الإجازة الضمنية للوصية لأولاد الأولاد الذكور
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
من القواعد التي استقرت في فقه المواريث: أن لا وصية لوارث ولا لوارث الوارث أو من يدلي لوارث إلا إذا اجاز الورثة تلك الوصية بعد وفاة الموصي، وبناءً على ذلك لا تجوز الوصية لأولاد الأولاد ذكوراً وإناثاً إلا إذا كانت الوصية لمعوق أو كانت لغير معوق شريطة إجازة الورثة لتلك الوصية، او كانت الوصية لولد الولد غير الوارث كبديل لإقعاده.
وقد تكون إجازة الوصية لأولاد الأولاد من قبل ورثة الموصي صريحة لفظا وكتابة، كما قد تكون الاجازة ضمنية كتنفيذ الورثة لتلك الوصية بعد وفاة الموصي اوقسمة مخلف الموصي وتجنيب المال الموصي به من القسمة أو تقسيم الورثة للوصية بين الموصى لهم؛
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-12-2016م في الطعن رقم (58623)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأن (الخلاف بين الأطراف قد انحصر بشأن تنفيذ الوصية المؤرخة... المتضمنة ما لفظه (وما بقي من الثلث بعد إخراج ما قد أوصى به من جميع الوصايا فجعله لأولاد أولاده الذكور فقط لله وفي سبيله) ، فالمستأنفون يطلبوا تنفيذ الوصية حسبما نصت عليه وقسمة ما بقي من الثلث بين أولاد أولاده الذكور جميعهم وإيصال كل ذي حق حقه على إعتبار أن القسمة التي يدفع بها المستأنف ضدهم وأنها قد سبقت، فان تلك القسمة قد اقتصرت على أولاد الموصى لهم فلان وفلان فقط وحرمان بقية أولاد اولاد الموصى لهم خلافاً لما تحكيه تلك الوصية ،وطلب المستأنفون إلغاء الحكم الابتدائي، وحيث أن المستأنف ضدهم قد دفعوا بسبق التنفيذ للوصية وتقسيم ما تحكيه الوصية بين جميع الورثة، وحيث كان من الثابت من خلال فصول المقاسمة المبرزة أمام الشعبة أن القسمة التي تمت بتاريخ ... قد انحصرت على أولاد اثنين فقط من أولاد الموصي لهم ولم تشمل القسمة بقية أولاد اولاد الموصي وفقاً لما تحكيه الوصية، وحيث قد ثبت للشعبة بطلان قضاء الحكم الابتدائي بعدم صحة تلك الوصية وعدم صحة القسمة السابقة لها، لذلك فإن الشعبة تقضي بصحة الوصية المشار إليها ولزوم تنفيذها وقسمة ما بقى من الثلث بين جميع أولاد الأولاد الذكور)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (بعد إطلاع الدائرة على الطعن والرد عليه والحكمين الابتدائي والاستئنافي فقد وجدت الدائرة: أن حكم الاستئناف بإلغاء الحكم الابتدائي وصحة الوصية المؤرخة...، وجدت الدائرة أن حكم الاستئناف موافق في نتيجته للشرع والقانون لما علل به واستند إليه في قضائه بتنفيذ الوصية وقسمة ما بقى من الثلث بين جميع الورثة أولاد الأولاد ولا جدوى من الطعن لعدم وجود أية حالة من حالات الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: جواز الوصية لولد الولد إذا لم يكن من ورثة الموصي له كبديل للاقعاد:
من المعلوم أن الوصية لا تكون نافذة إلا بعد وفاة الموصي حسبما هو مقرر في المادة (227) أحوال شخصية التي نصت على ان (الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد الموت).
اما بشان جواز الوصية لاولاد الاولاد إذا لم يكونوا من ضمن الورثة فقد نصت المادة (231) أحوال شخصية على أنه (يشترط في الموصى له: -د- أن لا يكون وارثاً عند موت الموصي) ، فعند موت الموصي تكون امواله مخلف يورثه اولاده وليس أولاد أولاده ، فاولاد الاولاد هم لايرثوا جدهم إذا كانوا محجوبين باعمامهم اولاد الموصي ، ففي هذه الحالة تصح الوصية لاولاد الاولاد لانهم غير ورثة للموصي أو لأي من اولاد الموصي.
