إشتراك الورثة في المستفاد من التركة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
المستفاد: هي الأموال المكتسبة من عائدات التركة الشائعة الأصلية (الكرمة)، ويتم إكتساب (المستفاد) بجهود ومساعي بعض الورثة القائمين على إدارة التركة الشائعة، ويثير موضوع إشتراك الورثة مع بعضهم في إكتساب الأموال من عائدات التركة الشائعة التي لم تقسم بعد يثير هذا الموضوع عدة إشكاليات منها كيفية إثبات سعى أو جهد كل وارث من الورثة الذين يديرون التركة الشائعة وإثبات مقدار العائد الذي تحقق من جهود أو مساعي كل واحد من الورثة الذين يديرون التركة الشائعة وغير ذلك من الاشكاليات.
فعندما يموت المورث تكون امواله التي خلفها تركة شائعة لورثته من بعده، فان قاموا بقسمتها فينتهي الشيوع، وان لم تتم قسمة التركة فتنشاء عندئذ شركة الواقع أي شركة بحكم الواقع أو الفعل ، ومعنى شركة الواقع ان كل وارث يصير شريكا في التركة الشائعة وتكون حصته في هذه الشركة بقدر نصيبه الشرعي في التركة الشائعة ، وبموجب هذه الشركة الواقعيةه او الفعلية يستحق الوارث من عائدات التركة الشائعة بقدر نصيبه فيها ، فان استلم الوارث نصيبه من عائدات التركة الشائعة (الكرمة) فان شراكته تقتصر على الشراكة في الكرمة فقط ، اما إذا ساهم بنصيبه من عائدات التركة الشائعة في شراء الأموال المستفادة فانه يصير شريكا في المستفاد بقدر هذه العائدات ، فتضم هذه العائدات إلى نصيبه في الكرمة أو التركة الشائعة عند إحتساب حصته من المستفاد.
لكن هناك وجه اخر لشركة الواقع السابق ذكرها وهو سعي وجهد وعمل مديري التركة الشائعة الذين يقوموا بإدارتها واكتساب الاموال من عائداتها (المستفاد)، فقد يقوم الورثة كلهم ببذل جهودهم في إكتساب المال ، وقد يقتصر بذل السعي والجهد على بعض الورثة فقط ، فعندئذ يكون الساعي من الورثة شريكا في السعي بالإضافة إلى شراكته في الكرمة، ومن جانب اخر فان الجهود أو المساعي أو الاعمال التي يبذلها الورثة في سبيل إستفادة الأموال تتفاوت من وارث إلى وراث ، فاذا تساوت مساعي وجهود الورثة جميعا في إكتساب الأموال فإن الأموال المكتسبة (المستفاد) فتقسم بين الورثة كلٍ بحسب نصيبه الشرعي ، اما إذا تفاوتت أعمال وجهود الورثة الذين يديروا التركة الشائعة فان نصيب كل واحد منهم يختلف عن الاخر لاختلاف المساعي بين الورثة.
وقد أشار الى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-1-2017م في الطعن رقم (58773)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن حكم الاستئناف موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون، وذلك لما علل به واستند إليه في قضائه بتأييد الحكم الابتدائي بجميع فقراته، حيث قضى بثبوت إشتراك الإخوة الأربعة في المستفاد على النحو الوارد في الحكم الابتدائي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: التكييف القانوني لإشتراك الورثة في المستفاد
سبق القول بأن معنى الإشتراك في المستفاد: هو إشتراك الورثة في إكتساب أموال إضافية من عائدات الأموال المتحصلة من التركة الشائعة قبل قسمتها بين الورثة، ويطلق على مصطلح (المستفاد) مصطلحا (المكتسب و المستطلع)، بيد ان القانون المدني اليمني قد أخذ بمصطلح (المستفاد).
ولا شك أن بقاء التركة شائعة بين الورثة دون قسمة وقيام الورثة بتوظيف عائدات التركة في شراء أموال جديدة يوجد شركة فعلية أو شركة واقع بين الورثة فرضها واقع التركة الشائعة التي لم تقسم بعد.
