سلطة المحكمة في قفل باب المرافعة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
نصت المادة (172) من قانون المرافعات اليمني على أنه (يجوز للمحكمة أن تقرر قفل باب المرافعة في الخصومة وتحجزها للحكم في نفس الجلسة في الحالتين التاليتين: -1- إذا اتفق الخصوم على ذلك ووقعوا على محضر الجلسة بما يفيد الاتفاق -2- إذا رأت المحكمة أن ما قدم من أدلة كافٍ لإصدار الحكم في الدعوى وإن إعتراض الخصوم غير ذي جدوى، وعليها أن تبين في حكمها الأسباب التي دعتها إلى تقرير ذلك رغم معارضة الخصوم أو احدهم وتسلم لكل واحد من الخصوم صورة من محضر الجلسات بناءً على طلب الخصم)، ومن سياق الفقرة (2) من هذا النص يظهر أن للمحكمة سلطة تقديرية في القرار بقفل باب المرافعة في القضية وحجزها للحكم فيها ، ولكن سلطة المحكمة في قفل باب المرافعة ليست مطلقة وإنما مقيدة بعدة قيود وضوابط حتى يكون قرار قفل باب المرافعة رشيدا؛
وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-5-2015م في الطعن رقم (56931)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم:
(اما مسألة حجز المحكمة للقضية للحكم بعد قرار المحكمة حجزها للاطلاع فشأن المحكمة ،لان ذلك ضمن نطاق سلطتها التقديرية وفقا للمادة (172) مرافعات التي تمسك بها الطاعن، قد اشارت تلك المادة إلى ذلك بقولها: إن إعتراض الخصوم غير ذي جدوى، ومن ثم فما ساقه الطاعن في عريضة طعنه لا وجه لإعماله قانوناً)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: طبيعة قرار قفل باب المرافعة:
هو قرار يصدره القاضي الذي ينظر القضية يتضمن التقرير بصلاحية القضية للفصل فيها بحالتها بعد أن مكنت المحكمة الخصوم من تقديم كافة طلباتهم وأدلتهم وأوجه دفاعهم، ولكن إذا قررت المحكمة قفل باب المرافعة مع الترخيص للخصوم بتقديم مذكرات الى أجل معين فلا يعد باب المرافعة مقفلاً إلا بإنتهاء هذا الاجل.
وقرار المحكمة قفل باب المرافعة لا يعد حكماً وإنما قرار محض لا يقيد المحكمة ، فهي تملك ان تقرر فتح باب المرافعة من تلقاء ذاتها أو بناءً على طلب من أي خصم.
الوجه الثاني: الآثار المترتبة على قفل باب المرافعة:
يترتب على قرار قفل باب المرافعة عدة اثار منها : عدم جواز قبول المحكمة لأية مذكرات أو الإستماع إلى أي أقوال من الخصوم، كما لا يجوز لها قبول أي تدخل في القضية، أو الإستماع إلى شهود، ويترتب على ذلك أيضا عدم جواز قبول طلب رد القاضي بعد ان تقرر المحكمة حجز القضية للحكم ،كما يترتب على ذلك وجوب تحديد ميعاد النطق بالحكم ضمن قرار حجز القضية للحكم أو قفل باب المرافعة.
