إبداء سبب بطلان حكم التحكيم أمام المحكمة العليا

إبداء سبب بطلان حكم التحكيم أمام المحكمة العليا

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
إبداء سبب بطلان حكم التحكيم أمام المحكمة العليا
إبداء سبب بطلان حكم التحكيم أمام المحكمة العليا

حدد قانون التحكيم في المادة (53) حالات بطلان حكم التحكيم، كما أن القانون ذاته حدد الوسيلة القانونية لمواجهة حالات بطلان حكم التحكيم وهي دعوى بطلان حكم التحكيم التي يتم رفعها امام محكمة الاستئناف المختصة ، التي تتولى الرقابة القانونية على أحكام التحكيم، وبناءً على ذلك يجب على الخصم أن يثير في دعوى البطلان أسباب بطلان حكم التحكيم كافة، أما عندما يطعن الخصم بالنقض أمام المحكمة العليا فإن الطعن يكون في الحكم الاستئنافي وليس في حكم التحكيم، فلايجوز للطاعن ان يبدي في طعنه بالنقض سببا جديدا من أسباب بطلان حكم التحكيم لم يسبق له إثارته في عريضة دعوى بطلان حكم التحكيم ، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-1-2010م في الطعن رقم (37789)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((فقد نعى الطاعن على الحكم الاستئنافي أنه رفض دعوى البطلان مع ثبوت أن بعض محاضر جلسات هيئة التحكيم المكونة من ثلاثة محكمين لم يكن موقعاً عليها إلا من قبل أحد المحكمين فقط دون بقية هيئة التحكيم، وهذا النعي غير سديد، لأن الطاعن لم يذكر هذا السبب ضمن دعواه ببطلان حكم التحكيم، كما أنه لم يعترض على تلك الإجراءات أمام لجنة التحكيم حتى اصدرت حكمها الممهور بتوقيع جميع اعضائها، مما يتعين معه رفض هذا السبب من الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: 

الوجه الأول: دعوى بطلان حكم التحكيم وأسباب البطلان: 

نصت المادة (53) تحكيم على أنه (مع مراعاة أحكام هذا القانون لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الاحوال التالية: -أـ إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو انتهت مدته أو كان باطلا وفقا للقانون. -ب ـ إذا كان أحد أطراف التحكيم فاقد الأهلية. -ج ـ إذا كانت الإجراءات غير صحيحة. -د ـ إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها. -هـ ـ إذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لاتفاق التحكيم. - وـ إذا لم يكن حكم التحكيم مسببا. -زـ إذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام، وفيما عدا هذه الاحوال والأحوال المبينة في هذا القانون فان أحكام التحكيم التي تصدر وفقا لهذا القانون لا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية)، وعندما حدد القانون حالات بطلان حكم التحكيم على سبيل الحصر، حسبما ورد في النص السابق اذ يظهر اتجاه المقنن اليمني إلى حصر حالات البطلان حتى يتقيد بها المدعي ببطلان حكم التحكيم، فلا يتوسع فيها مما يعطل الغاية من فكرة التحكيم الذي يقوم على التراضي والقبول من الخصوم المحتكمين ، ويهدف إلى الفصل في الخصومة بيسر وسهولة وسرعة قد لا تتحقق عند نظرها من قبل القضاء. 

وقد حدد قانون التحكيم اليمني الطريقة القانونية التي يجب على الخصم إتباعها إذا تحققت إحدى حالات بطلان حكم التحكيم المقررة في المادة (53) تحكيم السابق ذكرها، وهذه الوسيلة هي: دعوى بطلان حكم التحكيم التي يقوم الخصم المحتكم برفعها أمام محكمة الاستئناف المختصة، وتقوم محكمة الاستئناف بنظر دعوى البطلان على أساس أنها محكمة قانون في حدود حالات البطلان المقررة في المادة (53) تحكيم مثل محكمة الاستنئناف في ذلك مثل المحكمة العليا عند نظرها في الطعون المرفوعة أمامها في ضوء حالات الطعن بالنقض المقررة في المادة (292) مرافعات.

وعلى هذا الأساس فإن عريضة دعوى بطلان حكم التحكيم تختلف عن عريضة إستئناف الحكم الصادر عن القضاء، وبناءً على ذلك فإن المحل الصحيح لبيان أسباب بطلان حكم التحكيم هو دعوى بطلان حكم التحكيم وليس عريضة الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي. 

الوجه الثاني : الطعن بالنقض يجب أن يتجه إلى الحكم الاستئنافي وليس إلى حكم التحكيم: 

ومعنى ذلك: أن أسباب الطعن بالنقض المحددة في المادة (292) مرافعات يجب أن تتجه إلى الحكم الاستئنافي المطعون فيه بالنقض الذي فصل في دعوى بطلان حكم التحكيم، فنطاق الطعن بالنقض في هذه الحالة هو مدى تحقق حالات الطعن بالنقض المحددة في المادة (292) مرافعات مدى تحققها في الحكم الاستئنافي، فليس محل الطعن بالنقض مدى تحقق حالات بطلان حكم التحكيم المقررة في قانون التحكيم في حكم التحكيم، فالحكم المطعون فيه بالنقض هو الحكم الاستئنافي وليس حكم التحكيم. 