فبقاء التركة الشائعة بإتفاق الورثة وإستغلال عائداتها في إستفادة أموال جديدة أو إستثمار عائدات التركة في مشاريع، هذه الوضعية تنشئ علاقة أخرى بين الورثة هي علاقة شراكة في الأموال المستفادة من عائدات التركة الشائعة، فالورثة يكونوا ورثة وشركاء على الشيوع في التركة الشائعة، ومن ناحية أخرى يكونوا شركاء فيما يتعلق بالأموال المستفادة من عائدات التركة الشائعة، وفي هذا المعنى نصت المادة (663) من القانون المدني اليمني على أنه (إذا كان للشركاء كرمة (مال) قدمها الشركاء أو بعضهم للسعي فيها قسم الناتج بين الكرمة وسعي الشركاء كلٍ بحسب تأثيره في المستفاد، ويقسم نصيب الكرمة من الكسب بين من قدموها أو ورثوها من الشركاء كلٍ بنسبة حصته فيها ويقسم الناتج من السعي بين الشركاء جميعاً على الرؤوس سواءً أكان نتائجاً من سعيهم في الكرمة أو في غيرها، ويعطى من كان لسعيه أو وجاهته تأثير في الكسب زيادة بقدر ما تقدم به كسبه).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن التركة الشائعة تكون كرمة أي رأس مال الشراكة بين الورثة في المشاريع والاموال التي يتم تمويلها من عائدات التركة الشائعة ، ولذلك فإن الورثة يكونوا شركاء في الأموال المكتسبة من عائدات التركة الشائعة ،وهي مايطلق عليها المستفاد بحسب تعبير القانون المدني اليمني.
الوجه الثاني: شراكة الورثة في التركة الشائعة (الكرمة)
أموال التركة الشائعة تكون رأس مال الشركة التي تقع بحكم الواقع أو بالفعل فيما بين الورثة الذين يتفقوا على بقاء التركة شائعة بينهم، إذ تكون أموال التركة الشائعة (الكرمة) بمثابة رأس مال شركة الواقع التي تقع بين الورثة في التركة الشائعة وتكون مساهماتهم أو حصصهم في (الكرمة) بحسب النصيب الشرعي لكل وارث.
وعلى هذا الأساس فإن كل وارث يستحق من عائدات (الكرمة) بقدر نصيبه الشرعي فيها، فإذا تم إستثمار هذه العائدات في شراء الأموال (المستفاد) فإن كل وارث يستحق من (المستفاد) بقدر حصته في (الكرمة) أي التركة الشائعة، مع مراعاة حصص السعي: أي عمل وجهد وسعي الشركاء في (المستفاد) على النحو الاتي بيانه.
الوجه الثالث: كيفية إحتساب حصة (الكرمة) من (المستفاد) وحصة (السعي) من (المستفاد)
أشار النص القانوني السابق إلى أنه ينبغي إحتساب حصة السعي من (المستفاد) وكذا حصة (الكرمة) من (المستفاد)، غير أن ذلك النص لم يحدد كيفية تحديد حصتي الكرمة والسعي من المستفاد، وأشار النص إلى أنه يتم الإلتزام بما ورد في إتفاق الورثة الشركاء في تحديد حصتي (الكرمة والسعي) في (المستفاد)، أما إذا لم يكن هناك إتفاق بين الورثة الشركاء في هذا الشأن فإن القواعد العامة تقتضي أن يتم تحديد نسبة السعي من المستفاد أولاً أي يتم النظر إلى الجهود والمساعي والاعمال التي بذلها الشركاء للحصول على المستفاد قياساً بمساهمة رأس المال أو الكرمة إجمالا أي اسهام الكرمة كلها في تحقيق المستفاد، وفي ضوء ذلك يتم تحديد نسبة السعي إجمالا وكذا نسبة الكرمة بصفة إجمالية كلٍ منهما على حدة، وبعد ذلك يتم الإنتقال إلى المرحلة الثانية وهي: تحديد حصة كل وارث من نسبة السعي وكذا تحديد نصيب كل وارث من المستفاد بقدر حصته في الكرمة على النحو الآتي بيانه.