الوجه الثالث: السلطة التقديرية للقاضي في قرار قفل باب المرافعة:
استقر قضاء محكمة النقض المصرية ومحكمة التمييز العراقية وغيرهما على أن قرار المحكمة قفل باب المرافعة يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، لأن قاضي الموضوع هو الذي يقدر مدى إحاطته بوقائع القضية ومدى كفاية الأدلة التي قدمها الخصوم أثناء سير إجراءات القضية ومن ثم صلاحية القضية للحكم فيها ، فمن خلال ذلك يستطيع القاضي أن يقدر مدى صلاحية القضية للحكم فيها، غير أن سلطة القاضي التقديرية في هذا الشأن ليست مطلقة ، وإنما ترد عليها بعض الضوابط والقيود، ومن ذلك أن يظهر من أوراق القضية أن أدلة الخصوم كافية للحكم في القضية سلباً أو إيجاباً، وإن المحكمة قد منحت الخصوم الوقت المتاح قانوناً لتقديم أدلتهم وطلباتهم وأوجه دفاعهم، ومن ضوابط السلطة التقديرية أن تكون المحكمة قد استوفت الإجراءات التي سبق لها أن قررتها مثل إستدعاء شاهد للإدلاء بشهادته أو تكليف خبير لإستطلاع رأيه أو قرار المحكمة بالمعاينة، فلا يحق للمحكمة أن تقرر مثل هذه القرارات ثم وقبل تنفيذ هذه القرارات تقرر المحكمة قفل باب المرافعة، لأن إتخاذ المحكمة لمثل تلك القرارات يدل على أن القضية مازالت بحاجة إلى بيان وتفصيل، ومن الضوابط أيضاً أن لا تكون المحكمة قد منحت الخصم فرصة لتقديم مذكرة أو دليل وقبل إنتهاء مدة الفرصة تقرر المحكمة قفل باب المرافعة، ومن الضوابط في هذا الشان تحديد تاريخ النطق بالحكم مع قرار قفل باب المرافعة، ومن ذلك أيضا انه إذا اعترض الخصوم أو احدهم على قفل باب المرافعة فعلى المحكمة أن تذكر ضمن أسباب الحكم الأسباب التي جعلتها تقرر قفل باب المرافعة رغم معارضة الخصوم.
الوجه الرابع: بدعة حجز القضية للإطلاع في اليمن:
كان جانب من الجدال في الحكم محل تعليقنا بشأن قرار المحكمة حجز القضية للإطلاع ثم مفاجأة المحكمة للخصوم بالنطق بالحكم في الجلسة التالية لقرارها حجز القضية للإطلاع، ولا ريب أن (قرار المحكمة حجز القضية للإطلاع) بدعة لا أصل لها في قانون المرافعات اليمني ، ولكنها بدعة ليست حسنة ،لأنها توحي للخصوم والباحثين والمهتمين أن المحكمة لا تطالع أوراق القضية إلا حينما تقرر المحكمة حجزها للإطلاع، مع أنه من الواجب على المحكمة أن تطالع جميع أوراق القضية قبل كل جلسة للوقوف على الإجراءات السابقة التي قامت بها والمذكرات والمستندات المقدمة من الخصوم ومعرفة مستوى تنفيذ قراراتها وإجراءاتها السابقة والتحقق من كفاية أدلة الإثبات والنفي، وما إذا كانت القضية صالحة لحجزها والفصل فيها.
ولذلك فإن قرار المحكمة حجز القضية للاطلاع يتم إستعماله في بعض الحالات كبديل لحجز القضية للحكم فيها أو قفل باب المرافعة فيها، حيث تقوم المحكمة بمفاجأة الخصوم أو احدهم في الجلسة التالية بأن المحكمة من خلال إطلاعها على أوراق القضية قد وجدتها صالحة للحكم فيها في الجلسة ، وبالفعل يتم النطق بالحكم في الجلسة، فيكون الحكم مفاجئاً للخصوم فربما لا يكون أحدهم قد استوفى ما لديه من ادلة أو طلبات.
وفي تعليق سابق لنا على إجازة قانون المرافعات اليمني للنطق بالحكم في الجلسة ذاتها، ذكرنا في ذلك التعليق ذكرنا أن إجازة القانون الحكم في الجلسة مثار انتقادات كثيرة ، لإساءة إستعمال هذه الرخصة القانونية في بعض القضايا الكبيرة، مع أن هذه الرخصة مقررة في القانون في القضايا البسيطة أو الواضحة ،والله اعلم.