الجمع بين الإلتماس والتظلم أمام رئيس الجمهورية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
يتم في اليمن التظلم من الأحكام القضائية الباتة أمام رئيس الجمهورية استنادا الى المادة (293) مرافعات التي نصت على أنه:
"لرئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى أن يطلب من رئيس المحكمة العليا إعادة النظر في أي حكم بات يرى أنه يشتمل على خطأ يضر العدل مع تبيين وجه الخطأ."
"يكون الطعن في الأحكام بطريق الاستئناف والنقض وإلتماس إعادة النظر."
فضلاً عن أن مصطلح الخطأ المضر بالعدل المنصوص عليه في المادة (393) مرافعات السابق ذكرها يحتاج ذلك المصطلح إلى ضبط وتحديد، إضافة إلى أن نص المادة (293) مرافعات يثير جدلاً واسعًا في اليمن بشأن ما إذا كان هذا النص يشكل تدخلًا في العمل القضائي أو للأحكام القضائية، ولذلك فأنه من المناسب الإشارة إلى هذه المسائل في سياق التعليق على الحكم؛"الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-9-2017م في الطعن رقم (59709)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم."
(وحيث أن النائب العام قد رفع إلتماس إعادة النظر إلى المحكمة العليا وفقاً للمادة (412) إجراءات التي حددت طرق الطعن في الأحكام، إذ نصت هذه المادة على أن (يكون الطعن في الأحكام والقرارات عن طريق الاستئناف وعن طريق الطعن وإلتماس إعادة النظر) وهو ما نصت عليه أيضاً المادة (272)، مرافعات، وهو ما يعني أنه لا يجوز التظلم أمام رئيس الجمهورية وفقاً للمادة (293) مرافعات إلا بعد إستنفاد طرق الطعن القانونية بإعتبار ما نصت عليه المادة (293) مرافعات يعتبر طريقاً إستثنائياً بعد إستنفاد الطرق الأصلية، وحيث ان إختصاص الدائرة مستفاد من نص المادة (293) مرافعات، وإن الإختصاص لا ينعقد للدائرة إلا بعد إستنفاد جميع طرق الطعن العادية المنصوص عليها في قانون الإجراءات بإعتبار أن التظلم أمام رئيس الجمهورية يعد إستثناءً لتلافي ما لا يمكن تلافيه من ظلم قد وقع على المحكوم عليه إلا بهذه الوسيلة، فهذا يعني أنه لا يحق لهذه الدائرة نظر التظلم المحال إلى المحكمة العليا من رئيس الجمهورية طالما أن الدائرة لم تفصل في إلتماس إعادة النظر المرفوع من النائب العام طبقاً لما نصت عليه المادة (412) إجراءات كون ذلك ضمانة قانونية للمحكوم عليه ، ولا يجوز تجاوزها قبل الفصل في الالتماس حتى لا يحرم المحكوم عليه طريق من طرق الطعن القانونية، وذلك يعني أن المحكمة العليا ملزمة بالفصل في طلب المحكوم عليه إلتماس إعادة النظر المرفوع بواسطة النائب العام، ومن ثم فقد ترتب على ذلك فقدان التظلم أمام رئيس الجمهورية لشرط جوهري لقبوله والمتمثل بصيرورة الحكم باتاً مستنفداً طرق الطعن العادية وغير العادية.)"وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:"
الوجه الأول: طرق الطعن في الاحكام وفقاً لقانون المرافعات وقانون الإجراءات
حددت المادة (272) مرافعات طرق الطعن في الأحكام، فقد نصت هذه المادة على أن (يكون الطعن في الأحكام بطريق الاستئناف والنقض وإلتماس إعادة النظر)، ومن خلال مطالعة هذا النص يظهر أن إلتماس إعادة النظر من ضمن طرق الطعن.كذلك الحال بالنسبة لطرق الطعن في الاحكام الجزائية فإن إلتماس إعادة النظر قد ورد ضمن طرق الطعن، وفي هذا المعنى نصت المادة (412) من قانون الإجراءات اليمني على أن (يكون الطعن في الاحكام والقرارات عن طريق الاستئناف وعن طريق الطعن بالنقض وإلتماس إعادة النظر)، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن إلتماس إعادة النظر في الاحكام من ضمن طرق الطعن المقررة في الأحكام المدنية والجزائية على النحو السابق بيانه.
