دور القانونين والموثقين والأمناء في الحد من تراكم القضايا: في القضاء والقانون اليمني
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
أهم إشكالية يعاني منها القضاء اليمني قلة القضاة وكثرة القضايا، ولذلك فأن من ضمن أوليات تطوير القضاء وتبسيط إجراءات التقاضي والحد من تراكم القضايا في المحاكم تطوير صياغة العقود والمحررات وتطوير توثيقها وتطوير قدرات ومهارات الموثقين باعتبار تطوير صياغة العقود والمحررات العقود والمحررات من أهم الوسائل والأدوات المناسبة التي تجفف منابع المنازعات والخصومات بين أفراد المجتمع ، لان العقود والمحررات هي وسائل تنفيذ النصوص القانونية التي تكون نصوصا عامة ومجردة ومجملة، فتطبيق نصوص القوانين غالبا عن طريق العقود والمحررات باعتبارها أدوات تنفيذ النصوص القانونية ، فاذا كانت صياغة العقد أو المحرر واضحة ومحددة ومفصلة ومرتبة بحسب اولوية تنفيذها وقابلة للتنفيذ في الواقع ، وكلما كانت صيغة العقد أو المحرر موافقة للشرع والقانون، وتضمنت كافة البيانات وتوفرت فيها كافة الاركان والشروط الشرعية والقانونية للتصرف أو المحرر ، وكلما تضمنت صيغة العقد أو المحرر معالجة الاشكاليات التي يتكرر حدوثها وتضمنت الصيغة كيفية واجراءات التعامل مع النزاع بشأن تفسير وتطبيق المحرر أو العقد ، فكلما كانت صياغة المحرر او العقد على هذا النحو ، فعندئذ ستقل حتما الخلافات والنزاعات في المجتمع ، وتبعا لذلك ستقل القضايا المرفوعة امام المحاكم. (مهارات الصياغة القانونية ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، ص 27).
وفي الوقت ذاته ينبغي تفعيل الدور الرقابي لاقلام التوثيق حتى تؤدي دورها في الرقابة على صحة وسلامة العقود والمحررات واستيفائها للإركان والشروط الشرعية و القانونية والتاكد من وضوح بنودها واستيفاء المحررات لكافة البيانات، والتحقق من قابلية بنود المحررات للتنفيذ اختيارا أو جبرا ،لاشك ان ذلك من أهم وسائل الحد من تدفق القضايا وتراكمها أمام القضاء.
كما أن تجفيف منابع الخصومات والمنازعات والحد من تدفق القضايا وتراكمها يستدعي النظر في أدوات ووسائل تنفيذ القوانين الإجرائية والمعنيين بإنفاذ القوانين ذات الصلة بالخصومات والمنازعات (القضايا)، ومن ذلك تفعيل دور المستشارين القانونين والادارات القانونية التي تتولى صياغة العقود والتصرفات الخاصة بالجهات الحكومية والشركات والمؤسسات والتي تتولى تقديم الاستشارات القانونية بشان تطبيق النصوص القانونية وبيان ماهو موافق او مخالف للقانون ، فمن المعلوم أن مخالفة أحكام الشرع ونصوص القانون تقع عندما تفتقد غالبية الشركات والمؤسسات والأفراد للإستشارات القانونية الرشيدة التي تبصر الجهات الحكومية والخاصة بالنصوص الشرعية والقانونية التي يجب عليهم مراعاتها في أعمالهم وتصرفاتهم، فضلاً عن قيام المستشارين والادارات القانونية بمعالجة أسباب النزاع والخصام والخلاف عند صياغتهم للعقود والإتفاقيات والإقرارات والسندات للحيلولة دون حدوث خلافات مستقبلية عند تطبيق وتنفيذا العقود والتصرفات، لأن من أهم أهداف الصياغة الجيدة للعقود والتصرفات هو تضمين العقد أو المحرر التدابير اللازمة لمنع حدوث أية خلافات بشأن تنفيذ العقد أو تفسيره في المستقبل بالاضافة الى وضوح الالتزامات الواردة في العقد وترتيبها المنطقي حتى تكون قابلة للتنفيذ اختيارا أو جبرا في المستقبل بيسر وسهولة، إضافة إلى أنه ينبغي تضمين العقود والتصرفات الوسائل البديلة للقضاء (كالتحكيم والصلح) ، فضلاً عن أنه يجب على القانونيين العاملين في صياغة العقود والمحررات كالمحامين والامناء والموثقين والمستشارين والعاملين في الإدارات القانونية في الجهات المختلفة تضمين العقود والتصرفات بنداً ينص على إعتبارها سندات تنفيذية بعد توثيقها لدى قلم التوثيق المختص، لأن هناك سعي حثيث لإعادة النص في المادة (328) مرافعات على إعتبار العقود والمحررات الموثقة سندات تنفيذية مثلما كان الحال قبل تعديل 2002م.
وكذا يجب أن تكون الإلتزامات الواردة في المحرر أو العقد واضحة ومحددة ومرتبة بحسب تاريخ تنفيذها في الواقع حتى يسهل تنفيذها إختيار أو جبراً أي أنه يجب أن تكون بنود العقد أو المحرر قابلة للتنفيذ الاختياري أو الجبري ، فلا تتم صياغة المحررات بصيغ عامة أو مجملة. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص37).
وعلى هذا الاساس فإن إصلاح قطاع العقود والمحررات وتفعيل الإستشارات والخدمات القانونية وإلزام الجهات الحكومية والخاصة بإعداد نظم وأدلة ارشادية لتنظيم أعمالها وتفعيل نظام الإستشارات والخدمات القانونية في الجهات الحكومية والخاصة سيكون وسيلة فاعلة في تجفيف منابع القضايا التي تتدفق على القضاء.
وفي هذا السبيل ينبغي أيضاً توفير خدمات قانونية واستشارية للفقراء والمعدمين عن طريق الخطوط الهاتفية الساخنة المجانية ، وعن طريق ما يسمى بالعيادات القانونية ، فهذا النظام يتم إتباعه في دول كثيرة، وقد توسعت بشأن دراسته كلية الحقوق بجامعة الاسكندرية بمصر، والله اعلم.
![]() |
دور القانونين والموثقين والأمناء في الحد من تراكم القضايا. |