الحكم الذي لا يتفق مع الحجج والأدلة المطروحة

الحكم الذي لا يتفق مع الحجج والأدلة المطروحة

الحكم الذي لا يتفق مع الحجج والأدلة المطروحة
الحكم الذي لا يتفق مع الحجج والأدلة المطروحة.
جمع الحكم محل تعليقنا بين الحجج والادلة ، ولاريب أن هناك فرق بين الحجج والادلة عند علماء اللغة والمنطق والقانون، فالحجة تكون قاطعة في دلالتها ولذلك فهي تفيد اليقين ،اما الدليل فهو يفيد الظن.

 والدليل يرادف البرهان ، ويغلب إستعمال الدليل في الحكم القضائي، لأن الدليل يدل على المدلول ، غير ان ذلك لايعني ان الحكم القضائي لايستعمل مصطلح الحجة ، فالحكم يستعمل الحجة حينما يكون النص المستدل به صريحا وقاطعا لايحتمل غير المعنى المستدل به ، وعلى هذا الاساس فان الحجة القاطعة اعلى مرتبة من الدليل (الفروق اللغوية لابي هلال العسكري،ص 523). ولذلك فقد جمع الحكم محل تعليقنا بين الحجج والادلة.

ومن المؤكد أن أساس الحكم الدعوى الصحيحة وأساس الدعوى الأدلة الصحيحة، لذلك يجب أن يتفق الحكم ويتسق مع الحجج والأدلة المقدمة من الخصوم، ومؤدى ذلك أنه يجب على الحكم ان يناقش في اسبابه أدلة الخصوم الواقعية والقانونية وأن يوازن ويرجح بينها، وتبعاً لذلك يجب أن يتسق منطوق الحكم مع الادلة التي رجحها وذكر سبب ترجيحه لها، "حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-4-2010م في الطعن رقم (37774)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه (ولما كان ما انتهت إليه الشعبة التجارية في نتيجة حكمها لا يتسق مع الحجج والأدلة المطروحة في النزاع ، فإن الدائرة تقرر: نقض الحكم الاستئنافي وإعادة ملف القضية إلى الشعبة لنظرها من جديد بجلسات متوالية وإستدراك ما شاب الحكم من قصور والفصل في النزاع وفقاً للقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:"

الوجه الأول: معنى الأدلة والحجج المطروحة

اشار الحكم محل تعليقنا إلى الأدلة والحجج المطروحة، ومعناها: الحجج والأدلة التي طرحها أطراف الخصومة أثناء سير اجراءات المحاكمة سواءً أكانت أدلة إثبات أم أدلة نفي، فقد تكون هذه الأدلة شهادات شهود أو إقرارات صادرة من الخصوم أو مستندات أو محاضر معاينة أو تقارير خبراء أو قرائن قانونية، كما تندرج ضمن الحجج المطروحة النصوص القانونية التي استدل بها الخصوم أثناء نظر المحكمة للنزاع بين الخصوم.

الوجه الثاني: معنى إتساق الحكم مع الأدلة والحجج

لاشك أن الادلة والحجج المشار إليها في الحكم محل تعليقنا هي ذاتها الأسباب الواقعية والقانونية للحكم، ولذلك يجب على الحكم أن يعرض ضمن أسبابه الواقعية وقائع النزاع والأدلة المقدمة من الخصوم التي تدل على إثبات أو نفي وجود هذه الوقائع ، وفي سياق ذلك يجب على الحكم أن يبين الحكم القانوني أو النصوص القانونية التي تبين حكم القانون على تلك الوقائع والأدلة على ثبوتها أو نفيها ، ومن خلال ذلك يبين الحكم أسباب أخذه بالأدلة التي أخذ بها أو طرحه للأدلة التي طرحها ولم يأخذ بها ، ثم ينتهي هذا التسبيب المتسق إلى النتيجة المنطقية وهي منطوق الحكم، لأن الحكم هو المنطوق، وعلى هذا المعنى فإن إتساق الحكم مع الأدلة المطروحة: يعني إتساق أسباب الحكم مع منطوقه، وأن تكون الأدلة قد سبق للخصوم طرحها أو التمسك بها أمام المحكمة أثناء سير إجراءات التقاضي.

فضلاً عن أن من معاني عدم إتساق الحكم مع الأدلة المطروحة تناقض أسباب الحكم مع منطوقه.

الوجه الثالث: بطلان الحكم غير المتسق مع الادلة المطروحة

قضى الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم المطعون فيه بالنقض، لأنه غير متسق مع الأدلة المطروحة حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا، لأن حالات عدم إتساق الحكم مع الأدلة تجعله موصوماً بالبطلان، فالحكم الذي تتناقض أسبابه مع منطوقه يكون باطلاً، فالحكم المخالف للأدلة القوية والكثيرة المطروحة من الخصوم او الحكم الذي يهمل الأدلة باطل. (تسبيب الاحكام القضائية بين النص القانوني والاجتهاد القضائي، د. عبد الستار ناهي عبد عون، ص 147).

ومن خلال ذلك يظهر أن البطلان هو الجزاء المناسب لعدم إتساق الحكم مع الحجج والأدلة المطروحة، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.