الوجه الثاني: السند القانوني للتظلم من الأحكام الباتة أمام رئيس الجمهورية
في هذا الشأن نصت المادة (293) مرافعات على أنه:"لرئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى أن يطلب من رئيس المحكمة العليا إعادة النظر في أي حكم بات يرى أنه يشتمل على خطأ يضر العدل مع تبيين وجه الخطأ."
والطعن بإلتماس إعادة النظر طريق طعن غير عادية أو طريق طعن استثنائية وفقاً للمادة (304) مرافعات التي نصت على أن (إلتماس إعادة النظر في الأحكام طريق استثنائي للطعن فيها.)
الوجه الثالث: مدى جواز الجمع بين التظلم أمام رئيس الجمهورية مع إلتماس إعادة النظر في الحكم أمام المحكمة العليا
سبق القول أن المادة (293) مرافعات اشترطت لقبول التظلم من الحكم أمام رئيس الجمهورية اشترطت أن يكون الحكم باتاً قد استنفد كافة طرق الطعن بما في ذلك الطعن بإلتماس إعادة النظر، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأنه لا يجوز للشخص أن يجمع بين التظلم من الحكم أمام رئيس الجمهورية والتماس إعادة النظر طالما أنه قام بتقديم طلب إلتماس إعادة النظر في الحكم أمام المحكمة العليا ، لأن رفعه للطعن بإلتماس إعادة النظر امام المحكمة العليا يستوجب عليه الانتظار إلى حين الفصل في طلبه إلتماس إعادة النظر ، لأن وجود الإلتماس أمام المحكمة العليا قبل الفصل فيه يجعل الحكم المتظلم منه أمام رئيس الجمهورية غير باتاً طالما أنه لم يتم الفصل في طلب إلتماس إعادة النظر، فضلاً عن أن قبول التظلم أمام رئيس الجمهورية في هذه الحالة قبل الفصل في إلتماس إعادة النظر يعطل الغاية المبتغاة من تقرير القانون لطلب إلتماس إعادة النظر.الوجه الرابع: مدى جواز رفع التظلم أمام رئيس الجمهورية من غير أن يسبق ذلك الطعن بإلتماس إعادة النظر
من المعلوم أن الحق في التقاضي أو رفع الدعوى مجرد حق وليس واجباً على الأشخاص، فلهم استعمال هذا الحق اوعدم إستعماله، وكذلك الحال بالنسبة للطعن في الأحكام فأنه مجرد حق للشخص وليس واجبا عليه، فله أن يطعن في الحكم وله أن لا يطعن في الحكم، إضافة إلى أن حالات الإلتماس محددة على سبيل الحصر في المادة (304) مرافعات، فقد تتحقق إحدى هذه الحالات في الحكم كما أنها قد لا تتحقق فلا يستطيع الشخص طلب إلتماس إعادة النظر لعدم تحقق حالة من حالاته، ومع ذلك يكون الحكم مشتملاً على خطأ جسيم مضر بالعدل، فلا يعقل القول بعدم قبول التظلم أمام رئيس الدولة لعدم استنفاد طريق الطعن بالحكم بإلتماس إعادة النظر، ونخلص من هذا الوجه إلى القول بأنه من الممكن تقديم التظلم أمام رئيس الدولة دون أن يشترط على المتظلم ان يسبق ذلك الطعن بإلتماس إعادة النظر.الوجه الخامس: المقصود بالخطأ المضر بالعدل
ورد مصطلح الخطأ المضر بالعدل في المادة (293) مرافعات التي نصت على أنه (لرئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى أن يطلب من رئيس المحكمة العليا إعادة النظر في أي حكم بات يرى أنه يشتمل على خطأ يضر العدل مع تبيين وجه الخطأ.)و الخطأ في اللغة ضد الصواب، والخطأ هو القول أو الفعل الذي لا يتعمده الانسان، ولذلك فان الخطأ ضد العمد ، والخطأ العدول عن وجه الصواب، والخطأ قد يكون بالفعل أو بالقول أو بالكتابة ، والذي يؤدي إلى ضرر بالغير.
