حكم قسمة المال المرهون بين الورثة

 حكم قسمة المال المرهون بين الورثة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

 قد يكون المال مملوكا للغير مرهونا لدى المورث قبل وفاته ، فهذا المال المرهون لاتجوز قسمته ، لانه ليس من اموال التركة ، وانما يقوم الورثة بتكليف المدين لمورثهم بالوفاء بالدين فان استلم الورثة ذلك الدين فيجب عليهم إعادة المال إلى مالكه وهو الراهن ، فإن لم يقم المدين بالوفاء بالدين فيتم اللجوء الى القضاء لاقتضاء الدين والتنفيذ على المال المرهون ، والقاعدة في قسمة التركات ان دين المورث الذي يحتاج إقتضاؤه إلى وقت طويل نسبيا يتم تاجيل قسمته الى وقت تحصيله حتى لايكون ذلك سببا في تعطيل قسمة اموال المورث القابلة للقسمة الفورية.

 اما إذا كان المورث هو المدين ، وقد قام اثناء حياته برهن ماله لدى الدائن المرتهن فالقاعدة في الشريعة والقانون أن لا تركة إلا بعد سداد الدين القائم عليها، ومؤدى ذلك أنه يجب على الورثة في هذه الحالة المبادرة والمسارعة إلى إخراج الدين المتعلق بمال المورث المرهون لدى الدائن المرتهن وإستعادة المال المرهون كي تتم قسمته ضمن أموال التركة، فلا تجوز قسمة أموال التركة قبل سداد الدين المتعلق بالمال المرهون، وهذه المسألة مسألة دينية ، ولذلك يجب على الورثة المبادرة والمسارعة إلى إخراج دين مورثهم وسداده الى الدائن وإستعادة المال المرهون، فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أمر بأداء الدين القائم على الميت قبل أن تتم صلاة الجنازة على المدين، وفي ذلك دليل على مبالغة الشريعة الإسلامية في المسارعة والمبادرة لقضاء الدين القائم على الميت بصرف النظر عما إذا كان هذا الدين قد تعلق به رهن أم غيره، بل أن المبادرة إلى قضاء دين المورث الذي يتعلق به الرهن يكون من باب أولى حتى يتم تحرير أو فك الرهن عن المال المرهون تمهيدا لقسمته، فلا يجوز أن يتقاسم الورثة مال مورثهم وذمته مشغولة بدين للغير

وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-1-2012م في الطعن رقم (43376)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه

(اما بشأن ما اثاره الطاعن بشأن الذهب المرهون فمردود عليه بأن الذهب مرهون ، والقسمة تمت برضاء جميع الورثة)، وعند الطعن بالنقض بالحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد تبين للدائرة أن نعي الطاعن قد ارتكز على وقائع النزاع وبعض إجراءات الحكم، وبمناقشة الدائرة لمناعي الطاعن فقد وجدت: أن تلك الوقائع متعلقة بموضوع النزاع وتختص بنظرها محكمة الموضوع، وإن محكمة الاستئناف قد توصلت إلى نتيجة موافقة للشرع والقانون، مما يلزم طرح مناعي الطاعن)،

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: إنتهاء الذمة المالية للمورث بموته:

من آثار موت الإنسان إنتهاء ذمته المالية بموته، فتصير أمواله تركة لورثته من بعده، وتبعاً لذلك فإن الديون التي تكون بذمة المورث للغير تصير حالة الأداء يجب سدادها من رأس تركة الميت قبل قسمتها بين الورثة .

اما إذا كان المورث هو الدائن للغير ولم يحن الميعاد المتفق عليه لسداد هذا الدين بين المورث وبين المدين فيضل هذا الميعاد قائما ، فلايؤثر عليه موت الدائن، وعند حلول ذلك الميعاد يقوم الورثة بمطالبة المدين بالسداد.

