إعتبار الأوراق التجارية سندات تنفيذية | أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
نظم القانون التجاري اليمني الأوراق التجارية في الكتاب الثالث وحدد هذه الأوراق وهي: الكمبيالة والسند الآمر والشيك ، وعلى أساس ما ورد في القانون التجاري فإن حجية هذه الأوراق قاطعة بل أنها قابلة للتداول وأداة وفاء للإلتزامات مثلها في ذلك مثل النقود كما هو الحال بالنسبة للشيك والكمبيلة، ومن المعلوم أن الوفاء بالإلتزامات فيما يتعلق بالمعاملات التجارية يتم غالبا عن طريق الأوراق التجارية، لأن العمل التجاري يقوم على السرعة والثقة والائتمان حسبما هو معروف، والاوراق التجارية لها حجيتها القانونية القاطعة التي تستند إلى القانون التجاري الذي نظمها واسبغ عليها الحجية القانونية المطلقة وجعلها اداة وفاء للالتزامات ، ومع حجية الأوراق التجارية وكثرة إستعمالها في القطاع التجاري والمعاملات التجارية وكثرة النزاعات بشأنها، فمع هذا وذاك فإن قانون المرافعات اليمني لم ينص في المادة (328) مرافعات على إعتبار الأوراق التجارية سندات تنفيذية خلافاً لقوانين المرافعات في غالبية دول العالم التي تنص صراحة على إعتبار الأوراق التجاري سندات تنفيذية يقوم المستفيد منها بالمطالبة بتنفيذها مباشرة من غير حاجة إلى دعوى وإجابة أمام المحكمة الابتدائية ثم محكمة الإستئناف ثم المحكمة العليا، ولا شك أن هذا العيب التشريعي سبب من أسباب كثرة القضايا والمنازعات التجارية وتراكمها وتعثرها امام المحاكم التجارية ، ولذلك فإن معالجة هذا القصور التشريعي سوف يسهم في الحد من تدفق القضايا التجارية وتراكمها أمام المحاكم التجارية، وتبعاً لذلك فإن النص على إعتبار الأوراق التجارية سندات تنفيذية سوف يحمي ويشجع النشاط والقطاع التجاري في اليمن.
وسوف نعرض هذا الموضوع كما يأتي:
أولاً: ماهية الأوراق التجارية في القانون التجاري اليمني:
نظم القانون التجاري اليمني الأوراق التجارية في الكتاب الثالث منه، ووفقاً لذلك فإن الأوراق التجارية في القانون التجاري اليمني ثلاث هي: الشيك والكمبيالة والسند لآمر، وهذه الأوراق قابلة للتداول وأداة وفاء مقبولة لسداد الإلتزامات ولها حجيتها القانونية المقررة في القانون التجاري، ويتم إستعمال هذه الأوراق في الأنشطة والمعاملات التجارية للوفاء بالإلتزامات ، ومن هذا المنطلق جاءت تسميتها بالأوراق التجارية.
وخلاصة القول في هذا الشأن: أن الأوراق التجارية تستمد حجيتها المطلقة وقوتها الثبوتية من القانون التجاري الذي جعلها أداة وفاء للإلتزامات قابلة للتداول والتظهير واسبغ عليها الحجية القانونية المطلقة.
ثانياً: مقومات النشاط التجاري والأوراق التجارية:
عندما نظم القانون التجاري في اليمن وغيرها الأوراق التجارية فقد راعى خصوصية الأعمال والأنشطة والمعاملات التجارية ومقتضياتها التي تعتمد على السرعة والثقة والائتمان، ولذلك فإن الأوراق التجارية تحقق للعمل التجاري مقتضياته، وتساهم في تشجيع النشاط التجاري وحماية حقوق المتعاملين بالأوراق التجارية سيما أصحاب الحقوق الثابتة في الأوراق التجارية.
ثالثاً: حجية الأوراق التجارية:
للأوراق التجارية حجيتها القانونية المطلقة التي تستمدها من القانون التجاري الذي نظمها وصرح بأنها أوراق قابلة للتداول والتظهير وأنها وسيلة للوفاء والقبول، وهذا يعني أن للاوراق التجارية حجيتها المطلقة، فليست حجيتها قاصرة على الساحب لها أو المستفيد منها.