فالخطأ في مفهومه القانوني هو: القول أو الفعل أو الكتابة التي تتضمن مخالفة أو معارضة للقوانين النافذة، وطالما أن الخطأ هو مخالفة القوانين، فإن الخطأ قد يكون موضوعياً أو إجرائياً.
ومفهوم مخالفة القانون مفهوم واسع لايقتصر على مخالفة النص القانوني فقط وانما يتسع ليشمل الخطأ في تطبيق القانون والخطا في تاؤيل القانون، ويمكن بيان ذلك بإيجاز على النحو الآتي:أولاً: الخطا الذي يقع بمخالفة الحكم للنص القانوني
خطأ الحكم في هذه الحالة يتحقق في هذه الحالة بالحكم على خلاف النص القانوني أو اتباع الحكم إجراءات تخالف الاجراءات المحددة في القانون.
ثانياً: خطأ الحكم عند تطبيقه للنص القانوني
ويتحقق ذلك اذا نسب الحكم الى القانون قاعدة قانونية أو نصا قانونيا لاوجود له في القانون أصلاً أو انكر الحكم وجود قاعدة قانونية موجودة في القانون أو استند الحكم إلى قاعدة قانونية غير موجودة سواءً أكانت هذه القاعدة من القواعد الإجرائية أو الموضوعية ، ويتحقق الخطأ في تطبيق القانون أيضا عند تطبيق قاعدة قانونية على واقعة لا تنطبق عليها القاعدة القانونية أو رفض تطبيق قاعدة قانونية على واقعة تنطبق عليها، ويشتمل الخطأ في تطبيق القانون أيضا على خطأ الحكم في تكييف الوقائع، لأن ذلك يؤدي إلى الخطأ في تطبيق النصوص القانونية على الوقائع.
ثالثاً: خطأ الحكم في تأويل القانون
هو اساءة الحكم في تفسير النص القانوني أي إعطاء النص القانوني معنى غير معناه القانوني الصحيح.
كما قد يكون الخطأ القانوني جسيماً وقد لا يكون كذلك، فالخطأ الجسيم كما عرفه الفقيه الفرنسي (بوتييه) (هو عدم بذل العناية والحيطة في شؤون الغير الذي لا يقع من الشخص المعتاد.)
غير أن معنى الخطأ الجسيم فيما يتعلق بالنصوص القانونية هو: مخالفة الحكم للقواعد أو النصوص الآمرة في القانون الواجبة التطبيق، لأنه يترتب على ذلك بطلان الحكم، فالواجب على من يتولى تنفيذ القانون أو تطبيقه أن ينفذ القانون ويطبقه التطبيق السليم والصحيح، غير أن أية مخالفة للقانون ترد في الحكم لا تكون جسيمة إلا إذا كانت مؤثرة في الحق المحكوم به. (تفسير الخطأ المهني الجسيم، د. أحمد رفعت خفاجي، ص88).
