغير، وقد تكون هذه المستندات كشوفات حساب بين المورث والغير، وقد تكون هذه المستندات رسائل من الغير إلى المورث تتضمن إقرارات بحق المورث لدى مرسليها...إلخ.

ومن خلال ما تقدم يظهر أن المقصود بالمستندات في هذا التعليق هي المستندات التي تكون لها صلة مباشرة بالتركة من حيث إثبات ملكية المورث للمنقولات والعقارات، وبيان حقوق المورث على الغير وحقوقه للغير وحقوقه لدى بعض الورثة وحقوقهم لديه.

وعلى هذا الأساس تظهر أهمية مستندات المورث في تحديد وعاء التركة بدقة وبيان الأموال القابلة للقسمة بالفعل، ولذلك يجب أن تتم دراسة وثائق ومستندات المورث قبل حصر أموال التركة سواءً العقارية أو المنقولة.

الوجه الثامن: الوضعية الخاصة لبعض المنقولات الرمزية:

بعض منقولات المورث تكون لها رمزية معينة بين أفراد الأسرة والمجتمع المحيط بهم مثل السلاح الأبيض للمورث (الجنبية) والسلاح الناري (المسدس والبندق) وكذا حلي الأم المورثة تكون لهذه المنقولات رمزيتها، ولذلك يتم تثمين وإحتساب هذه المنقولات الرمزية والمتعلقات الخاصة بالمورث للابن الأكبر ان أراد ذلك وإلا تتم قسمتها على جميع الورثة مثل غيرها من المنقولات، وكذا الحال بالنسبة للحلي والزينة الشخصية للام المورثة فيتم إحتسابها من نصيب البنت الكبرى، وإلا فيتم قسمتها بين جميع الورثة.

الوجه التاسع: المنقولات التي يتم التساهل بشأنها في العصر الحاضر:

كان القسامون الأولون حتى وقت قريب يحرصوا على حصر كافة منقولات المورث دقيقها وجليلها التافه منها والثمين حتى تكون القسمة حاسمة ومنهية لكافة مشتملات التركة وحتى لاتترك اية وليجة، ولذلك نجد ضمن فصول المتقدمين منقولات (كالمقلى والصحن والفردة والمدق والفرش) ، بل قد لاحظت قبل خمس عشرة سنة في فصول قسمة في مدينة صنعاء تضمنت (المسنى وهو الحبل الذي يرفع الماء من البئر اليدوي وكذا جعبة البغل وهي جرس صغير كان يعلق على رقبة البغل لحثه على سرعة السير) وعندما انكرت ذلك على القسام اجاب أن كشف حصر أموال التركة والتركيز وفصول القسمة يجب أن تكون مطابقة للواقع تماماً، فيجب أن تظهر فيها كافة منقولات المورث كما هي.

اما في غالب القسمات المعاصرة التي تتم في الوقت الحاضر فإن الورثة يتصادقون في وثيقة إجراءات القسمة التي يتم التوقيع عليها في بداية اجراءات القسمة على أن الجنابي والسلاح الذي يكون بحوزة كل مورث هي ملك له ولو كان المورث قد اشتراها له وكذا يصادق الورثة على أن الحلى التي بحوزة كل واحدة من الوارثات ملكها ولو كان المورث قد اشتراها لها.

وكذا يتم النص في وثيقة إجراءات القسمة على أن الورثة قد تصادقوا على أن يكون أثاث المنزل للوارث فلان أو فلانة، والله اعلم.

إشكالية قسمة المنقولات
إشكالية قسمة المنقولات

مدونة الأستاذ الدكتور/ عبدالمؤمن شجاع الدين