رابعاً: المركز القانوني للأوراق التجارية:
من خلال ما تقدم يظهر أن الأوراق التجارية بحسب تنظيمها القانوني في القانون التجاري: هي عبارة عن أوراق الغرض منها أن تكون أداة وفاء للحقوق والإلتزامات ، ولذلك فأنها قابلة للتداول والتظهير، فالأوراق التجارية ليست في الأصل مستندات لإثبات الحقوق الثابتة أو المدونة فيها ، وعلى هذا الأساس فإن الأوراق التجارية تختلف عن المحررات الثبوتية الأخرى التي يكون الغرض منها إثبات الحقوق المذكورة فيها ،لان المحررات الأخرى لا تقبل التظهير والتداول وليست أداة وفاء للحقوق والإلتزامات .
خامساً: كيفية تعامل القضاء في اليمن مع الأوراق التجارية:
نتيجة لأن المادة (328) مرافعات التي تضمنت السندات التنفيذية لم تنص على أن الأوراق التجارية من السندات التنفيذية، لذلك فإن أصحاب الحقوق الواردة في الاوراق التجارية في أفضل الاحوال يلجئوا إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم الثابتة في الأوراق التجارية عن طريق أوامر الاداء، فإذا صدر أمر الأداء يلحقه التظلم ممن صدر الأمر ضده وبعد ذلك يرتفع النزاع إلى محكمة لاستئناف إذا تم الطعن في الحكم الابتدائي، إذ يتعامل القضاء اليمني مع الأوراق التجارية مثل تعامله مع السندات العادية التي تتم المطالبة بها عن طريق أمر الأداء، وبهذه الطريقة تفقد الأوراق التجارية مركزها وميزتها القانونية عن السندات العادية.
سادساً: الأوراق التجارية سندات تنفيذية في قوانين المرافعات العربية والدولية:
نظراً للحجية القانونية المطلقة التي تتمتع بها الأوراق التجارية وقابليتها للتداول والوفاء بالحقوق والإلتزامات ، ولأنها تستند إلى القانون التجاري الذي نظمها وأصبغ عليها الحجية المطلقة، ولأنها تختلف عن السندات الكتابية الأخرى.
نظراً لذلك فإن قوانين المرافعات في دول كثيرة تنص على ان الأوراق التجارية سندات تنفيذية.
سابعا: اموقف قانون المرافعات المصري من الاوراق التجارية:
نصت المادة 280 من قانون المرافعات المصري رقم 13 لسنة 1968 على أنه :- “(لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء ، والسندات التنفيذية هي الأحكام والأوامر والمحررات الموثقة ومحاضر الصلح التي تصدق عليها المحاكم أو مجالس الصلح والأوراق الأخرى
التي يعطيها القانون هذه الصفة ولا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ التالية :”على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك).
ومن خلال استقراء النص القانوني السابق يظهر انه لم يحصر الستندات التنفيذية كما انه لم يصرح بأن الاوراق التجارية سندات تنفيذية ، وعلى هذا الاساس فقد اجاز القانون المصري أن ينص قانون المرافعات أو غيره على اعتبار اية اوراق اخرى سندات تنفيذية إذا كانت المبالغ أو الحقوق الواردة فيها حالة الاداء ومعينة المقدار وخالية من النزاع.
ومن هذا المنطلق فقد نص قانون التجارة المصري الجديد على إعتبار الاوراق التجارية سندات تنفيذية.
اما قوانين المرافعات (التنفيذ) في دول الخليج والاردن والعراق وغيرها فقد صرحت بأن الاوراق التجارية سندات تنفيذية.
ثامناً: معنى أن تكون الأوراق التجارية سندات تنفيذية:
معنى ذلك أنه عند حدوث أي خلاف بشأن الحقوق الثابتة في الأوراق التجارية فأنه يتم اللجوء إلى القضاء (قاضي التنفيذ) لتنفيذها دون حاجة إلى رفع دعوى موضوعية أو طلب أمر أداء فيها.
تاسعاً: إعتبار الأوراق التجارية سندات تنفيذية يحد من تراكم القضايا التجارية وتعثرها أمام المحاكم التجارية:
سبق القول أن إعتبار الأوراق التجارية سندات تنفيذية يعني: أنه عند حدوث أي نزاع بشأن الحقوق الثابتة في الأوراق التجارية فأنه يتم اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتنفيذ المباشر للورقة التجارية دون حاجة إلى المطالبة بصدور أمر أداء أو رفع دعوى موضوعية، وعلى هذا الأساس فإن إعتبار الأوراق التجارية سندات تنفيذية وسيلة مهمة للحد من تدفق القضايا وتعثرها في المحاكم التجارية، والله اعلم.
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.