الوجه الثاني: لا تركة إلا بعد سداد دين المورث:

 إذا كان المورث هو المدين للغير ،فمن القواعد الشرعية والقانونية المؤكدة أنه لا تركة إلا بعد سداد الدين القائم عليها، ومعنى ذلك أنه لا تجوز قسمة تركة المتوفي على ورثته قبل سداد دين المتوفي، وفي هذا المعنى نصت المادة (302) أحوال شخصية على إنه (تتعلق بتركة الميت حقوق أربعة مقدم بعضها على بعض: -1- إخراج مؤن التجهيز من الموت إلى الدفن ونفقة معتدة -2- قضاء ما ثبت عليه من دين -3- تنفيذ ما يصح من الوصايا -4- تقسيم الباقي بين الورثة) ، فقد صرح هذا النص بأن الدين حق للدائن وإنه يجب الوفاء به قبل قسمة التركة.، ومفاد ذلك إنه لا تجوز قسمة التركة قبل سداد الدين المتعلق بها حسبما ورد في النص السابق.

الوجه الثالث: عدم جواز إتفاق الورثة على قسمة التركة وبقاء المال المرهون لدى الدائن حتى يتم سداد الدين بعد القسمة:

إذا كان المال الموجود تحت يد المورث مملوكا للغير ومرهونا لدى المورث ، فهذا المال لاتجوز قسمته لانه ليس من اموال التركة ، وانما يقوم الورثة عند حلول ميعاد سداد الدين بتكليف المدين لمورثهم بسداد الدين فان قام بوفاء الدين يقوم الورثة بإعادة المال إلى مالكه وهو الراهن ، فإن يقم المدين بالوفاء بالدين ، فيتم اللجوء الى القضاء لاقتضاء الدين والتنفيذ على المال المرهون ، والقاعدة في قسمة التركات ان دين المورث اذا كان يحتاج إقتضاؤه إلى وقت طويل نسبيا فيتم تاجيل قسمته الى وقت تحصيله حتى لايكون ذلك سببا في تعطيل قسمة اموال المورث القابلة للقسمة الفورية.

اما إذا كان المورث هو المدين وكان ماله مرهونا لدى الدائن فقد سبق القول أن سداد الدين المتعلق بالتركة حق للدائن وفي الوقت ذاته واجب على الورثة ، وسبق أن ذكرنا أن المادة (302) أحوال شخصية السابق ذكرها قد صرحت بوجوب ترتيب الوفاء بالحقوق المتعلقة بتركة الميت بحسب الترتيب الوارد في ذلك النص، وذكرنا أيضاً القاعدة الشرعية أقضي بانه : (لا تركة إلا بعد سداد الدين)، وعلى ذلك فانه يجب على الورثة سداد الدين المتعلق بالتركة المتعلق بالمال المرهون من التركة وفك الرهن عنه حتى يتم ادراج المال المرهون بعد فك الرهن عنه ضمن أموال التركة وتتم قسمته، وعلى هذا الأساس فإن سداد الدين المتعلق بالتركة من راس التركة قبل قسمتها بين الورثة من النظام العام الذي لا يجوز للورثة الإتفاق على خلافه، وتطبيقاً لهذا المفهوم لا يجوز للورثة قسمة التركة دون فك الرهن المتعلق بأحد أموال التركة.

الوجه الرابع: فائدة قيام الورثة بسداد دين مورثهم وفك الرهن عن المال المرهون:

لاشك أن لذلك فوائد شتى من ضمنها: تمكين الورثة من تثمين المال المرهون مع أموال التركة الأخرى مما يترتب عليه سلامة تثمين أموال التركة والوقوف على حجم التركة وقيمة اعيانها وتحديد أنصبة الورثة بشكلٍ سليم وصحيح وشامل ودقيق، والأهم من هذا وذاك تخليص ذمة مورثهم من الدين العالق بذمته حتى تستقر روحه، فالثابت أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ، فإن لم يترك الميت ما يكفي لقضاء دينه ، فينبغي أن يتطوع ورثته بسداد دينه، فقد روى البخاري في صحيحه عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أتى جنازة ليصلي عليها فقال: (هل عليه من دين؟ قالوا: لا، فصلى عليه ثم أتى بجنازة أخرى فقال: هل عليه من دين؟ قالوا نعم، قال: فصلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: علىّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه) ، والله أعلم.

حكم قسمة المال المرهون بين الورثة
حكم قسمة المال المرهون بين الورثة.