حق اليد في الوقف

حق اليد في الوقف

حق اليد في الوقف
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

ينتقل حق الانتفاع بأراضي الأوقاف عن طريق بيع حق الانتفاع بأرض الوقف، فيقوم المستاجر المنتفع بأرض الوقف يقوم ببيع حقه في الانتفاع إلى غيره، كما أن حق الانتفاع بأرض الوقف ينتقل من المستأجر لأرض الوقف (المنتفع) إلى ورثته، وقد أشار إلى حق اليد في أرض الوقف.
الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17/12/2016م في الطعن رقم (58613)، الذي ورد ضمن أسبابه (وحيث أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد جاء موافقا من حيث النتيجة للشرع والقانون لقضائه بإلغاء الحكم الابتدائي والحكم موضوعاً باستحقاق المطعون ضده لمبلغ التعويض المستحق عن الشقية للأرض التي بحيازته بإذن وزارة الأوقاف منذ 1400هـ وبموجب الوثائق الدالة على ذلك المشار إليها في حيثيات حكم الاستئناف ومنطوقه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأجة الآتية:

الوجه الأول: نظرة واقعية في إنتفاع الأشخاص بأراضي الأوقاف:

في الواقع العملي يقوم المستأجرون لأراضي الأوقاف في اليمن ببيع حق اليد أي حق الانتفاع بأراضي الأوقاف إلى الغير وذلك بثمن يقل قليلاً عن ثمن رقبة الأرض غير الوقف (الحر) ، وفي غالب الاحيان يتم بيع حق اليد أو الانتفاع بين عدة أجيال متعاقبة، وعند بيع حق اليد يضع البائع في إعتباره عند تقديره للثمن مبلغ الثمن الذي سبق له أن دفعه للبائع السابق ، كذلك يضع البائع في اعتباره مبلغ المأذونية الذي سبق له ان دفعه للأوقاف عند شرائه للأرض من البائع السابق ، وكذا يضع في اعتباره الاضافات التي اضافها إلى الأرض والمبالغ التي دفعها في سبيل المحافظة على الارض، ففي هذه الأحوال يكون لثمن حق اليد ما يبرره في الشرع والقانون.

الوجه الثاني: حق اليد في قانون الوقف الشرعي اليمني:

نصت المادة (86) من قانون الوقف اليمني على أنه (ليس لمستأجر عين الوقف أو أملاكه حق اليد إلا في العناء الظاهر كالغرس والبناء والإصلاح إن كان ذلك بأمر المتولي، على أن يقرره الحاكم بإحالة من الجهة المختصة).

ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه يمنع على المستأجر للوقف أن يطلب من هيئة الأوقاف حق اليد أو العناء إلا إذا كانت الأوقاف قد أذنت لمستأجر الوقف أن يزرع أو يغرس أو يبني أو يصلح في أرض الوقف أو يدافع عنها ، وبناءً على ذلك فإن هذا النص وان منع المستاجر من مطالبة الاوقاف بحق اليد غير ان النص ذاته لم يمنع المستأجر من تقاضي حق اليد من المشتري لحق الانتفاع شريطة أن تأذن الأوقاف بذلك.

الوجه الثالث: مأذونية الأوقاف وحق اليد:

اجازت لائحة تأجير عقارات الأوقاف اجازت لهيئة الأوقاف إستيفاء مبلغ المأذونية وهو مبلغ مالي لا يزيد عن ربع قيمته الأرض عند تأجير أرض الوقف للبناء عليها، والماذونية من اسمها مقابل إذن الاوقاف للمستاجر بالبناء على الأرض ، وفي هذا المعنى نصت المادة (17) من لائحة تنظيم التأجير والانتفاع بأموال وعقارات الوقف نصت على أن (للوزارة إستيفاء المأذونية عند تأجير الأرض لغرض البناء بما لا يزيد على ربع قيمة الأرض ممن يرغب في استئجارها ، وذلك مقابل التصريح له بالبناء فيها مع الاستيفاء منه حق العناء (الشقية) المستحقة للأجير السابق كونه يحل محله في وضع يده والانتفاع بالأرض وفقاً لما ورد في المادة (22) من هذه اللائحة، كما يجوز للوزارة استيفاء ما يساوي حق العناء (الشقية) للوقف إذا كانت الأرض صافية لا حق للغير فيها وبما لا يتجاوز 25% من قيمة الأرض ، وذلك لتلافي الفارق بين أراضي الوقف المتماثلة لغرض البناء ووجوب المساواة بين المنتفعين بتلك الأراضي).

