دعوى إبطال عقد الصلح
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
عقد الصلح عقد مثله في ذلك مثل غيره من العقود يجب أن تتوفر فيه الأركان والشروط الشرعية والقانونية. فإذا توفرت أركان وشروط عقد الصلح فأنه يكون صحيحا لازماً وملزماً لاطرافه يجب عليهم المبادرة إلى تنفيذ بنوده إختياراً ، فإذا امتنع أحد أطرافه عن تنفيذ إلتزامه فيجوز اللجوء إلى القضاء لحمل الممتنع عن تنفيذ إلتزامه المقرر بموجب عقد الصلح، أما إذا تخلف ركن أو شرط من شروط عقد الصلح ، كما لو كان المصالح طرف عقد الصلح ليست له الأهلية الشرعية والقانونية لإبرام العقد كأن يكون صبياً أو مجنوناً أو مكرهاً أو إذا تعيبت إرادته بأي عيب من عيوب الإرادة ،او إذا لم يكن المصالح مالكاً لبدل الصلح أو مقابل الصلح أو الشيء ، أو كان المصالح عليه ليس ملكاً للمصالح ، كما لو كان من أموال الوقف أو المال العام أو أموال القاصرين ، ففي هذه الأحوال يجوز للمصالح وهو أي طرف من أطراف الصلح أن يرفع دعوى إبطال عقد الصلح أمام المحكمة المختصة مكانياً ونوعياً.
اما إذا كان عقد الصلح قد صار سندا تنفيذياً بالمصادقة عليه من قبل المحكمة بموجب المادة (328) من قانون المرافعات اليمني ، فلا يجوز لأي من أطراف عقد الصلح الإدعاء ببطلانه ، لأن المحكمة عند مصادقتها على عقد الصلح تقوم بالتثبت والتحقق من توفر أركان وشروط عقد الصلح، "حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-10-2010م في الطعن رقم (42282)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه (ولذلك فإن عودة الطاعنين لتقديم دعوى تحت اسم دعوى موضوعية تضمنت طلب بطلان (إتفاق) يقصدوا عقد الصلح المصادق عليه من المحكمة، فالدائرة تجد: أن ذلك من باب اللدد والتطويل في النزاع، وذلك يقود الدائرة إلى القول بأن ما توصل إليه الحكم المطعون فيه موافق لصحيح القانون، لأن عقد الصلح قد صار سنداً تنفيذياً وتحصن بالأحكام السابق بيانها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:"
الوجه الأول: عقد الصلح الذي لا يكون سنداً تنفيذياً
عقد الصلح الذي يتم إبرامه بين الخصوم من غير أن تكون هناك خصومة منظورة أمام القضاء ولم تصادق عليه المحكمة يكون صحيحاً وملزماً لأطرافه إذا توفرت فيه الأركان والشروط الشرعية، ففي هذه الحالة يجب على أطراف عقد الصلح الوفاء بالتزاماتهم المقررة في عقد الصلح إختياراً، فإذا امتنع أحدهم عن تنفيذ التزاماته فيجوز اللجوء إلى القضاء لحمله على تنفيذ التزاماته وعندئذٍ تكون الدعوى موضوعية ، لأن عقد الصلح في هذه الحالة ليس سنداً تنفيذياً.
وبالمقابل يجوز لأي من أطراف عقد الصلح تقديم دعوى إبطال عقد الصلح أمام المحكمة الابتدائية المختصة نوعياً ومكانياً إذا لم تتوفر في عقد الصلح أي من أركانه وشروطه الشرعية.
الوجه الثاني: عقد الصلح الذي يكون سنداً تنفيذياً
هو عقد الصلح الذي يتم بين الخصوم وفقاً لأحكام المادتين (165 و 328) مرافعات، فقد نصت المادة (165) على أنه (للمحكمة أن ترغب الخصوم بالصلح وتحثهم على ذلك لا أن تجبر أياً منهم عليه وذلك قبل البدء في نظر الدعوى فإذا تصالح الخصوم فعليهم أن يثبتوا ما تصالحوا عليه في محضر الجلسة ويحرروا به عقد صلح ويقدموه للمحكمة لإلحاقه بمحضر الجلسة والتصديق عليه ويكون له في جميع الاحوال قوة السند الواجب التنفيذ)، وفي السياق ذاته نصت المادة (328) مرافعات على أن (تتحدد السندات التنفيذية فيما يأتي: -4- إتفاقات الصلح المصدق عليها من المحاكم).
وعلى أساس ما ورد في النصين السابقين فإن عقد الصلح الذي يتم أثناء نظر المحكمة للنزاع: هو السند التنفيذي بخلاف عقد الصلح الذي يتم توثيقه لدى قلم التوثيق، ولذلك فإننا نوصي بأن تكون المحررات الموثقة بقلم التوثيق سندات تنفيذية لأن مفهوم المحررات الموثقة يشمل عقد الصلح الذي يتم توثيقه لدى قلم التوثيق.
الوجه الثالث: حينما يكون عقد الصلح سنداً تنفيذياً لا يجوز الإدعاء ببطلانه
عندما تصادق المحكمة على عقد الصلح أثناء نظرها للنزاع بين الخصوم ، فأنها تتحقق من توفر أركان وشروط عقد الصلح، كما تقوم المحكمة ذاتها بإستيفاء كافة البيانات اللازمة في عقد الصلح ثم تقوم المحكمة بتضمين عقد الصلح في حكمها الذي ينص على إعتبار الصلح سنداً تنفيذياً أو في قوة سند التنفيذ، فمن خلال الإجراءات التي تقوم بها المحكمة فإن عقد الصلح يتحصن من الإدعاء ببطلانه ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.