تقسيم العناء بين الورثة عند القسمة: الفرق بين العناء وحق اليد العرفية والمستأجر في التركة

تقسيم العناء بين الورثة عند القسمة: الفرق بين العناء وحق اليد العرفية والمستأجر في التركة


تقسيم العناء بين الورثة عند القسمة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

العناء أو الشقية: مصطلح يمني مستفاد من العناء والعمل ، ويرادف العناء مصطلح (الشقية) وهو ايضا مصطلح يمني مستفاد من الشقاء والعمل، والعناء أو الشقية هي : مبالغ مالية يستحقها المستأجر للأرض الزراعية مقابل قيامه بإصلاح وإقامة الأرض الزراعية أو غرسها إذا كان ذلك بناءً على موافقة المالك المؤجر المسبقة، ولا شك أن العناء بهذا المفهوم هو دين مستحق للمستأجر أو الأجير في ذمة المؤجر مالك الأرض أو ورثته من بعده، ولذلك فإن حق المستاجر في العناء يورث إلى أبناء المستأجر ذكوراً وإناثاً، كما أنه في الوقت ذاته يكون ديناً بذمة المؤجر المالك يتعلق بالعين المؤجرة ويرتبط بها ، ولذلك يكون العناء دينا على التركة، فاذا مات مالك الارض الزراعية فيجب إخراجه من رأس التركة قبل قسمتها ، فاذا تمت قسمة التركة بين الورثة ولم يتم سداد العناء إلى الاجير فان هذا الدين (العناء) يكون دينا بذمة كل وارث كلٍ بحسب فريضته الشرعية أو نصيبه الشرعي، ولذلك يجب على الورثة جميعاً دفع مبالغ (العناء) كل بحسب نصيبه في التركة ، حسبما قضى الحكم؛
الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-1-2027م في الطعن رقم (58772)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأن (ينظر ويقدر أي عناء أو قشابة أو غرس في المال من قبل العدول المختارين ويلزم كل وارث دفع ما يخصه بحسب قدر سهمه وفقاً للعرف السائد في البلاد)، وعند إستئناف الحكم الابتدائي قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي بكل فقراته، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (وبعد الإطلاع على الحكم الابتدائي وما تبعه لدى محكمة الاستئناف، ولدى تأمل الدائرة: ظهر أن حكم الاستئناف هو الموافق للشرع والقانون لقضائه بتأييد الحكم الابتدائي لما علل به واستند إليه فيما قضى به في فقراته الخمس)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية العناء

 العناء لايكون الا في الأراضي الزراعية، ومصطلح العناء الظاهر مصطلح شائع في العرف اليمني الموافق للشرع والقانون في هذه المسألة ، والعناء مستفاد من العناء والعمل الذي يبذله مستاجر الارض الزراعية في سبيل إقامة الأرض الزراعية واصلاحها وغرسها ، فمصطلح العناء الظاهر في العرف اليمني يطلق على الشواهد والمظاهر التي تظهر في العين الزراعية الموجرة نتيجة جهود وعمل المستاجر لها ، فتدل هذه المظاهر وتشهد على نوع وقدر الشقاء والعناء والعمل الذي قام به المستاجر للأرض، بحيث تكون الاعمال التي قام بها المستأجر في الارض الزراعية المؤجرة لصالح مالكها ظاهرة للعيان تشهد وتدل بذاتها على صحة مطالبة الاجير بالمبالغ التي تكبدها في سبيل القيام بتلك الاعمال ؛ ومن شواهد العناء الظاهر في الأرض المؤجرة: الغروس المعمرة المثمرة في الارض الموجرة والجدران والسواند ومصدات السيول والتوسعة في مساحة الارض الموجرة نتيجة الاصلاحات التي قام بها المستاجر في الرهق التابع للأرض، وكذا يندرج ضمن العناء المبالغ التي تكبدها المستأجر في سبيل حماية العين المؤجرة والدفاع عنها في مواجهة المعتدين على العين المؤجرة شريطة أن يتم إعلام المالك بالإصلاحات قبل مباشرتها والنزاعات قبل مواجهتها حتي يأذن المالك للمستأجر بأن يباشر تلك الاعمال على حساب المالك ، وشريطة ان يكون المستأجر قد دفع نفقات تلك الأعمال من ماله الخاص به وليس من حصة المالك من محصول العين المؤجرة.