الوجه الرابع: أسس توزيع الأموال المستفادة من التركة الشائعة بين الورثة
حدد القانون المدني اليمني أسس توزيع الأموال المستفادة من عائدات التركة الشائعة كما يأتي:
الأساس الأول: التراضي القولي بين الورثة الشركاء على تقسيم المستفاد: وقد حددت هذا الأساس المادة (662) مدني، وهذا الأساس هو الأولى في التطبيق، لأنه يعبر عن الإتفاق بين الشركاء وقبولهم وارادتهم السابقة أو اللاحقة على طريقة إحتساب وتقسيم الأموال المستفادة من الشركة العرفية ، والمقصود بالتراضي القولي: هو الإتفاق الشفهي المسبق أو اللاحق بين الورثة الشركاء على تقسيم الأموال المستفادة من التركة الشائعة بنسب محددة أو أموال محددة لكل واحد منهم ، ففي هذه الحالة يجب على الورثة الشركاء احترام هذا الاتفاق والإلتزام به من قبل الورثة الشركاء وتقسيم الأموال المستفادة بحسب ما اتفق عليه الشركاء، كما ينبغي على المحكمة أو المحكم إلزام الورثة الشركاء بالعمل بمقتضاه إذا اختلفوا بشأن تقسيمها، وإذا كان هناك إتفاق كتابي بين الشركاء في شركة الواقع على تقسيم الأموال فأنه يتم العمل بموجبه من باب أولى، وقد بينت المادة (662) مدني غالبية الأسس التي يتم اعتمادها في تقسيم المال المستفاد من شركة الواقع التي تنشاء في حالة التركة الشائعة بين الورثة، فقد نصت المــادة (662) مدني على أنه (اذا كان بين الشركاء تراضي قولي او فعلي طبق ما تراضوا عليه واذا لم يوجد تراض بين الشركاء طبق العرف الخاص بالجهة, واذا لم يوجد عرف خاص طبقت الاحكام المنصوص عليها في المواد التالية, ولا يعتد بالعرف الذي يحرم شخصا من سعيه او غلة ماله اذا طلبه).
الأساس الثاني: التراضي الفعلي بين الورثة الشركاء في شركة الواقع : وقد حددت هذا الأساس المادة (662) مدني، والمقصود بالتراضي الفعلي: هو مواظبة الورثة الشركاء في الفترة الماضية من شركة الواقع على طريقة محددة لتقسيم المستفاد بينهم كأن يظهر من حسابات الشركاء أو تعاملاتهم الماضية أنهم كانوا يحتسبون لكل شريك ربع المستفاد أو أكثر أو أقل، فعندئذٍ يكون الواجب العمل بحسب هذه الطريقة بإعتبار الورثة الشركاء قد تراضوا عليها واعتمدوها بالفعل في معاملاتهم السابقة.
الأساس الثالث: العرف الخاص في الجهة: ويأتي هذا الأساس في المرتبة الثالثة، والمقصود بعرف الجهة: هو العرف الخاص السائد لفترة من الزمن في المنطقة التي يقع بها نشاط الشركة العرفية، فقد يتعارف الناس في منطقة نشاط شركة الواقع على توزيع المستفاد بطريقة معينة مثل الشراكة في زراعة القات وبيعه، فقد يجري العرف على إحتساب مقدار معين أو نسبة معينة من المستفاد لمن يقوم بعمل معين في زراعة القات او بيعه .
الأساس الرابع: عرف المهنة: ويلحق بعرف الجهة عرف المهنة حيث يتعارف أصحاب المهن المختلفة على إحتساب مقادير أو نسب معينة لبعض الأعمال، ومع ان القانون لم ينص على عرف المهنة إلا أن القضاء اليمني والعربي قد اعتمد هذا الأساس في أحكام كثيرة سبق لنا التعليق على أحدها.