وتختلف الوصية لاولاد الاولاد في هذه الحالة عن الاقعاد من حيث مقدار الموصى به ،ففي الاقعاد يكون المال الموصى به بقدر نصيب والد الاولاد على إفتراض لوكان والدهم على قيد الحياة ، في حين ان الوصية لاولاد الاولاد الذين توفى ابيهم اثناء حياة والده تكون بقدر المال المحدد في الوصية من جدهم ، فهناك فرق بين إقعاد اولاد الاولاد وبين مجرد الوصية لهم، ومع ذلك فان الإقعاد يتساوى مع الوصية لولد الولد فكلاهما تصرف لما بعد وفاة الموصي.
كما تجوز الوصية لولد الولد إذا لم يكن وارثا من جده إضافة للاقعاد شريطة ان لا يتجاوز اجمالي قيمة الوصية لولد الولد مع الاقعاد ثلث تركة الموصي.
الوجه الثاني: جواز الوصية لولد الولد إذا كان معوقا عن الكسب وفقيرا ولو كان والده وارثا:
وفي هذا السياق نصت المادة (235) من القانون ذاته على أنه (لا تصح الوصية لوارث الوارث في حياة مورثه إلا لمبرر يعوقه عن التكسب كالأعمى والأشل وامثالهما مع الفقر)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر انه قد اجاز الوصية لولد الولد اذا كان معوقا كالاعمى أو المشلول أو المجنون أو المريض بمرض مزمن يعوقه عن العمل والكسب ، وفي هذه الحالة يشترط أن يكون ولد الولد فقيرا لامال له ، وتجوز الوصية لولد الولد المعوق ولو كان والده وارثا ، لان الغرض من الوصية في هذه الحالة هو إعانة ولد الولد المعوق.
غير ان الفقر وحده لايكون سببا مستقلا لجواز الوصية لولد الولد، فالفقر ليس سببا مستقلا لجواز الوصية لولد الولد ، وانما الفقر شرط لجواز الوصية لولد الولد المعوق.
الوجه الثالث: جواز الوصية لولد الولد حتى اذا كان وارثا ولم يكن معوقا اذا اجازها ورثة الموصي:
سبق القول في الوجهين السابقين انه تجوز الوصية لولد الولد إذا كان معوقا عن الكسب وكان فقيرا ، وذكرنا أيضا انه تجوز الوصية لولد الولد إذا لم يكن وارثا من جده كبديل للاقعاد أو اضافة للاقعاد شريطة ان لايتجاوز اجمالي قيمة الوصية لولد الولد مع الاقعاد ثلث تركة الموصي.
بالاضافة إلى الحالتين السابقتين هناك حالة ثالثة تجوز فيها الوصية لولد الولد ، وهذه الحالة هي : قيام الورثة بإجازة الوصية لولد الولد مع انه وارث ومع ان والده على قيد الحياة ومع ان ولد الولد ليس معوقا فقيرا ، وذلك اذا اجاز الورثة الوصية لولد الولد، فاذا اجاز الورثة الوصية في هذه الحالة فان الوصية تكون جائزة ، وفي هذا المعنى نصت المادة (234) احوال شخصية على أنه (لاتصح الوصية للوارث الا بإجازة الورثة).
وينبغي ان تتم الإجازة بعد وفاة الموصي عملا بالمادة (237) أحوال شخصية التي نصت على انه (لا تصح إجازة الوصية إلا من بالغ عاقل مختار بعد وفاة الموصي).