وقد نظم القانون المدني اليمني العناء في المادة (766)مدني التي نصت على انه (اذا أجر رب الارض ارضا معلومة لشخص اخر ليزرعها حرثا وبذرا وتنقية فيما تصلح له بجزء معلوم مما تنتجه الارض كان العقد ملزما للمتعاقدين بشروطه المتفق عليها حال العقد، وللمالك رفع يد الاجير بعد حصاد الزرع القائم اذا خالف الاجير العرف او اهمل او فرط او اخل بما شرط عليه او عجز, وللأجير مقابل ما غرمه في اقامة الارض (العناء) بما يقدره عدلان اذا كان الزرع مما لا يقطع العناء عرفا ، ولكل من المتعاقدين طلب انهاء المزارعة بعد حصاد الزرع القائم مع مراعاة التنبيه على الطرف الاخر قبل ذلك بوقت كاف وفي البقول ونحوها مما يستغل اكثر من مرة يعمل بالعرف).

 فمن خلال مطالعة الفقرة الواردة في النص السابق وهي : (وللمالك رفع يد الاجير بعد حصاد الزرع القائم اذا خالف الاجير العرف او اهمل او فرط او اخل بما شرط عليه او عجز, وللأجير مقابل ما غرمه في اقامة الارض (العناء) بما يقدره عدلان اذا كان الزرع مما لا يقطع العناء عرفا) ، من خلال إستقراء هذا النص يظهر الاتي:

1- يستحق الاجير العناء إذا كانت الارض المؤجرة ارضا زراعية، اما اذا لم تكن كذلك فلايستحق العناء.

2- بحسب ماورد في النص القانوني السابق فان الاجير يستحق العناء اذا كان المؤجر هو الذي قام بانهاء عقد الاجارة مع المؤجر ، اما اذا كان المستاجر هو الذي ترك العين المؤجرة من تلقاء نفسه فلايستحق العناء، هذا بحسب ماورد في النص القانوني السابق ، اما بحسب مبادى الشريعة الاسلامية فان المستاجر يستحق العناء حتى لو كان هو الذي ترك الأرض المؤجرة أو فسخ عقد المزراعة ، لأن العناء دين كما سبق بيانه ، والدين يظل قائما حتى الوفاء أو الابراء.

3- يستحق المستاجر العناء إذا كان قد قام بغرس الارض بغروس مثمرة معمرة كالبن والمانجو ، وهي الغروس التي لاتقطع في نهاية الموسم ، اما اذا كانت الأرض مزروعة بالحبوب والبقوليات التي تقطع في نهاية الموسم كالبر والذرة والعدس والفول فلايستحق الاجير العناء.

4- يستحق الاجير العناء اذا كان قد اقام واصلح الأرض وجعلها صالحة للزراعة بعد ان كانت صالبة ، أو اذا قام الاجير پإصلاح جدرانها اومساقيها او اصلح الاضرار التي لحقت بها جراء السيول الجارفة.

5- يستحق الاجير العناء اذا تكبد الاجير اية مبالغ نيابة عن المالك في مواجهة اية دعاوى أو طلبات من الغير بشان العين المؤجرة.

6- في كل الأحوال السابقة يشترط موافقة المالك المسبقة على قيام المستاجر باي عمل من الأعمال التي يترتب عليها إستحقاق المستاجر للعناء.

7- يكون تقدير العناء بقدر المبالغ التي تكبدها الاجير بالفعل، فاذا اختلف الاجير مع المالك في هذا الشان فيتم تقدير العناء بواسطة خبيرين عدلين مختارين من الطرفين، فاذا لم يوافق الطرفان أو احدهما على راي العدلين فيتم تقدير العناء بنظر القضا، الذي لايحكم بمقابل العناء الا بناء على ادلة ثبوتية يقينية، ويستعين القضاء في تقديره للشقية أو حق العناء بعدلين خبيرين، يقوما بتقدير العناء الظاهر للعيان كالغرس والتوسعة والإصلاح، وفي كل الأحوال لايتم تقدير العناء على أساس نسبة من قيمة الأرض أو جزء من الأرض ،لان ذلك من العرف الفاسد المخالف للشريعة والقانون حسبما سياتي بيانه في الوجه الثاني.) فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص272).

الوجه الثاني: الفرق بين العناء الشرعي ومسمى حق اليد العرفية

 ظهر في اليمن حديثا ضمن موجة الفساد مصطلح (حق اليد العرفية أو الشقية العرفية)، فاليد العرفية تعني عند الفاسدين: ان المستأجر يستحق مايسمى بحق اليد العرفية سواء اصلح الارض أم خربها وسواء أكانت الارض مزروعة أم صالبة ، وبحسب مفهوم الفاسدين واكلة المال الحرام : فان حق اليد العرفية أو الشقية هو عبارة عن جزء من الأرض المؤجرة أو نسبة من ثمنها الإجمالي أو نسبة من المساحة أو نسبة من قيمة الأرض، يستحقها الاجير للارض حتى لو لم يقم المستاجر باي عمل.

