لا يسلط القاضي على قضائه

لا يسلط القاضي على قضائه - أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

لا يسلط القاضي على قضائه
لا يسلط القاضي على قضائه.
بعد أن ينطق القاضي بالحكم يستنفد ولايته ، فلا يجوز له تعديل منطوق الحكم أو تعديل أسبابه، فبعد ذلك لاتكون للقاضي سلطة بشان الحكم الذي سبق له ان نطق به ، وهذا ما يعبر عنه بالقول: لا يسلط القاضي على قضائه، بمعنى أن القاضي بعد أن ينطق بالحكم لا سلطة له بشأن الحكم الذي نطق به ،وإنما تكون السلطة على هذا الحكم لمحكمة الطعن الذي يتم الطعن أمامها في ذلك الحكم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-5-2010م في الطعن رقم (42910)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه، (وحيث أنه وعلى ما جرى وأستقر عليه قضاء هذه المحكمة فأن المحكمة تستنفد ولايتها فيما فصلت فيه، فلا يجوز لها أن تعود بعد ذلك فتفصل في المسألة ذاتها التي سبق لها أن فصلت فيها بين الأطراف أنفسهم ولسبب ذاته سواءً أكان ذلك بتعديل قضائها الأول أو نقضه أو حتى بنفس قضائها الأول، إذ لا يسلط القاضي على قضائه ، وإنما ذلك يكون للمحكمة الأعلى درجة ، فإن فعل القاضي ذلك فإن حكمه يكون باطلاً منعدماً لإنتهاء ولايته بالفصل في المسألة التي فصل فيها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: معنى لا يسلط القاضي على حكمه:

معنى ذلك: أنه إذا قام القاضي بالنطق بحكمه من واقع مسوّدة الحكم، فلم تعد للقاضي بعد ذلك سلطة على ذلك الحكم، فلا يجوز له أن يعدل في منطوق الحكم أو أسبابه أو يضيف أسباباً جديدة إلى أسباب الحكم، أو فقرات جديدة لمنطوق الحكم أو حذف بعضها.
فبعد النطق بالحكم لم تعد للقاضي سلطة على حكمه الذي نطق به إلا تحرير الحكم والتوقيع عليه وإصداره خلال المدة القانونية المقررة لذلك وهي ثلاثون يوماً كحد أقصى وفقاً للفقرة (2) من المادة (228) مرافعات.

فتسلط القاضي على حكمه يجعله بمثابة محكمة طعن في الحكم الصادر منه، وذلك غير جائز في الشرع والقانون، لأن مراجعة الحكم في هذه الحالة واستدراك المخالفات والأخطاء الواردة فيه يكون من إختصاص محكمة الطعن إذا تم تقديم الطعن اليها.

الوجه الثاني: إستنفاد القاضي لولايته بعد النطق بالحكم:

إذا قام القاضي بالنطق في الحكم المنهي للخصومة فقد استنفد ولايته فلم تعد له ولاية بنظر القضية، فلا يجوز له بعد النطق بالحكم معاودة نظر القضية أو مسألة من مسائلها أو جزئية من جزئياتها التي سبق له الفصل فيها بحكمه الذي سبق له النطق به، حتى لو كان حكمه اللاحق موافقاً لحكمه السابق حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثالث: إنعدام الاحكام التي يصدرها القاضي بعد إستنفاد ولايته بالنطق بالحكم:

أبرز وأظهر حالات إنعدام الأحكام في قانون المرافعات اليمني: هي تلك المتعلقة بولاية القاضي، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الحكم الذي يصدره القاضي بعد إستنفاده لولايته يكون منعدماً، لأن القاضي حينما يصدر حكمه المنهي للخصومة يكون قد استنفد ولايته في نظر القضية أو الخصومة، فإذا قام بمعاودة النظر في القضية أو الخصومة أو بعض طلباتها بعد ذلك فإن حكمه يكون منعدماً في هذه الحالة، لأنه لم تعد له ولاية نظر القضية أو الطلب ذاته الذي سبق له الفصل فيه بحكمه المنهي للخصومة، والله اعلم.

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.