تعيين عدول القسمة: وفقًا للقانون المدني اليمني: تعريف العدول المختارون ودور القاضي في القسمة الرضائية والجبرية

تعيين عدول القسمة وفقًا للقانون المدني اليمني: تعريف العدول المختارون ودور القاضي في القسمة الرضائية والجبرية

تعيين عدول القسمة الجبرية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

في القسمة الاختيارية او الاتفاقية يتفق الورثة المتقاسمين على اختيار القسام والعدول ، وقد يسند الورثة المتقاسمون للقسام مهمة إختيار عدول القسمة الاخرين كالمساحين والمثمنين ، ففي هذه الحالة يتم العمل بما اتفق عليه الورثة.

اما في حالة القسمة الجبرية فان من سمات القسمة الجبرية أن القاضي المختص يصير قساماً عندما يطلب أحد الورثة قسمة مخلف المورث، بيد أن صيرورة القاضي قساماً في القسمة الجبرية لا يصادر حق الورثة الخصوم في تعيين الخبراء العدول أثناء سير اجراءات القسمة الجبرية كإختيار المساحين والمثمين وعدول الفرز والتعيين وغير ذلك ، فمن حق الورثة المتقاسمين أثناء اجراءات القسمة الجبرية تحديد اسماء الخبراء العدول، فلا يملك القاضي تعيين أو تنصيب خبراء عدول إلا إذا امتنع الوارث عن ذلك وأصر على موقفه، حسبما قضى الحكم؛ 
الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-1-2017م في الطعن رقم (58695)، فقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: (فقد وجدت الدائرة: أن حكم الاستئناف هو الموافق من حيث النتيجة لأحكام الشرع والقانون في قضائه بتأييد الحكم الابتدائي بجميع فقراته إلا الفقرة المتعلقة بتكليف المحكمة للقسام.... وبجانبه القسام .... فتنقض هذه الفقرة ، وعلى المستأنف والمستأنف ضده إختيار من يمثلهما لإفراز نصيب المستأنف ضده من فصل القسمة الخاص بورثة...)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: عدول القسمة في القسمة الرضائية وفقاً للقانون المدني اليمني

اشار القانون المدني إلى عدول القسمة في القسمة الإختيارية ، وذلك في المادة (1211) مدني التي نصت على أن (للشركاء البالغين أن يقسموا المال المشترك بينهم إختياراً بالطريقة التي يرتضونها، ويجوز فيها جمع الأشياء المتماثلة والمختلفة، كما يجوز فيها جمع نصيب أو أكثر في قسم واحد، ولهم أن يقسموا بأنفسهم أو بواسطة عدلين...).

والظاهر من سياق النص السابق أنه قد اجاز للورثة في القسمة الإختيارية التي تتم بالتراضي بين الورثة اجاز النص للورثة أن يقسموا تركة مورثهم بأنفسهم من غير حاجة إلى الإستعانة بقسام أو عدول، حيث يقوم الورثة انفسهم في البداية بالتوقيع على وثيقة عقد تتضمن إجراءات القسمة الواجب عليهم إتباعها من بدايتها إلى نهايتها مثل اجراءات حصر المستندات وحصر للتركة وحصر المخلف ومحاضر للتخارج والقرعة وتحرير للفصول حيث يقوم الورثة انفسهم بمباشرة اجراءات القسمة المشار اليها وعند اتفاقهم على كل إجراء يقوم الورثة بإسناد مهمة تحرير وثائق القسمة المشار إليها إلى الأمين الشرعي المختص أو أحد العاملين بقلم التوثيق المختص، وهذه الطريقة مناسبة حينما يكون الورثة من الرجال على توافق وتفاهم تام، وهذه الطريقة غير مكلفة للورثة، إذ لا يدفع الورثة إلا اجور من يتولى تحرير الوثائق المشار إليها، اما كان من بين الورثة نساء فالاولى إستعانة الورثة المتقاسمين بعدل أو عدول للتثمين ، لأن تصرفات النساء يشترط فيها ان يتم تحديد ثمن الاعيان بواسطة خبير عدل سواء اكانت المرأة بائعة او متنازلة أو مقاسمة، وقد سبق بيان هذا الموضوع في تعليق سابق بعنوان (تصرفات النساء لاقاربهن).