غير أن معنى الخطأ الجسيم فيما يتعلق بالنصوص القانونية هو: مخالفة الحكم للقواعد أو النصوص الآمرة في القانون الواجبة التطبيق، لأنه يترتب على ذلك بطلان الحكم، فالواجب على من يتولى تنفيذ القانون أو تطبيقه أن ينفذ القانون ويطبقه التطبيق السليم والصحيح، غير أن أية مخالفة للقانون ترد في الحكم لا تكون جسيمة إلا إذا كانت مؤثرة في الحق المحكوم به. (تفسير الخطأ المهني الجسيم، د. أحمد رفعت خفاجي، ص88).
ونخلص من هذا الوجه إلى القول: أن الخطأ المضر بالعدل هو: مخالفة الحكم للقانون أو الخطأ في تطبيق النص القانوني أو تأويله متى ترتب على ذلك التأثير في الحق المحكوم به.
سيما ان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة أي رئيس السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية ، إضافة الى انه عند التظلم أمام رئيس الجمهورية فأن رئيس الجمهورية لايوجه القضاء بأن يحكم في القضية على نحو معين وانما يطلب فقط من القضاء إعادة النظر في الحكم لمعالجة الأخطاء الجسيمة المضرة بالعدل التي قد تشوب الحكم بعد دراسة الحكم من قبل هيئة المظالم برئاسة الجمهورية المشكلة من كبار القضاة، فلا تحال إلى القضاء من رئاسة الجمهورية الا التظلمات التي يشتبه ان تكون قد اشتملت على أخطاء مضرة بالعدل ، ومع ذلك فان رأي هيئة المظالم برئاسة الجمهورية لا يكون ملزمًا للقضاء، ففي حالات كثيرة تحكم المحكمة العليا برفض التظلم المحال من رئاسة الجمهورية ، بعد ان تقوم بدراسة التظلم دائرة خاصة بالمحكمة العليا يتم تشكيلها من سبعة قضاة ليس من بينهم أي قاضي سبق له المشاركة في الحكم السابق المتظلم منه، والله اعلم.
الوجه السادس: تأبيد ومناصرة للمادة (293) مرافعات
من خلال مطالعتنا المستمرة لأحكام المحكمة العليا نجد أن بعضها تشتمل على اخطاء مضرة بالعدل بسبب كثرة القضايا المتدفقة على المحكمة العليا وقلة قضاتها وقلة إمكانياتها، ولذلك نلاحظ في بعض الأحكام اخطاء مضرة بالعدل، ولذلك من الضروري للغاية بقاء نص المادة (293) مرافعات ،لانها وفرت وسيلة قانونية فاعلة لمعالجة الأخطاء التي تقع في بعض الاحكام ، وتبعا لذلك فهي وسيلة شرعية لرفع المظالم التي تقع في بعض الأحكام حتى لا تكون تلك الاحكام سوابق قضائية تشرعن للظلم، فتكون سبباً في ظلم ملايين الناس.سيما ان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة أي رئيس السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية ، إضافة الى انه عند التظلم أمام رئيس الجمهورية فأن رئيس الجمهورية لايوجه القضاء بأن يحكم في القضية على نحو معين وانما يطلب فقط من القضاء إعادة النظر في الحكم لمعالجة الأخطاء الجسيمة المضرة بالعدل التي قد تشوب الحكم بعد دراسة الحكم من قبل هيئة المظالم برئاسة الجمهورية المشكلة من كبار القضاة، فلا تحال إلى القضاء من رئاسة الجمهورية الا التظلمات التي يشتبه ان تكون قد اشتملت على أخطاء مضرة بالعدل ، ومع ذلك فان رأي هيئة المظالم برئاسة الجمهورية لا يكون ملزمًا للقضاء، ففي حالات كثيرة تحكم المحكمة العليا برفض التظلم المحال من رئاسة الجمهورية ، بعد ان تقوم بدراسة التظلم دائرة خاصة بالمحكمة العليا يتم تشكيلها من سبعة قضاة ليس من بينهم أي قاضي سبق له المشاركة في الحكم السابق المتظلم منه، والله اعلم.
© 2024 أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين - جميع الحقوق محفوظة.