حجية شهادة الميلاد في إثبات النسب
![]() |
حجية شهادة الميلاد في إثبات النسب. |
ميلاد الشخص واقعة حسبما ورد في المادة (2) من قانون الاحوال المدنية التي نصت على أن (الواقعة: كل حادثة أحوال مدنية من زواج أو طلاق أو ميلاد أو وفاة وما يتفرع عنها) ونصت المادة ذاتها على أن (سجل الواقعة: هو السجل الذي تدون فيه وقائع الأحوال المدنية بناءً على الوثائق المقدمة بذلك.) وفي المادة ذاتها عرَّفت شهادة الميلاد بأنها (وثيقة تصدر عن الجهة المختصة بواقعة من واقعات الاحوال المدنية في منطقة عملها)، واشترط قانون الأحوال المدنية توفر شهود لإصدار شهادة الميلاد، وفي هذا الشأن نصت المادة (9) على أنه (يشترط أن يتوفر في شهود وقائع الأحوال المدنية ما يشترط للشهادة في واقعة أخرى) ، ومعنى ذلك أن شهادة الميلاد لا يتم إصدارها إلا بموجب شهادة شاهدين عدلين تتوفر فيهما الشروط الشرعية والقانونية للشاهد ويجوز اثبات واقعة الولادة بشهادة شاهدة واحدة عدلة، ونصت المادة (20) من القانون ذاته على أن (يكون التبليغ عن المواليد إلى إدارة الأحوال المدنية خلال ستين يوماً من تاريخ حدوث الولادة)، وحددت المادة (21) الأشخاص المكلفون بالتبليغ عن ولادة الأطفال وهم: أحد والدي الطفل وأقارب الطفل البالغين من الذكور ثم الإناث الأقرب ومديروا المستشفيات ودور الولادة والسجون والمحاجر الصحية وغيرها من الأماكن التي تقع فيها الولادة، وبناءً على ذلك يقوم مدير الأحوال المدنية بتحرير شهادة الميلاد على النموذج المعد لذلك ويقوم بتسليم شهادة الميلاد إلى الشخص الذي قام بالتبليغ عن واقعة الولادة، وبموجب المادة (6) من اللائحة التنفيذية لقانون الاحوال المدنية فقد قامت مصلحة الأحوال المدنية بإعداد نموذج لشهادة الميلاد.
وعلى هذا الأساس فإن شهادة الميلاد هي الوثيقة الرسمية القانونية المعدة وفقا للقانون لإثبات تاريخ ميلاد الشخص واثبات نسب المولود إلى والده، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-10-2016م في الطعن رقم (58083)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى انه (كما أن شهادة الميلاد المؤرخة... الخاصة بالمستأنف ضده وهو طفل وإثبات نسبه إلى ابيه، فهذه الشهادة تكتسب قيمتها كونها صادرة عن جهة رسمية لا يطعن فيها إلا بالتزوير وإثبات تزويرها متعذر إن لم يكن مستحيلاً ، نظراً لقدم تلك الشهادة وصدورها قبل الدعوى بمدة طويلة) وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي اقرت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا الحكم الإستئنافي ، وورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد تبين أن الشعبة قد سارت في إجراءات صحيحة ، وما توصلت إليه في أسباب ومنطوق حكمها من نتيجة توافق أحكام الشرع والقانون ، حيث استند الحكم الاستئنافي إلى أدلة صالحة للإثبات)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الوضعية القانونية لشهادة الميلاد:
شهادة الميلاد وثيقة رسمية تصدر بموجب قانون الاحوال المدنية ولائحته التنفيذية، ويتولى تحريرها وإصدارها موظفون عموميون رسميون مختصون بإصدارها، ويتم إصدارها بموجب وثائق وشهادات ثبوتية، وبموجب قانون الإثبات فإن شهادة الميلاد محرر رسمي له حجيته المطلقة في مواجهة الكافة، فلا يجوز الطعن فيه أو الإدعاء بتزويره إلا عن طريق دعوى التزوير المقررة في القانون.
وشهادة الميلاد تتضمن بيانات معينة من أهمها: تاريخ الميلاد واسم المولود واسم ابيه واسم أمه ومكان ولادته، وبناءً على ذلك فإن شهادة الميلاد دليل قاطع على تاريخ ميلاد الشخص كما انها دليل على نسب المولود إلى ابيه المذكور في شهادة الميلاد ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، سيما أن شهادة الميلاد من اسمها عبارة عن: شهادة الجهة المختصة قانوناً بان المولود المذكور فيها منسوب إلى ابيه المذكور في الشهادة. (إثبات عمر الشخص بالقرائن، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص22).
الوجه الثاني: القرينة الشرعية الولد للفراش وشهادة الميلاد:
القرينة الشرعية القاطعة على ثبوت النسب هي قاعدة (الولد للفراش) وأصلها حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، ومعنى هذه القرينة: أنه إذا كانت العلاقة الزوجية قائمة بين الزوجين بموجب عقد زواج صحيح فإن أي حمل أو مولود ينسب إلى الزوج صاحب الفراش ، طالما قد تحققت شروط الفراش وهي: إمكانية وطء الزوج للزوجة وشرط بلوغ الزوجين وشرط إنقضاء أقل مدة للحمل وهي ستة أشهر من تاريخ زفاف الزوجة إلى الزوج ، حسبما هو مبين في المواد (134 و 127 و 128) من قانون الأحوال الشخصية. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص87).