ومن ناحية أخرى فقد اشار النص القانوني السابق إلى أنه من الجائز للورثة أن يستعينوا في القسمة الاختيارية بعدلين لاجراء القسمة ، حسبما ورد في النص القانوني السابق ، وفي هذا الشان يجوز للورثة الاستعانة بعدل واحد أو أكثر من عدلين، فذكر ( العدلين) في النص القانوني السابق قد ورد على سبيل الإرشاد وليس على سبيل الوجوب والالزام ، فللورثة في القسمة الرضائية الإتفاق على عدول أقل أو أكثر مما ورد في النص القانوني السابق، وفي هذه الحالة تكون مهمة العدول هي تقديم العون والخبرة للورثة الذين يقوموا باجراءات القسمة بأنفسهم ، ففي هذه الحالة يقوم العدول بالثمين وتمييز الفصول وغير ذلك من الاجراءات التي يطلبها الورثة المتقاسمون.

كما قد يتفق الورثة المتقاسمون على إختيار القسام الذي يتولى قسمة تركة مورثهم وقد يتضمن اتفاقهم أيضا على إختيار العدول للقيام بإجراءات القسمة، وقد يترك الورثة للقسام المختار مهمة تعيين العدول بحسب احتياجه.

والنص القانوني السابق عام بشأن حق الورثة في إختيار القسام أو القسامين أو العدل أو العدول، فاذا كان النص السابق قد اجاز للورثة اختيار قسامين وعدول لمباشرة كافة اجراءات القسمة ، فيجوز للورثة من باب اولى إختيار عدل أو عدول لمباشرة بعض إجراءات القسمة فقط كالمسح للأراضي وفرز وتعيين نصيب كل وارث أو إختيار عدول لتثمين أموال التركة وغير ذلك.

الوجه الثاني: عدول القسمة الجبرية وفقاً للقانون المدني اليمني

نصت المادة (1216) مدني على أنه (على القاضي أن يندب عدلين (خبيرين) أو أكثر لإفراز الأنصبة وتكون تكاليف القسمة على قدر الحصص لا على الرؤوس).

ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن مهمة العدول الذين ينتدبهم القاضي قاصرة على إفراز الأنصبة، أي تمييز وتعيين نصيب كل وارث وفصله وتجريد نصيب كل وراث عن غيره.

وقد قصر النص القانوني مهمة العدول في القسمة الجبرية على هذا النحو ، لأن اجراءات القسمة الجبرية تتم بنظر القاضي الذي يتولى القسمة كما لو أنه القسام في القسمة الاختيارية.

لكن الواقع العملي يدل على ان القاضي حينما يباشر اجراءات القسمة الجبرية يحتاج إلى أن يندب من يتولى حصر ومساحة أموال التركة وتثمينها وكذا يندب القاضي من يقوم بتحرير وثائق القسمة وإلزام المتقاسمين بالتوقيع عليها والتنصيب عن المتمرد منهم، وكذا يندب القاضي من يتولى تحرير عقد القسمة النهائية (الأمية/ التركيز) ومحاضر التخارج والقرعة وتحرير فصول المتقاسمين، فلا يقتصر ندب القاضي للعدول على تكليف خبراء لإفراز الأنصبة فقط حسبما ورد في النص القانوني السابق.

الوجه الثالث: من هم العدول المختارون في اجراءات القسمة

المقصود بالعدول: هم أهل المعرفة والدراية والخبرة في المجال المطلوب تكليفهم لإنجازه أو القيام به، ويجب أن تتوفر فيهم شرط العدالة الذي يعني المحافظة على الشعائر الإسلامية من صلاة وصيام وحج...إلخ، وأن لا يكون الخبير العدل ممن يرتكب الكبائر ويصر على الصغائر، كما ينبغي أن تتوفر في هؤلاء العدول صفات الصدق والأمانة والنزاهة.

وقد اشترط الشرع والقانون العدالة في هؤلاء العدول ، لأن حكم القاضي في القسمة الجبرية يبني على أعمال هؤلاء العدول.

الوجه الرابع: دور القاضي في تعيين العدول عند قيامه بالقسمة الجبرية

لا ريب أن إجراءات القسمة واحدة سواءً في القسمة الجبرية أو القسمة الإختيارية ، فلا بد من القيام بإجراءات حصر الورثة وحصر التركة وحصر المخلف وتحرير وثيقة القسمة النهائية (الأمية/ التركيز) ثم تحرير محاضر التخارج والقرعة ثم تحرير الفصول، ثم تطبيق الفصول على الطبيعة وفرز وتعيين نصيب كل وارث ، فإجراءات القسمة لا تختلف في الحالتين الاختيارية والجبرية الا أن القاضي في القسمة الجبرية يتولى ضبط المتمردين من المتقاسمين والتنصيب عنهم، ويصدر حكم القاضي بتمام القسمة وليس الحكم پاجراء القسمة الذي يعني إجراء القسمة بعد صدور الحكم ، فالواجب في القسمة الجبرية ان تتم القسمة قبل صدور الحكم وليس بعده.

وعلى هذا الأساس فإن القاضي يتولى ضبط المتقاسمين المتمردين وإلزامهم على المضي في إجراءات القسمة الجبرية، ثم الحكم بتمام القسمة الجبرية ،وهذا هو مقتضى القسمة الجبرية، وفي سياق ذلك يقوم القاضي بالتنصيب عن الأشخاص الذين يمتنعوا عن التوقيع على وثائق إجراءات القسمة المتتالية منذ بداية القسمة حتى نهايتها، كما يقوم القاضي بتكليف العدول عن المقاسم الذي يرفض تسمية العدل المختار من قبله.

غير أنه لا يجوز للقاضي أن يقوم بتكليف العدول عن المقاسم الممتنع إلا إذا كان إمتناع المقاسم عن إختيار العدل ثابت ، وكان المقاسم مصراً على ذلك، فلا يجوز للقاضي أن يكلف العدل عن المقاسم الممتنع إلا إذا ثبت للقاضي إمتناع المقاسم عن إختيار العدل، فيجب عندئذ أن يكون إمتناع المقاسم ثابت ضمن أوراق القضية.

ومن هذا المنطلق فأنه يجب على القاضي أن يعرض على المقاسم تعيين عدل عنه في كل إجراء من إجراءات وان يقوم القاضي باثبات ذلك في محضر الجلسة، فلا يكفي إمتناع المقاسم عن إختيار العدل في إجراء معين من إجراءات القسمة في إعتبار المقاسم ممتنعا عن تعيين خبير عنه في كل الإجراءات اللاحقة للإجراء الذي امتنع المقاسم عن إختيار العدل الذي يمثله، فينبغي أن يعرض على المقاسم تعيين العدل بمناسبة كل إجراء يحتاج فيه إلى الإستعانة بعدل.

الوجه الخامس: حق الورثة في تعيين العدول يكون بقدر نصيبهم في التركة

اذا اتفق الورثة على إختيار عدل أو عدول معينين فيتم العمل بما اتفق عليه الورثة ، اما إذا اختلف الورثة بشان إختيار وتسمية العدول ، فيكون لكل فريق من الورثة المختلفين ان يختار عدول بقدر نصيبه في التركة ،فمثلا يحق لمن نصيبه الثلث من التركة ان يختار عدلا ويكون لمن نصيبه ثلثا التركة ان يختار عدلين وهكذا ، لأن المادة (1216) مدني قد صرحت بان أجور العدول تكون بقدر نصيب كل وارث وليس بحسب عدد الورثة او رؤوس الورثة حسبما سياتي بيانه.

الوجه السادس: تقدير اجور عدول القسمة

إذا كانت القسمة إختيارية فيتم تقدير أجور عدول القسمة عن طريق الاتفاق فيما بين العدول والورثة المتقاسمين، اما إذا كانت القسمة جبرية ، فيقوم القاضي الذي يتولى القسمة تقدير أجور عدول القسمة بحسب الجهد المبذول من قبل العدول بعد ان يكلف القاضي العدل المختار بتقديم تقرير اولي يتضمن كيفية قيامه بالمهمة ومدة المهمة والامور التي يطلبها نظير قيامه بالمهمة.

 ويتحمل الورثة أجور العدول كل وراث بحسب نصيبه في التركة ، فلايتم تقدير أجور القسامين أو العدول على أساس عدد الورثة او رؤوس الورثة ، وعلى هذا الاساس يتحمل كل وارث بقدر نصيبه في التركة ، وفي هذا المعنى نصت المادة (1216) مدني على أنه (على القاضي أن يندب عدلين (خبيرين) أو أكثر لإفراز الأنصبة وتكون تكاليف القسمة على قدر الحصص لا على الرؤوس). والله اعلم.

© 2024 أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين.

تابعنا على: تيليغرام