ولتبرير مايسمى بحق اليد العرفية أو الشقية العرفية يتعلل الفاسدون بأن عرف المنطقة قد جرى على ذلك!!!؟، خلافا لأحكام الشريعة الإسلامية والقانون اللذين يقسما التصرفات إلى تبرعات ومعاوضات ، ويشترطا في المعاوضات التساوي بين العوضين في عقود المعاوضات، فينبغي ان يكون العوض مساويًا للعوض الآخر ومع ذلك يجوز ان يقل العوض عما يقابله بنسبة لاتزيد عن نسبة الغبن وهي العشر، فاذا زاد العوض عن ذلك فيكون محرما شرعا ، وبتطبيق ذلك على مايسمى بحق اليد أو الشقية العرفية يظهر انه ليس له عوضا أو مقابلا، لان المالك المؤجر يدفعه للمستاجر من غير ان يقابله أي عمل أو جهد قام به المستاجرلحساب المؤجر– ولذلك يذهب العلماء المعاصرون إلى أن مايسمى بحق اليد العرفية من قبيل اكل أموال الناس بالباطل مثله في ذلك مثل مسمى (حد وبلد) الذي يصادر المراهق التابعة للأراضي الزراعية المملوكة للملاك من غير اهل المنطقة أو القبيلة، ونخلص مما ورد في هذا الوجه إلى القول : بأن مسميات (حق اليد العرفية أو الشقية العرفية أو حد وبلد) هي مسميات ابتدعتها ثقافة الفساد الضاربة اطنابها في المجتمع اليمني لاكل أموال الناس بالباطل.

الوجه الثالث: إنتقال الحق في العناء إلى ورثة المستأجر ذكوراً وإناثاً

على اساس ما تقدم في الوجه الأول فإن تكاليف العناء الظاهر أو الشقية إذا ثبتت على النحو السابق بيانه فتكون دينا مستحقا للمستأجر بذمة مالك الأرض ، ويكون هذا الدين متعلقا بالعين المؤجرة ،فالعناء حق لمستأجر الأرض، وتبعا لذلك فالعناء يؤرث ويقسم على جميع الورثة ذكورا واناثا، وكذا تجوز حوالة العناء للغير ، بيد أنه لايجوز بيع العناء للغير باعتباره دينا، فالدين لايجوز بيعه لغير المدين.

 الوجه الرابع: بعد موت المالك المؤجر يصير العناء ديناً على ذمة التركة ويكون للمستاجر حق إمتياز أو أولوية على العين المؤجرة ويلزم الورثة جميعاً سداده

إذا ثبت حق المستأجر للأرض الزراعية في العناء الظاهر على النحو السابق بيانه في الوجه الاول ، فإنه يكون ديناً بذمة المالك المؤجر فإذا مات المالك بعد ذلك فان العناء يكون دينا متعلقا بالتركة يجب الوفاء به من راس التركة قبل قسمتها، فاذا لم يتم إخراج العناء من رأس التركة فإن العناء يكون ديناً متعلقاً بالعين المؤجرة بإعتبارها من ضمن أموال التركة الواجب قسمتها بين ورثة المالك المتوفي، فاذا تمت قسمة التركة ولم يتم إخراج العناء أو إحتسابه وطالب المستاجر العناء من الوارث الذي صارت له الارض المؤجرة فان يجب على الورثة جميعا دفع العناء كل بقدر نصيبه في التركة.

ويكون للمستأجر للأرض حق الأولوية أو الإمتياز على العين المؤجرة في إقتضاء دينه وهو العناء.

فمن المعلوم في الفقه والقضاء أنه لا تركة إلا بعد سداد ديون المورث التي يندرج من ضمنها العناء، ومؤدى ذلك أنه يجب على الورثة أو القسام أو القاضي إحتساب حق العناء في الأرض الزراعية الداخلة ضمن أموال التركة ومراعاة ذلك عند تثمين الأراضي الزراعية حتى لا يتحمل الوارث وحده الذي ستؤول إليه الأرض الزراعية العناء في حين أنه دين على التركة كلها يجب على الورثة جميعاً سداده من رأس التركة بإعتباره ديناً مثل غيره من الديون.
فإذا لم يتم إخراج العناء أو إحتسابه قبل القسمة وتمت القسمة وطالب مستأجر الأرض بالعناء من الوارث الذي صارت له الأرض الزراعية المثقلة بحق العناء فأنه يجب على جميع الورثة سداد العناء كلٍ بحسب نصيبه أو سهمه في إجمالي التركة، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.

© 2024 أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين.

تابعنا على: تيليغرام