المنازعة في سند أمر الأداء في القانون اليمني
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.![]() |
المنازعة في سند أمر الأداء. |
اشترط قانون المرافعات اليمني لصدور أمر الأداء أن يكون الدين المطلوب ثابتاً بالكتابة أي ثابت بمحرر مكتوب ، وهو المقصود بسند أمر الاداء ، كما اشترط القانون ذاته أن يكون الدين المطلوب الأمر به خالياً من النزاع، وتبعاً لذلك إذا حدث النزاع بين طالب الامر والمطلوب ضده بشأن صحة وسلامة سند الدين، فإن ذلك يعني حدوث النزاع بشأن صحة الدين الثابت في السند، وهذا يعني تخلف شرط من أهم الشروط القانونية لإصدار أمر الأداء، وذلك يقتضي أن طلب أمر الاداء في هذه الحالة يتحول إلى دعوى موضوعية يتم أثناء نظرها التحقق من صحة السند المثبت الدين أو سند امر الاداء، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-10-2010م في الطعن رقم (41329)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((بعد الإطلاع على الأوراق مشتملات الملف تجد الدائرة: أن الطعن على الحكم الاستئنافي قد تضمن أن الشعبة لم تنتبه إلى حقيقة طلب أمر الأداء وعلى قدح الطاعن في صحة مستند أمر الاداء، حيث أن الطاعن قد ذكر بأنه وضع بصمته على المحرر دون ان يعلم بمحتواه، لأنه لا يقرأ ولا يكتب ،وطلب الطاعن اليمين من المطعون ضده ، فتعللت الشعبة أنه كان على الطاعن توجيه اليمين الى مدير الفرع...إلخ.
والبين مما ورد في الطعن وأوراق القضية أن الطاعن قد اثار منازعته بشأن صحة سند أمر الأداء بأنه بصم على السند دون أن يعلم بمحتواه إضافة إلى أنه قد اثار أمام الشعبة حصول التسليم والوفاء بمبلغ الدين الثابت في السند ، فقد ابرز الطاعن سندات قبض صادرة في تاريخ لاحق للسند للتدليل على صحة دفاعه، ومن خلال ما سبق ذكره يتبين وجود حالة منازعة في أصل الحق المطالب به، مما يكون مؤثراً في شرط خلو الحق من النزاع، وفي هذه الحالة ينبغي التثبت من مدى جدية تلك المنازعة والتأكد من الشروط الموجبة لإصدار أمر الأداء من عدمه سيما أن تواريخ سندات القبض المقدمة من الطاعن تاريخها لاحق لتاريخ سند أمر الاداء، ومعنى ذلك أن النزاع متعلق بصحة وسلامة أمر الأداء ومدى توفر شروطه، وأنه قد صدر بمقتضى القانون بأن يكون الحق خالياً من النزاع، وكان على الشعبة التحري من جدية المنازعة، فإذا ما تبين لها ذلك فإن الوسيلة للمطالبة بالحق هو إتباع رفع دعوى عادية أمام محكمة أول درجة يتحقق فيها حق الدفاع واستيفاء طرق الإثبات بما في ذلك اليمين ممن لزمت قانوناً، وعليه فيتعين نقض الحكم))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: المقصود بسند أمر الأداء:
سبق القول أن قانون المرافعات اليمني اشترط من ضمن شروط أمر الأداء أن يكون حق الدائن طالب أمر الاداء ثابتاً بالكتابة حسبما ورد في المادة (263) مرافعات، ومؤدى ذلك أن يكون لدى الدائن طالب أمر الأداء محرر مكتوب يتضمن مبلغ الدائن الثابت بذمة المدين المطلوب صدور الأمر بإلزامه بدفع الدين المحدد في السند الكتابي.
ولم يشترط قانون المرافعات أية شروط في المحرر أو السند المذكور فيه الدين، غير أنه من المسلم به أنه ينبغي ان يكون السند صادرا عن المدين نفسه بخطه وتوقيعه أو أن يكون السند مكتوباً بخط الغير وقام المدين بالتوقيع عليه أو وضع بصمته عليه بما يفيد إقراره بالدين الثابت في السند، وقد يكون المدين قد املئ السند على غيره بمعنى أن يقوم الغير بكتابة السند ويتم الإشهاد على أن المدين قد املئ السند على الغير، وأنه قد تم تحرير السند بناءً على طلب المدين، فيصلح هذا المحرر كي يكون سنداً لأمر الأداء طالما أنه من الثابت بالشهادة أنه تم تحرير السند بناءً على طلب المدين.
وفي كل الاحوال يجب أن يتضمن السند التحديد الواضح والصريح للدين أو الحق وأن يدل مضمون السند على أن المدين مقر بالدين وملتزم بسداده حتى يصلح المحرر أن يكون سنداً لأمر الأداء.
الوجه الثاني: المنازعة في صحة سند أمر الأداء:
ألمح الحكم محل تعليقنا إلى أن المنازعة في صحة سند أمر الأداء تسرب الشك إلى صحة الدين الثابت فيه ، وتجعل هذا الدين محلاً للخلاف بين الدائن والمدين، وذلك يتنافى مع شرط أن يكون الدين خالياً من النزاع، ولا تسرب المنازعة في سند أمر الأداء الشك إلى الدين الثابت في السند إلا إذا كانت المنازعة مؤيدة ببعض الأدلة أو القرائن، فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن سند أمر الاداء في القضية التي تناولها الحكم لم يكن سنداً سليماً لأمر الأداء، لأن المدين كان أمياً بالفعل وقد أدعى بأنه وضع بصمته على السند من غير أن يعلم بالضبط مضمون السند، والأهم من هذا وذاك أن المدين الطاعن كان قد ابرز أمام محكمة الموضوع سندات قبض صادرة من الدائن بعد تحرير سند أمر الأداء تدل هذه السندات أن المدين قد سدد مبالغ من الدين المذكور في سند أمر الاداء.
الوجه الثالث: أثر النزاع في صحة سند الأداء:
إذا نازع المدين في صحة وسلامة سند أمر الأداء فإن نزاعه إذا كان له وجه حسبما سبق بيانه فإن نزاعه قد اتصل بالدين الثابت بسند أمر الأداء مما يجعل الدين الثابت في السند محلاً للخلاف بين الدائن والمدين، وبذلك ينتكل شرط من أهم شروط أمر الأداء وهو خلو الدين من النزاع، وعندئذٍ تكون الوسيلة القانونية للفصل في الخلاف بشان موضوع الدين هي الدعوى الموضوعية في مواجهة خصمه المدين حتى يتيح ذلك للقاضي إجراء التحقيق الموضوعي للتثبت من إدعاءات المدين بشأن صحة سند أمر الاداء ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله أعلم.