غير أن الطاعن بالنقض إذا كان قد سبق له أن اثار في عريضة دعوى البطلان أسباب بطلان حكم التحكيم فأهملتها محكمة الاستئناف ولم تناقشها أو خالف الحكم الاستئنافي القانون أو اخطأ في تطبيقه أو خالف الإجراءات عند فصله في أسباب دعوى البطلان ، ففي هذه الأحوال يحق للطاعن أن يتعرض في طعنه بالنقض إلى أسباب دعوى بطلان حكم التحكيم التي تجاهلها حكم التحكيم أو خالف القانون أو اخطأ في تطبيق القانون عليها باعتبار ذلك من أسباب الطعن بالنقض المقررة في المادة (292) مرافعات. 

ومع هذا وذاك فلا يجوز للطاعن بالنقض وهو بصدد الطعن بالنقض أن يثير سبباً أو حالة من حالات بطلان حكم التحكيم لم يسبق له أن اثارها في عريضة دعواه ببطلان حكم التحكيم، فلا يجوز للطاعن بالنقض أن يثير في عريضة الطعن بالنقض حالة من حالات بطلان حكم التحكيم لم يسبق له أن اثارها في دعوى البطلان، لأن حالات الطعن بالنقض المقررة في المادة (292) مرافعات تختلف عن حالات بطلان حكم التحكيم المقررة في المادة (53) تحكيم، فضلاً عن أن الطعن بالنقض يتجه إلى الحكم الاستئنافي وليس إلى حكم التحكيم.

الوجه الثالث : إنفراد أحد أعضاء هيئة التحكيم بإجراء جلسات التحكيم والتوقيع عليها بمفرده: 

من المعلوم أن تعيين هيئة تحكيم مكونة من أكثر من محكم يعني: أن الخصوم أطراف التحكيم قد منحوا لهيئة التحكيم مجتمعة الولاية في نظر الخصومة القائمة بينهم والحكم فيها، ومعنى ذلك أنه يجب على هيئة التحكيم مجتمعة أن تباشر إجراءات التحكيم بما في ذلك عقد الجلسات والمداولة والحكم في الخصومة التحكيمية، ومؤدى ذلك أنه لا يجوز لهيئة التحكيم مباشرة إجراءات التحكيم إلا بهيئة مكتملة مثلها في ذلك مثل هيئة الحكم القضائية، وعلى هذا الأساس لا يجوز لهيئة التحكيم أن تعقد جلسات التحكيم إلا بكامل هيئتها وأنه يجب على مجموع أعضاء هيئة التحكيم أن يقوموا بالتوقيع على محاضر جلسات التحكيم. 

الوجه الرابع: عدم إعتراض الخصوم على قيام هيئة التحكيم بعقد جلسات من غير أن يكتمل عدد هيئة التحكيم: 

نصت المادة (9) من قانون التحكيم على أنه (إذا لم يعترض الطرف الذي يعلم بوقوع مخالفة لأحكام هذا القانون أو لشرط من شروط اتفاق التحكيم ويستمر رغم ذلك في إجراءات التحكيم دون تقديم إعتراضه في الميعاد أو في اقرب وقت يسقط حقه في الإعتراض ويعتبر متنازلاً عنه مالم تكن المخالفة على وجه لا يجيزه الشرع). 

ومن سياق هذا النص يظهر أن المخالفات لقانون التحكيم المقصودة في هذا النص هي تلك المخالفات التي تقع أثناء سير إجراءات التحكيم بما فيها جلسات التحكيم، وليس المخالفات التي تقع في مدونة حكم التحكيم، كما يظهر من خلال مطالعة النص السابق أن الحق في الإعتراض على المخالفة المذكور في النص مطلق بما في ذلك الإعتراض على هذه المخالفات في عريضة دعوى بطلان حكم التحكيم أو في الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي الذي يفصل في دعوى البطلان، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. 

لأن سكوت الخصم في الخصومة التحكيمية عن المخالفات التي تشوب إجراءات التحكيم أثناء سيرها وعدم إعتراضه عليها في حينه يعد موافقة منه على سير إجراءات التحكيم على هذا النحو، فالسكوت في معرض البيان رضا، ولذا فان إعتراض الخصم على تلك الاجراءات بعد ذلك لا يعد إعتراضاً على المخالفة ذاتها وإنما إعتراض على نتيجة حكم التحكيم عندما كانت في غير صالحه، والله أعلم.

الكلمات المفتاحية

بطلان حكم التحكيم دعوى بطلان حكم التحكيم أسباب البطلان الوسيلة القانونية الطعن بالنقض هيئة التحكيم جلسات التحكيم عدم اعتراض الخصوم

الوسوم

#بطلان_حكم_التحكيم #دعوى_بطلان_حكم_التحكيم #أسباب_البطلان #الوسيلة_القانونية #الطعن_بالنقض #هيئة_التحكيم