الأساس الخامس: تأثير سعي الورثة الشركاء: وهو أساس مهم حيث يتم توزيع المستفاد من شركة الواقع بحسب تأثير سعي الوارث الشريك اي الناتج الذي حققه بالفعل سعي الشريك في نما وزيادة الأموال المستفادة، لأن ناتج السعي أو تأثيره في إستفادة الأموال يختلف من شريك إلى شريك، فبعض الورثة الشركاء قد يكون سعيه سلبيا فيتسبب سعيه في خسارة شركة الواقع ، وهناك من الورثة يكون ناتج سعيه تحقيق عوائد وفوائد كثيرة لشركة الواقع ، فالورثة الشركاء يتفاوتون في نتائج سعيهم، ولذلك يكون توزيع المستفاد بحسب تأثير سعي كل شريك واسهامه في إكتساب الأموال المستفادة من شركة الواقع، وفي هذا المعنى نصت المادة ((663) على انه (اذا كان للشركاء كرمة (مال) قدمها الشركاء او بعضهم للسعي فيها قسم الناتج بين الكرمة وسعي الشركاء كل بحسب تاثيره في المستفاد ويقسم نصيب الكرمة من الكسب بين من قدموها او ورثوها من الشركاء كل بنسبة حصته فيها ويقسم الناتج من السعي بين الشركاء جميعا على الرؤوس سواء كان ناتجا من سعيهم في الكرمة او في غيرها، ويعطى من كان لسعيه او وجاهته تاثير في الكسب زيادة بقدر ما تقدم به كسبه).
الاساس السادس: وجاهة الوارث الشريك: المقصود بالوجاهة هنا هو: السمعة الحسنة للوارث بين الزبائن واهل النشاط الذي تباشره شركة الواقع، وشهرة الوارث الشريك بالتعامل الجيد والحسن والمهارة والذكاء، وقبوله لدى اصحاب النشاط لخبرته وهمته وذكائه وامانته والثقة به، فالوجاهة بهذا المعنى من الأسس المعتمدة عند تقسيم المستفاد بين الورثة الشركاء ،لتاثير الوجاهة البالغ في إستفادة الاموال ، فلايجوز إغفال هذا الأساس عند قسمة المستفاد بين الورثة الشركاء، لأن عدم الاخذ بهذا الأساس يعني المساواة بين الشركاء مع انهم متفاوتون في الوجاهة ، والمساواة عند التفاوت ظلم، والله أعلم.
أسئلة شائعة
المستفاد يشير إلى الأموال المكتسبة من عائدات التركة الشائعة قبل قسمتها بين الورثة، والتي يتم تحقيقها بجهود ومساعي بعض الورثة القائمين على إدارة التركة.
نعم، إذا بقيت التركة شائعة واستُغلت عائداتها في تحقيق أرباح إضافية أو استثمارات جديدة، فإن ذلك يؤدي إلى وجود علاقة شراكة فعلية بين الورثة.
تقسم الأموال المكتسبة بين الورثة بحسب نصيبهم الشرعي في التركة الأصلية مع مراعاة جهودهم المبذولة لتحقيق هذه الأموال.
الكرمة، وهي التركة الشائعة، تعتبر رأس مال الشراكة بين الورثة. يوزع نصيب كل وارث في عائدات الكرمة وفقاً لنصيبه الشرعي، ويشترك الجميع في الأرباح بناءً على حصصهم وجهودهم.
يتم تحديد نسبة السعي وحصة الكرمة بناءً على اتفاق الورثة. وفي حال عدم وجود اتفاق، يتم تقدير الجهد المبذول لتحقيق المستفاد قياساً إلى مساهمة رأس المال.
المادة (663) من القانون المدني اليمني تؤكد أن الورثة يصبحون شركاء في السعي لتحقيق الأرباح من التركة الشائعة، وتقسم العائدات بينهم بناءً على تأثير رأس المال والسعي.