فقد اشترطت هذه المادة أن تتم الإجازة بعد وفاة الموصي، اما إذا تمت الإجازة أثناء حياة الموصي فأنه يجوز للوارث الذي سبق له إجازة الوصية يجوز له الرجوع فيها ، عملاً بالفقرة (9) من المادة (33) أحوال شخصية التي نصت على أنه (تبطل الوصية بأمور هي: -9- رجوع المجيز عن إجازة تمت في حياة الموصي).
الوجه الرابع: معنى إجازة الورثة للوصية لأولاد الأولاد:
ذكرنا فيما سبق أن الوصية لأولاد الأولاد جائزة إذا اجازها الورثة بعد وفاة مورثهم الموصي، اما إذا كانت الإجازة أثناء حياة الموصي فيجوز للمجيز الرجوع عن إجازته على النحو السابق بيانه في الوجه السابق.
ومعنى إجازة الورثة للوصية لأولاد الأولاد بصفة عامة: هو موافقة الورثة او قبولهم بالوصية الصادرة من مورثهم لولد ولده ، وعلى هذا المعنى فإن الإجازة قد تقع صريحة عن طريق تلفظ الورثة بألفاظ تفيد قبولهم وموافقتهم على الوصية الصادرة من مورثهم أو قيامهم بكتابة موافقتهم على الوصية كتابة وهو الافضل.
ومن جانب آخر قد تكون الإجازة ضمنية ، وذلك بأن يقوم الورثة بعد وفاة مورثهم بإخراج الوصية لأولاد الأولاد من رأس التركة قبل قسمة التركة أو قسمة التركة وترك الأموال الموصى بها وتسليمها إلى الموصى لهم أو قيام الورثة بقسمة الاموال الموصى بها بين اولاد الاولاد الموصى لهم ، فهذه التصرفات تفيد رضاء وقبول الورثة بالوصية لأولاد الأولاد مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
وفي بعض الحالات قد يجيز الوصية لولد الولد جميع ورثة الموصي، فعندئذ تكون الإجازة نافذة بحق الورثة جميعا ، وفي بعض الحالات يقوم بعض الورثة بإجازة الوصية في حين يرفض البعض الاخر إجازتها ، ففي هذه الحالة تكون الإجازة نافذة في حق من اجازها ولاتكون نافذة في حق من لم يجزها.
الوجه الخامس: مدى جواز الوصية لأولاد الأولاد الذكور دون الإناث:
قضى الحكم محل تعليقنا بصحة الوصية لاولاد الاولاد الذكور، اذا كان قد سبق للورثة قسمة الثلث الموصى به على بعض اولاد الاولاد الذكور باعتبار تلك القسمة قبولا ضمنيا بالوصية لاولاد الاولاد الذكور، حسبما سبق بيانه في أسباب الحكم محل تعليقنا.
ولا شك أن الوصية للذكور من غير الورثة جائزة بإتفاق ، اما الوصية لأولاد الأولاد ذكوراً وإناثاً فقد سبق القول بأنها غير جائزة إلا ذا كان أولاد الأولاد معوقين عن الكسب وفقراء أو كانوا اصحاء شريطة إجازة الورثة لهذه الوصية بعد وفاة الموصي، أوفي حالة إذا لم يكن اولاد الاولاد من ورثة الموصي واوصى لهم جدهم الموصي بوصية بدلا من إقعادهم أو اضافة إلى إقعادهم بما لا يتجاوز ثلث تركة الموصي على النحو السابق بيانه.
فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الوصية جائزة للذكور فقط من أولاد الأولاد حتى لو كان اباؤهم ورثة للموصي شريطة اجازتها من الورثة صراحة أو ضمناً على النحو السابق بيانه.
علماً بأنه من الشائع في اليمن وغيرها أن يوصي الموصي للذكور من اولاد أولاده لأنهم من ذريته ينسبوا إليه ويحملوا اسمه بخلاف الإناث اللاتي ينسب ابناءهن إلى ازواجهن وليس إلى آبائهن، حيث يستشهد الفقهاء بقول الشاعر:
بنونا بنوا ابنائنا .. وبناتنا بنوهن ابناء الرجال الأباعد.
والله اعلم.