والظاهر من إستقراء هذا النص أنه قد ألزم المستأجر الجديد لأرض الوقف للبناء عليها ألزمه بأن يدفع مبلغ المأذونية لهيئة الأوقاف وذلك بمبلغ لا يزيد عن ربع قيمة الأرض المطلوب تأجيرها بالإضافة إلى إلزامه بدفع الشقية أو حق اليد للمستأجر السابق للأرض إذا كان المستاجر السابق يستحق الشقية أو حق اليد، بل أن اللائحة قد ألزمت المستأجر للوقف بأن يدفع الشقية بالإضافة إلى المأذونية حتى ولو لم تكن هناك مطالبات من المستأجر السابق يحق اليد ، وعلى هذا الأساس فإن المأذونية تكون مستحقة دوماً لهيئة الأوقاف ، في حين أن الشقية تكون للمستأجر السابق وتكون للأوقاف أيضاً اذا لم يكن هناك مستاجر سابق.

كما يظهر من إستقراء نص المادة (86) من قانون الوقف والمادة (17) من لائحة تأجير عقارات الأوقاف أن هناك خلط بين الشقية وبين حق اليد ، مع ان الشقية هي العناء الظاهر و حق اليد هو مقابل تنازل المستاجر عن حق الانتفاع بأرض الوقف للغير.

الوجه الرابع : ماهية حق اليد:

البائع لحق اليد هو: مستأجر العقار ومحل البيع هو حق المنفعة في العقار، وعلى هذا الأساس فإن حق اليد هو حق المستأجر في الإنتفاع بالعين المؤجرة الذي اكتسبه المستأجر للعقار بمقتضى عقد الإيجار فيما بينه وبين المؤجر مالك العقار، فحق اليد أو حق الإنتفاع بالعين المؤجرة هو حق حصل عليه المستأجر بموجب عقد الإيجار مقابل الأجرة المتفق عليها في عقد الإيجار.

الوجه الخامس: وجوب اذن مالك العقار عند قيام المستأجر ببيع حق المنفعة أو حق اليد وتكييف بيع حق اليد:

مع ان قانون الوقف اليمني قد منع المستاجر للعين الموقوفة منعه من مطالبة هيئة الاوقاف بحق اليد على النحو السابق بيانه عند تعرضنا للمادة (86) من قانون الوقف ، الا انه في الواقع العملي يقوم المستاجرون لاراضي الاوقاف ببيع مايسمى بحق اليد أو حق البسط في أراضي الأوقاف والدولة وذلك بإجراءات تماثل بيع العين (الحر) حيث يتم تحرير بصيرة عند بيع حق الانتفاع أو حق اليد ويتم تحرير هذه البصيرة بنظر الأمين الشرعي ،وتتضمن هذه البصيرة ان المستأجر قد باع وانفذ بيعه لحق اليد أو الشقية في الأرض المؤجرة من الأوقاف أو الدولة.

اما القانون المدني وقانون تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستاجربن وقانون الوقف فقد صرحا بعدم جواز قيام المستأجر بتاجير العين من الباطن أو التنازل عن حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة سواء أكانت من اراضي الاوقاف ام من غيرها، فالقانون المدني وقانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر يمنعا بيع المستاجر لحقه في الإنتفاع بالعين الموجرة.

 إضافة إلى أن الفقه الإسلامي والقانون المدني ينصا على أن حق الإنتفاع بالعين من الحقوق التبعية للعين التي لايجوز بيعها إستقلالا عن العين ذاتها.

 فضلا عن أنه يرد ضمن غالبية بنود عقود الإيجار بما فيها عقود تاجير الوقف يرد بند ينص على أنه لايجوز للمستأجر تاجير العين للغير او تأجيرها من الباطن اي أن عقد الإيجار يمنع المستأجر من بيع منفعة العين المؤجرة للغير.

ولأن العين المؤجرة مملوكة للمؤجر وهي هيئة الاوقاف، ولأن المنفعة بالعين قيد على العين يقيد حرية مالك العين في التصرف فيها، لذلك يجب على المستأجر اذا اراد بيع حقه في الانتفاع أو التنازل عن حقه في المنفعة بالعين المؤجرة أو مايسمى بحق اليد يجب عليه حتما في هذه الحالة الحصول على اذن مسبق بالتصرف بحقه في الانتفاع وذلك من مالك العين كهيئة الأوقاف وهيئة الأراضي وغيرهما من ملاك الاعيان الموجرة.

ومن خلال ماتقدم يظهر لنا تكييف بيع المستأجر لحق اليد، فهو مجرد تنازل منه عن حقه في الإنتفاع بالعين مقابل ثمن يدفعه المشتري نظير ذلك، ويتم هذا التصرف في عقد مستقل يكون طرفيه المستأجر البائع لحقه في الإنتفاع والمشتري منه الذي يحل محله في الإنتفاع بالعين، وبعد ذلك يتم إبرام عقد إيجار جديد فيما بين مالك العين المؤجر والمستأجر الجديد الذي حل محل المستأجر القديم المتنازل ، وعقد الايجار الذي يتم ابرامه بعد تنازل المستاجر السابق يكون عقدا مستقلا عن عقد التنازل عن المنفعة، وتبعا لذلك يجوز للمؤجر ان يزيد في القيمة الإيجار ية أو التزامات المستأجر الجديد، ويجوز للموجر أيضا إنقاص القيمة الإيجار ية وإنقاص التزامات المستأجر الجديد برضا الطرفين المالك والمستأجر الجديد.
وحق المستأجر في الإنتفاع متعلق بعقد الإيجار ومرتبط به، ولذلك فإن هذا الحق بند من بنود عقد الإيجار، فعقد الإيجار وحدة واحدة عملا بمبدأ وحدة العقد، وتبعا لذلك فإن حق المنفعة في عقد الإيجار ليس مستقلا أو منفصلا عن بقية بنود عقد الإيجار، ومن هذا المنطلق فإن المستأجر الذي تم التنازل له لايستطيع التمسك بحق الإنتفاع في مواجهة المالك المؤجر عند إنتهاء عقد الإيجار، لان ذلك إخلال من المستأجر ببنود عقد الإيجار ، كما أن المستأجر لايستطيع التنازل عن منفعة العين أو بيع حق اليد قبل ان ياذن له مالك العين .

الوجه السادس: الفرق بين حق اليد والشقية والعناء:

سبق القول بأن حق اليد هو مجرد حق المستأجر في الإنتفاع بالعين الموجرة له على النحو السابق بيانه، اما الشقية أو العناء فالمقصود بهما حق المستأجر في الحصول على مقابل الأعمال التي قام به في سبيل إصلاح العين المؤجرة وصيانتها وزيادة إنتاجها ،وإصلاح العين اذا لحقت بها اضرار أو غرس الأرض بالاشجار كاشجار البن والفاكهة أو قيام المستاجر بدفع مصاريف ومخاسير التقلضي للدفاع عن العين المؤجرة في مواجهة المعتدين عليها بناء على تكليف المؤجر له.

 اما مصطلح ( الشقية ) فهو مصطلح مرادف لمصطلح العناء، فمصطلح الشقية مستفاد من العناء والشقاء بلهجة اهل اليمن الذين يطلقوا على العمل مصطلح (الشقاء)، وسوف يأتي بيان ذلك تفصيلاً في الأوجه المقبلة.

الوجه السابع: بدعة حق اليد العرفية أو الشقية العرفية في اليمن:

سبق القول بأن حق اليد هو عبارة عن حق المستأجر في الإنتفاع بالعين المؤجرة له من مالكها، وذكرنا أيضا ان حق الإنتفاع بالعين بند من بنود عقد الإيجار يتعلق ويرتبط ببقية بنود العقد ومنها قيمة الإيجار باعتبارها عوضا للمنفعة، ولذلك لا يجوز للمستأجر مطالبة المالك بحق اليد، بيد أنه يجوز للمستأجر ان يتنازل عن حقه في الإنتفاع للغير بمقابل اذا اذن له المالك بذلك وتم بعد ذلك إبرام عقد إيجار فيما بين المالك والمستأجر الجديد على التفصيل السابق بيانه.

في حين ظهر في اليمن حديثا ضمن موجة الفساد ظهر مصطلح (حق اليد العرفية أو الشقية العرفية)، فاليد العرفية تعني عند الفسدة: انه للمستأجر مايسمى بحق اليد العرفية، وهو عبارة عن جزء من الأرض المؤجرة أو نسبة من ثمنها الإجمالي أو نسبة من المساحة أو نسبة من قيمة الأرض، ولتبرير مايسمى بحق اليد العرفية أو الشقية العرفية يتعلل الفاسدون بأن عرف المنطقة قد جرى على ذلك!!!؟، خلافا لأحكام الشريعة الإسلامية والقانون اللذين يقسما التصرفات إلى تبرعات ومعاوضات ، ويشترطا في المعاوضات التساوي بين العوضين في عقود المعاوضات، فينبغي ان يكون العوض مساويًا للعوض الآخر ومع ذلك يجوز ان يقل العوض عما يقابله بنسبة لا تزيد عن نسبة الغبن وهي العشر، فاذا زاد العوض عن ذلك فيكون محرما شرعا ، وبتطبيق ذلك على مايسمى بحق اليد أو الشقية العرفية يظهر انه ليس له عوضا أو مقابلا، لان المالك المؤجر يدفعه للمستاجر من غير ان يقابله أي عمل أو جهد قام به المستاجرلحساب المؤجر– ولذلك يذهب كثير من الباحثين إلى أن مايسمى بحق اليد العرفية من قبيل اكل أموال الناس بالباطل مثله في ذلك مثل مسمى (حد وبلد) الذي يصادر المراهق التابعة للأراضي الزراعية المملوكة للملاك من غير اهل المنطقة أو القبيلة، ونخلص مما ورد في هذا الوجه إلى القول : بأن مسميات (حق اليد العرفية أو الشقية العرفية أو حد وبلد) هي مسميات ابتدعتها ثقافة الفساد الضاربة اطنابها في المجتمع اليمني لاكل أموال الناس بالباطل.

الوجه الثامن: خلو القدم أو حق المفتاح:

 خلو القدم أو حق المفتاح هو رفض المستأجر للعين إخلاء العين المؤجرة منه بعد انتهاء عقد الإيجار لأي سبب الا بعد إن يدفع له مبلغ من المال نظير اخلائه للعين بعد انتهاء عقد ايجاره ، وخلو القدم أو حق المفتاح ظاهرة سلبية معاصرة جدت في العصر الحاضر، ويذهب جمهور الفقهاء المعاصرين إلى ان مطالبة المستأجر بمبلغ من المال كخلو قدم بعد انتهاء مدة الإيجار يكون محرما، لانه من قبيل اكل اموال الناس بالباطل، فليس هناك اي مقابل أو عوض لمبلغ خلو القدم الذي يتم دفعه للمستأجر في هذه الحالة ، فإخلاء العين واجب على المستأجر اذا انتهى عقد إيجاره لأي سبب كان.

ويصرح القانون المدني اليمني بأن خلو القدم باطل بطلاناً مطلقا، حيث نصت المادة (753) مدني على أن: (تعتبر الاجرة هي المتراض عليها بين المؤجر والمستأجر عند العقد، وما يؤخذ باسم المفتاح باطل، وتحكم المحكمة بإرجاعه لمستحقه فإن رفضه صودر إلى البنك لصالح الخزينة العامة). والظاهر من إستقراء هذا النص بأنه قد صرح ببطلان خلو القدم أو حق المفتاح، كما أنه صرح أيضاً بأن المبلغ المدفوع كخلو قدم يجب إرجاعه إلى الشخص الذي دفعه فإن رفض ذلك يتم توريد المبلغ إلى الخزينة العامة.

الوجه التاسع: حق العناء الظاهرفي الأراضي الزراعية:

مصطلح العناء الظاهر مصطلح شائع في العرف اليمني الموافق للشرع والقانون في هذه المسألة ، فمصطلح العناء الظاهر في العرف يطلق على الشواهد والمظاهر التي تظهر في العين الموجرة نتيجة جهود المستاجر لها ، فتدل هذه المظاهر وتشهد على نوع وقدر الشقاء والعناء الذي قام به المستاجر للأرض، بحيث تكون الاعمال التي قام بها المستأجر في العين المؤجرة لصالح مالكها ظاهرة للعيان تشهد وتدل بذاتها على صحة مطالبة الاجير بالمبالغ التي تكبدها في سبيل القيام بتلك الاعمال ؛ ومن شواهد العناء الظاهر الغروس المعمرة المثمرة في الارض الموجرة والجدران والسواند ومصدات السيول والتوسعة في مساحة الارض الموجرة نتيجة الاصلاحات التي قام بها المستاجر في الرهق التابع للأرض، وكذا المبالغ التي تكبدها المستأجر في سبيل حماية العين المؤجرة والدفاع عنها في مواجهة المعتدين على العين المؤجرة شريطة أن يتم إعلام المالك بالإصلاحات قبل مباشرتها والنزاعات قبل مواجهتها حتي يأذن المالك للمستأجر بأن يباشر تلك الاعمال على حساب المالك ، وشريطة ان يكون المستأجر قد دفع نفقات تلك الأعمال من ماله الخاص به وليس من حصة المالك من محصول العين المؤجرة.