ومن خلال ما ورد في مقدمة هذا التعليق وما ورد في الوجه السابق يظهر أن الجهة المختصة بتحرير وإصدار شهادة الميلاد لا تصدر هذه الشهادة إلا بعد ان تتحقق من وجود عقد زواج صحيح وتحقق شروط الفراش الشرعي، وعلى ذلك فإن شهادة الميلاد إذا صدرت بعد التحقق من توفر شروط الفراش السابق ذكرها فإن الشهادة في هذه الحالة عبارة عن شهادة بوجود الفراش الصحيح وتوفر شروطه وأن المولود قد ولد لفراش الأب المذكور في شهادة الميلاد.
الوجه الثالث: إثبات النسب بالوسائل الأخرى:
بالإضافة إلى شهادة الميلاد فيجوز إثبات النسب عن طريق شهادة الشهود العدول وتجوز شهادة النساء على أن الشخص قد ولد لفراش الزوج أي أثناء قيام الزوجية الصحيحة وأن شروط الفراش كانت متحققة حين الولادة، كما يتم إثبات النسب عن طريق الإقرار بالنسب أي أن يقر الشخص بأن شخص آخر هو ابنه الصلبي شريطة أن لا يكذب الإقرار الواقع كأن يدعي ابن العشرين سنة أن الشخص البالغ ثلاثين سنة هو ابنه ، كما يشترط أن لا يتضمن الإقرار أن المقر له بالنسب من زنا، أما إثبات النسب عن طريق الوسائل الحديثة كالحمض النووي فلا يجوز إلا عند إختلاط المواليد في المستشفيات وكذا إختلاط الجثث والأشلاء في حالات الكوارث كالحروب والزلازل والقصف الجوي والتفجيرات. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص192).
الوجه الرابع : ميلاد الإنسان واقعة وشهادة الميلاد هي وسيلة اثبات هذه الواقعة:
سبق القول بأن قانون الاحوال المدنية قد عرف ميلاد الشخص بانه واقعة بموجب ذلك القانون ، ومن جانب آخر فقد نصت المادة (8) مكرر من قانون الإثبات اليمني على أنه (لا يجوز للمحاكم النظر في أية دعوى إلا بعد عرضها على المدعى عليه للرد عليها والدخول في خصومة مع المدعي بشأنها، ويحظر على المحاكم حظراً باتاً النظر في طلب ما يسمى بإثبات الواقعة وإصدار أي قرار بشأنه)، والحظر الوارد في هذا النص قاصرعلى طلب إثبات الواقعة ، حسبما هو ظاهر في سياق النص،فهذا الحظر لايمتد الى طلب اثبات الحالة الذي يندرج ضمن الدعاوى المستعجلة التي يكون فيها الحكم مجرد تدبير تحفظي أو وقتي ،فيجوز طلب إثبات الحالة ويجوز قبوله والفصل فيه ،لان طلب اثبات الحالة مجرد طلب بإثبات وصف لحالة الشئ القائمة بالفعل كي يكون هذا الوصف دليلا يتمسك به لاحقا طالب اثبات الحالة في النزاع الموضوعي ، وقد تناولت المادة (240) من قانون المرافعات اليمني طلب إثبات الحالة، فقد نصت هذه المادة على أنه (يعتبر من المسائل المستعجلة في الحالة التي يخشى عليها من فوات الوقت ما يأتي: -3- طلب إثبات الحالة).
وإن اجاز قانون المرافعات اليمني طلب إثبات الحالة على النحو المذكور في المادة (240) مرافعات السابق ذكرها، بيد أنه لا يجوز مطلقاً قبول دعوى إثبات الواقعة المختلف بشانها التي يحتاج اثباتها إلى تداعي بين الخصوم المختلفين والفصل فيها بحكم موضوعي، فلايجوز ان يتوصل احد الخصوم عن طريق طلب اثبات الواقعة الى مركز قانوني ثابت أو دائم بمعزل عن خصمه الذي ينازعه بشان هذه الواقعة ، كما أن القوانين المختلفة قد حددت الوثائق القانونية المناسبة لاثبات بعض الوقائع القانونية (شهادات اثبات): مثل اثبات الميلاد والسن والوفاة والزواج والنسب والنجاح في الدراسة...الخ ، فلا يجوز اثبات بعض الوقائع القانونية التي قرر القانون اثباتها عن طريق وثائق قانونية معينة (شهادات) وكذا الوقائع المختلف بشانها التي تحتاج إلى تداعي فيما بين الخصوم المختلفين، فلايجوز اثباتها عن طريق دعوى اثبات الواقعة ، سيما انه يترتب على الحكم في طلب اثبات الواقعة اثار دائمة وليس مؤقتة ، والله أعلم.
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
مقالات ذات صلة: