إشكالية تقادم حقوق العمال

إشكالية تقادم حقوق العمال


إشكالية تقادم حقوق العمال
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

يقوم العامل بتأدية عمله، وتترتب له حقوق لدى صاحب العمل بموجب عقد العمل وبموجب قانون العمل ، كالحق في التأمين أو مكافأة نهاية الخدمة وحقه في الإجازات بما فيها الإجازة السنوية وحقوقه في الأجور الإضافية وبدل الإنتقال والسفر وغير ذلك من البدلات كبدل طبيعة العمل...إلخ، وخلال سنوات عمل العامل قد تتراكم حقوق العامل لدى صاحب العمل دون أن يقوم صاحب العمل بإخطار العامل بحقوقه وتاريخ إستحقاق العامل حتى يمكن إحتساب بداية مدة تقادم حقوق العامل.
 ومع أن قانون العمل قد كفل حقوق العامل المختلفة إلا أنه لم ينظم تقادم حقوق العامل طرف صاحب العمل بل أنه ترك ذلك للقواعد العامة للتقادم المقررة في قانون الإثبات، وبدوره نص قانون الإثبات اليمني في المادة (22) على أن حقوق العامل تتقادم بعد مضي سنة من تاريخ استحقاقها، بيد أن قانون الإثبات ذاته نص في المادة (23) على أن دعوى العامل للمطالبة بحقوقه تقبل رغم التقادم إذا كانت هناك ادلة أو قرائن تدل على صدق الدعوى تأكيداً لحفظ الحقوق حسبما ورد في المادة المشار إليها.

 ولمعالجة هذه الإشكالية وعدم جدية وجدوى التقادم المقرر في النصين السابقين فإن بعض الشركات والمؤسسات اليمنية تقوم في نهاية كل سنة بإخطار كل عامل بحقوقه المترتبة بذمة الشركة خلال السنة المنصرمة والسنوات السابقة لها حتى يتم إحتساب بداية مدة التقادم وحتى لا يدعي العامل بأن له حقوق أخرى غير تلك المذكورة في إخطار الشركة ، وتتضمن مذكرة إخطار العامل بأنه إذا لم يقم بالإعتراض كتابة على ما ورد في الإخطار فإن كافة البيانات الواردة في مذكرة الإخطار صحيحة وأنها قد تضمنت كافة حقوق العامل لدى الشركة خلال السنة المنصرمة والسنوات السابقة لها ، وأنه بموجب ذلك لا يجوز للعامل بعد ذلك الإدعاء بأن له حقوق أخرى غير ما ورد في مذكرة الإخطار، وفي الوقت ذاته تطلب الشركة من العامل المصادقة والإقرار بأنه قد تقاضى كامل حقوقه الواردة في وثيقة الإخطار وأنه لم يعد له أي حق أو دعوى أو طلب لدى الشركة وتسمى هذه الإجراءات في بعض المؤسسات التجارية بالمخالصة السنوية.

وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه الإشكالية ، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-1-2017م في الطعن رقم (58724)، وقد صدر هذا الحكم من الدائرة الشخصية بناء على تكليف مجلس القضاء للدائرة الشخصية بالنظر في بعض الطعون المدنية ،وقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: (والثابت أن الشعبة الاستئنافية قد مالت عن تطبيق المادة (22/3) إثبات فيما لا تسمع به الدعوى بشأن حقوق العمال مع مراعاة المادة (23) من القانون ذاته، فالمادتان المشار إليهما من النظام العام بشأن ما يدعيه المدعي المطعون ضده من مستحقات مالية ذكرها في مطالباته الواردة في دعواه والتي تزيد على عشرة ملايين ريالاً، وطالما أن المطعون ضده يطالب بمستحقاته كمكافأة نهاية الخدمة فإن ذلك الحق لا يسقط بالتقادم ، فينبغي الإلتزام والإيفاء به بعد مراجعة عقد العمل وما ينبغي سداده في ضوء ما ذكره القانون لدى الجهة المؤمن لديها ، وبإعتبار المدعي المطعون ضده يستحق هذا بإعتباره المستفيد من المبلغ، ولا وجه لما يثيره الطاعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تقادم حقوق العمال وفقاً لقانون العمل:

نصت الفقرة (5) من المادة (136) من قانون العمل على أنه (لا تقبل الدعوى العمالية بعد مرور الفترة الزمنية المحددة في القوانين النافذة)، ومعنى ذلك أن مطالبة العامل أو ادعائه أمام القضاء بأي حق من حقوقه المترتبة على عقد العمل أو قانون العمل كمكافاة نهاية الخدمة ومقابل الأجور الإضافية أو العلاوات أو البدلات أو المكافآت أو الإجازات لا يكون طلب العامل أو دعواه مقبولة بعد إنقضاء المدة الزمنية المقررة في قانون الإثبات لحقوق العمال وهي مدة سنة من تاريخ الاستحقاق حسبما سنرى.

ومؤدى ذلك أن دعوى العامل للمطالبة بحقوقه لا تكون مقبولة إذا رفعها العامل بعد مضي المدة المحددة في قانون الإثبات وهي سنة من تاريخ الاستحقاق.

الوجه الثاني: تقادم حقوق العامل وفقاً للمادة (22) من قانون الإثبات اليمني:

نظم قانون الإثبات حالات التقادم، ومن ذلك تقادم حقوق العمال، وفي هذا الشأن نصت المادة (22) إثبات على أنه (لا تسمع الدعوى من حاضر بعد مضي سنة من تاريخ الإستحقاق في الأحوال الآتية: -3- حقوق العمال والخدام والأجراء من أجور يومية وغير يومية أو ثمن ما قاموا به من توريدات لمخدوميهم) ، وهذا النص صريح في أن كافة حقوق العمال لدى صاحب العمل تتقادم إذا مضت سنة من تاريخ إستحقاقها إذا لم يقم العامل بالمطالبة الودية أو القضائية بها خلال السنة المشار إليها ، اما إذا قام العامل بالمطالبة الودية أو القضائية اثناء السنة فإن تلك المطالبة تقطع مدة التقادم.

ومن خلال مطالعة النص السابق يظهر أن مدة التقادم المشار إليها وهي سنة يتم إحتسابها بداية من تاريخ إستحقاق العامل للحق الذي يطالب به ، بيد أن القضاء اليمني قد استقر على أنه يجب على صاحب العمل أن يخطر العامل بحقه حتى يعلم العامل بحقه لدى صاحب العمل وتاريخ تقرير صاحب العمل لحق العامل ، وحتى يستطيع العامل المطالبة بحقه ،لأن العامل لا يعلم بتاريخ إستحقاقه للحق، وقد سبق أن تناولنا هذا الموضوع في تعليق سابق.

الوجه الثالث: تقادم حقوق العامل وفقاً للمادة (23) من قانون الإثبات:

نصت المادة (23) إثبات في نهايتها على انه (وعدم سماع الدعوى في المواد الأربع السابقة مالم تكن هناك قرائن دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق)، ومعنى هذا النص أنه إذا كان لدى العامل أدلة أو قرائن قاطعة تدل على ثبوت حقه لدى صاحب العمل الذي يطالب به فإن دعواه تكون مقبولة رغم تقادم دعواه وفقاً للمادة السابقة وهي المادة (22) إثبات السابق تناولها في الوجه الثاني.

ونظراً لعدم جدية وجدوى تقادم حقوق العمال حسبما ورد في قانون الاثبات وحسبما سبق بيانه ، فإن بعض الشركات والمؤسسات التجارية في اليمن تحرص على إخطار العامل سنوياً بحقوقه حتى يكون عالماً بحقوقه وتاريخ إستحقاقه لها ، كما أن هذه الشركات تقوم بتحرير مخالصة سنوية يقر فيها العامل بأنه تقاضى كامل حقوقه عن السنة المنصرمة وأنه لم يبق له بذمة الشركة إلا بعض الحقوق التي يتم إدخالها ضمن حقوق العامل في السنة التالية لتحرير المخالصة.

الوجه الرابع: تقادم حقوق العامل وفقاً للمادة (800) من القانون المدني اليمني:

نصت المادة (800) مدني على أنه (لا تسمع الدعاوى المتعلقة بالعمل بإنقضاء سنة من وقت إنتهاء عقد العمل إلا فيما يتعلق بإستيفاء الأجر أو بالعمالة والمشاركة في الأرباح والنسبة من جملة الإيراد أو الإنتاج أو ما شاكل ذلك فإن المدة لا تبدأ فيها إلا من الوقت الذي يسلم فيه رب العمل إلى العامل بياناً بما يستحقه طبقاً لآخر جرد، ولا يسري الحكم المنصوص عليه فيما تقدم على الدعاوى المتعلقة بإنتهاك حرمة الأسرار الصناعية والتجارية أو بتنفيذ نصوص عقد العمل التي ترمي إلى إحترام هذه الأسرار).

 ومن المعلوم إن الأحكام الواردة في المادة ( 800) مدني السابق ذكرها تكون نافذةً لعدم وجود نصوص في قانون العمل وقانون الاثبات تخالف الاحكام الواردة في المادة (800) مدني السابق ذكرها ، ولذلك فأنها تكون واجبة التطبيق.

 والواقع أن المادة (800) مدني السابق ذكرها قد تضمنت أحكاماً تفصيلية وأحكاماً إضافية للأحكام الواردة في المادة (22) من قانون الإثبات السابق ذكرها، وبناءً على ذلك ، فليس هناك تعارض بين اجكام المادة (800) مدني واحكام المادة (22) إثبات، فالواجب العمل بأحكام المادتين معاً.

الوجه الخامس: مدى تقادم حق العامل في مكافأة نهاية الخدمة وفقا لقانون العمل:

نصت المادة (120) من قانون العمل اليمني على أن (-1- يستحق العامل عند إنتهاء خدمته معاشاً شهرياً أو مكافأة مقطوعة وفقاً لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية أو وفقاً لأي نظام خاص آخر إذا كانت شروطه أفضل للعامل -2- إذا لم يكن العامل مشمولاً بأحكام قانون التأمينات الاجتماعية أو أي نظام خاص آخر وفقاً لأحكام الفقرة السابقة استحق من صاحب العمل مكافأة نهاية خدمة بواقع مرتب شهر على الأقل عن كل سنة من سنوات الخدمة، وتحتسب المكافأة على أساس أجر آخر شهر تقاضاه العامل -3- لا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان العامل من مستحقاته المنصوص عليها في هذه المادة أو إسقاط أي جزء منها في كافة حالات إنهاء عقد العمل).

ومن خلال مطالعة الفقرة الأخيرة من النص القانوني يظهر أنها تقرر أن حق العامل في مكافأة نهاية الخدمة لا يسقط بالتقادم ، لأن مكافأة نهاية الخدمة بدل عن حق العامل في التأمينات الاجتماعية، ووفقاً لأحكام النص القانوني السابق فإن حق العامل في التأمينات الاجتماعية أو مكافأة نهاية الخدمة لا يسقط، والله اعلم.