وقد نظم القانون المدني اليمني العناء في المادة (766) مدني التي نصت على انه (اذا أجر رب الارض ارضا معلومة لشخص اخر ليزرعها حرثا وبذرا وتنقية فيما تصلح له بجزء معلوم مما تنتجه الارض كان العقد ملزما للمتعاقدين بشروطه المتفق عليها حال العقد ، وللمالك رفع يد الاجير بعد حصاد الزرع القائم اذا خالف الاجير العرف او اهمل او فرط او اخل بما شرط عليه او عجز, وللأجير مقابل ما غرمه في اقامة الارض (العناء) بما يقدره عدلان اذا كان الزرع مما لا يقطع العناء عرفا ، ولكل من المتعاقدين طلب انهاء المزارعة بعد حصاد الزرع القائم مع مراعاة التنبيه على الطرف الاخر قبل ذلك بوقت كاف وفي البقول ونحوها مما يستغل اكثر من مرة يعمل بالعرف)، فمن خلال مطالعة الفقرة الواردة في النص السابق وهي : (وللمالك رفع يد الاجير بعد حصاد الزرع القائم اذا خالف الاجير العرف او اهمل او فرط او اخل بما شرط عليه او عجز, وللأجير مقابل ما غرمه في اقامة الارض (العناء) بما يقدره عدلان اذا كان الزرع مما لا يقطع العناء عرفا) ، من خلال إستقراء هذا النص يظهر الاتي:

1- يستحق الاجير العناء إذا كانت الارض المؤجرة ارضا زراعية، اما اذا لم تكن كذلك فلايستحق العناء.

2- يستحق الاجير العناء اذا كان المؤجر هو الذي قام بانهاء عقد الاجارة مع المؤجر اما اذا كان المستاجر هو الذي ترك العين المؤجرة من تلقاء نفسه فلا يستحق العناء.

3- يستحق المستاجر العناء إذا كان قد قام بغرس الارض بغروس مثمرة معمرة كالبن والمانجو وهي الغروس التي لاتقطع في نهاية الموسم ، اما اذا كانت الأرض مزروعة بالحبوب والبقوليات كالبر والذرة والعدس والفول فلايستحق الاجير العناء.

4- يستحق الاجير العناء اذا كان قد اقام واصلح الأرض وجعلها صالحة للزراعة بعد ان كانت صالبة ، أو اذا قام الاجير پإصلاح جدرانها اومساقيها او اصلح الاضرار التي لحقت بها جراء السيول الجارفة.

5- يستحق الاجير العناء اذا تكبد الاجير اية مبالغ نيابة عن المالك في مواجهة اية دعاوى أو طلبات من الغير بشان العين المؤجرة.

6- في كل الأحوال يشترط موافقة المالك المسبقة على قيام المستاجر باي عمل من الأعمال التي يترتب عليها إستحقاق المستاجر للعناء.

7- يكون تقدير العناء بقدر المبالغ التي تكبدها الاجير بالفعل، فاذا اختلف الاجير مع المالك في هذا الشان فيتم تقدير العناء بواسطة خبيرين عدلين مختارين من الطرفين، فاذا لم يوافق الطرفان أو احدهما على راي العدلين فيتم تقدير العناء بنظر القضا، الذي لايحكم بمقابل العناء الا بناء على ادلة ثبوتية يقينية، ويستعين القضاء في تقديره للشقية أو حق العناء بعدلين خبيرين، يقوما بتقدير العناء الظاهر للعيان كالغرس والتوسعة والإصلاح، وفي كل الأحوال لايتم تقدير العناء على أساس نسبة من قيمة الأرض أو جزء من الأرض ، لان ذلك من العرف الفاسد المخالف للشريعة والقانون حسبما سبق بيانه.

الوجه العاشر: توريث حق العناء وانتقاله الى جميع الورثة ذكورا واناثا:

على اساس ما تقدم فإن تكاليف العناء الظاهر أو الشقية إذا ثبتت على النحو السابق بيانه فتكون دينا مستحقا للمستأجر بذمة مالك الأرض ويكون هذا الدين متعلقا بالعين المؤجرة ، فالعناء حق لمستأجر الأرض، وتبعا لذلك فالعناء يؤرث ويقسم على جميع الورثة ذكورا واناثا، وكذا تجوز حوالة العناء للغير ، بيد أنه لايجوز بيع العناء للغير باعتباره دينا، فالدين لا يجوز بيعه لغير المدين ، والله اعلم.