الحكم بما لم يطلبه الخصوم يبطل حكم التحكيم

الحكم بما لم يطلبه الخصوم يبطل حكم التحكيم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

ضمن المبادئ الأساسية للاحكام يصرح قانون المرافعات اليمني في المادة (221) بأنه لا يجوز للمحكمة ان تحكم بما لم يطلبه الخصوم ، ولم يرد في قانون التحكيم اليمني نص مماثل يمنع المحكم من الحكم بمالم يطلبه الخصوم ، بيد ان قانون التحكيم قد نص في المادة (32) على أنه يجب على المحكم عدم الاخلال باحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام ، ومؤدى ذلك أنه يجب على المحكم عدم الاخلال بماورد في المادة (221)مرافعات التي سبقت الاشارة التي نصت على أنه لايجوز للمحكمة ان تحكم بما لم يطلبه الخصوم، لأن هذا النص الوارد في قانون المرافعات من النظام العام، لانه قد ورد ضمن المبادئ الأساسية للاحكام .
إضافة إلى أن الدعوى أساس الحكم، فالدعوى هي الطلب الذي يقرع سمع المحكمة، فالحكم بما لم يطلبه الخصوم يعني عدم وجود دعوى أو طلب، وان الحكم في هذه الحالة من غير أساس ، فضلاً عن أن الحكم بما لم يطلبه الخصم يخل بمبدا حياد القاضي، وهذا المبدأ من أهم المبادئ الحاكمة للقضاء والتقاضي، وهذا المبدأ من النظام العام الذيبح يجب على المحكم مراعاته عندما يحكم بحكم التحكيم ،علاوة على أن قانون التحكيم ذاته قد تضمن نصاً خاصاً يصرح بأنه لا يحق للمحكم أن يحكم بما لم يطلبه الخصوم في الخصومة التحكيمية ، حسبما ورد في المادة (29) من قانون تنظيم ، فضلاً عن أن حكم المحكم بما لم يطلبه الخصوم يتنافى مع ولاية المحكم الاستثنائية المقيدة بحدود موضوع التحكيم المحدد في إتفاق التحكيم، وحسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-6-2010م في الطعن رقم (40245)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((ولما كان حكم التحكيم لم يتضمن طلبات الخصوم ودفاعهم ولم يكن مسبباً بما فيه الكفاية وحكم بما لم يطلبه الخصوم ولم يكن منهياً للخصومة ، إذ أنه معلق بأيمان حاسمة لم يطلبها احد من الخصوم ، مع أن المادة (29) تحكيم الزمت المحكم أن لا يحكم بما لم يطلبه طرفا التحكيم))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: معنى طلبات الخصوم في الخصومة التحكيمية:

طلبات الخصوم: هي تلك الطلبات التي ترد في مذكرات الخصوم المقدمة منهم إلى المحكم أثناء التحكيم ، وكذا طلبات الخصوم الواردة في أقوالهم المزبورة في محاضر جلسات التحكيم، ويقوم الخصوم بإثبات طلباتهم في نهاية المذكرات المقدمة منهم ضمن بند (الطلبات) ، كما يجوز أن يقوم الخصوم بإثبات طلباتهم في محاضر جلسات التحكيم، وفي كل الأحوال يشترط أن تكون طلبات الخصوم صريحة ومحددة أو معينة ، وأن تقرع سمع المحكم بمعنى أنه يجب على الخصم أن يصر عليها، كما يجب أن تكون تلك الطلبات جازمة وقاطعة.

الوجه الثاني: حكم المحكم بما لم يطلبه الخصوم وفقاً لقانون التحكيم:

صرح قانون التحكيم اليمني بأنه لا يجوز للمحكم أن يحكم بما لم يطلبه الخصوم حسبما ورد في المادة (29) التي استند إليها الحكم محل تعليقنا، فقد نصت هذه المادة على أنه (على لجنة التحكيم الإلتزام بإتفاق التحكيم ولا يجوز لها أن تحكم بما لم يشمله إتفاق التحكيم أو بما لم يطلبه طرفا التحكيم) ، فهذا النص صريح في منع المحكم من الحكم بما لم يطلبه الخصوم.
ومن ناحية ثانية فقد نصت المادة (32) تحكيم على أنه (يحق لطرفي التحكيم أن يتفقا على الإجراءات التي يتعين على لجنة التحكيم إتباعها فإذا لم يوجد أي إتفاق قائم فأنه يجوز للجنة التحكيم أن تتبع ما تراه ملائماً من الإجراءات مع ضرورة مراعاة أحكام هذا القانون وعدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام)، ويظهر من عبارة (مع ضرورة) أن إلتزام المحكم بأحكام قانون التحكيم والنصوص المتعلقة بالنظام العام في قانون المرافعات واجب وملزم للمحكم، وقد سبق القول أن المادة (29) تحكيم قد صرحت بأنه لا يجوز للمحكم أن يحكم بما لم يطلبه الخصوم ، ومن خلال صيغة هذا النص يظهر انه ٱمر من النظام العام يجب العمل بموجبه.
كما أنه من المقرر في قانون المرافعات اليمني ضمن المبادئ الحاكمة للقضاء والتقاضي مبدأ حياد القاضي ، حسبما ورد في المادة (21)،وهذا المبدأ من النظام العام في قانون المرافعات الذي يجب على المحكم عدم الاخلال به وفقا للمادة (32) تحكيم.
إضافة إلى أن قانون المرافعات قد منع الحكم بما لم يطلبه الخصوم في المادة (221) التي نصت على أنه لايجوز للمحكمة ان تحكم بما لم يطلبه الخصوم ، ولان هذا النص المقرر في قانون المرافعات من النظام العام فانه يجب على المحكم عدم الاخلال به عند اصدار حكمه .

الوجه الثالث: حكم المحكم بما لم يطلبه الخصوم مخالف للنظام العام:

النظام العام مقرر في القوانين التي تنظم العمل القضائي والتحكيم مقررة للصالح العام لأفراد المجتمع ككل ، بغرض تحقيق العدالة، فلا يجوز للأفراد أن يتفقوا على خلافه، لانه ليس مقررا لصالح الفرد على حدة ، فالاتفاق على خلاف النظام العام يمس مصالح المجتمع بأسره، وقد سبق أن ذكرنا أن الحكم بما لم يطلبه الخصم قاعدة من قواعد النظام العام القضائي باعتباره من جملة المبادئ الأساسية للحكم بصفة عامة.
 ومن هذا المنطلق فأن الحكم بما لم يطلبه الخصوم يعد من حالات بطلان حكم التحكيم المقررة في الفقرة (ز) من المادة (53) تحكيم التي نصت على أنه (لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: -ز- إذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام...إلخ)، والله أعلم.
الحكم بما لم يطلبه الخصوم يبطل حكم التحكيم
الحكم بما لم يطلبه الخصوم يبطل حكم التحكيم.