إشراك الوالد لأولاده الأطفال في الشركة العرفية

إشراك الوالد لأولاده الأطفال في الشركة العرفية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
إشراك الوالد لأولاده الأطفال في الشركة العرفية
إشراك الوالد لأولاده الأطفال في الشركة العرفية


الشركات العرفية في اليمن أكثر من الشركات النظامية ، وفي بعض الشركات العرفية يقوم الوالد بصفته الولي الشرعي والقانوني على أولاده القاصرين غير البالغين يقوم بإشراكهم كشركاء في الشركة العرفية مع أولاده أو اخوانه البالغين ، ويقوم الوالد في هذه الحالة بدفع قيمة مساهمات اولاده القاصرين في الشركة العرفية ، ويكون إشراك الوالد لأطفاله في الشركة العرفية مع اخوانهم البالغين بمثابة الإشتراط لمصلحة الغير، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-10-2010م في الطعن رقم (44260)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((أما ما ذكره الطاعنون المدخلون تارة بأنهم كانوا قصار أثناء تحرير وثيقتي الشراكة وأنهما لم يوقعا عليهما، فيرد على ذلك أن إبرام تلك التصرفات كانت بمعرفة والدهم.... أما الإشارة إليهما ضمناً عند لفظ تم الرضاء بين الوالد وأولاده فقد كان من قبيل الإشتراط لمصلحة الغير من قبل والدهم، ومن ثم فلا وجه لما ذكره الطاعنون بشأن عدم توقيعهم ورضاهم بالمحررين))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية الشركة العرفية:

لأسباب كثيرة يفضل غالبية التجار اليمنيين مباشرة نشاطهم التجاري عن طريق الشركات العرفية، وهي الشركات التي لا يتم إشهارها أو تسجيلها لدى الجهة المختصة قانوناً (وزارة الصناعة والتجارة) ، فالشركات العرفية لا تتخذ الأشكال القانونية المقررة في قانون الشركات اليمني كالشركات ذات المسئولية المحدودة أو الشركات التضامنية أو الشركات المساهمة المفتوحة والمقفلة .

ومع أنه قد يكون للشركة العرفية اسم وعنوان تجاري، كما انها قد تتخذ شكل المؤسسة التجارية الفردية التي يتم تسجيلها باسم أحد الشركاء، كما قد لا يتم تسجيلها مطلقاً لدى الجهة المعنية، ففي كل هذه الاحوال تظل الشركة عرفية غير نظامية .

الوجه الثاني: ماهية الإشتراط لمصلحة الغير:

الإشتراط لمصلحة الغير يعني: تعاقد شخص باسمه يسمى المشترط مع آخر يسمى المتعهد على تحقيق إلتزام لمصلحة شخص ثالث أجنبي عن العقد يسمى المستفيد أو المنتفع، وفي هذا المعنى نصت المادة (217) من القانون المدني على أنه (إذا اشترط احد المتعاقدين شيئا لمصلحة الغير فانه يترتب على هذا الاشتراط الاثار الآتية ما لم يتفق المتعاقدان على غيرها او تكون مخالفة لمقتضى العقد: أولاً: يكتسب المنتفع حقا مباشرا قبل المشترط عليه يستطيع بمقتضاه ان يطالبه بتنفيذ الاشتراط. ثانياً: يكون للمشترط نفسه مطالبة المشترط عليه بتنفيذ ما اشترطه لمصلحة الغير. ثالثاً: يكون للمشترط عليه التمسك نحو المنتفع بالاشتراط بكل مدافعه تنشا عن العقد. رابعاً: يكون للمشترط نقض اشتراطه قبل ان يطلب الغير المنتفع الاستفادة مما شرط لمصلحته ما لم يتعارض ذلك مع مقتضى الاشتراط ويسقط هذا الحق بوفاة المشترط. خامساً: يجوز للمشترط احلال شخص اخر محل المنتفع بالاشتراط ويجوز له الانتفاع بنفسه ما لم يتعارض ذلك مع مقتضى العقد).

ومن خلال إستقراء ما ورد في هذا النص ومن خلال مطالعة ما ورد في الحكم محل تعليقنا يظهر أن الحكم محل تعليقنا قد استند إلى هذا النص في قضائه بان إدراج الوالد لأولاده الأطفال (القاصرين) ضمن الشركاء في الشركة العرفية القائمة بين الوالد وأولاده البالغين كان من قبيل الإشتراط لمصلحة الغير وهم الاولاد القاصرين، فقد كان الوالد هو المشترط وأولاده البالغين المشترط عليه وأولاده القاصرين المستفيد أو المنتفع، سيما ان القانون المدني اليمني يجيز الإشتراط لمصلحة القاصر ، حسبما ورد في المادة (218) التي نصت على انه (يجوز في الإشتراط لمصلحة الغير ان يكون المنتفع إنسانا أو جهة موجودين أو محتملي الوجود ، كما يجوز أن لايعين المنتفع وقت العقد متى كان تعيينه مستطاعا وقت أن ينتج الإشتراط اثره).

الوجه الثالث: قيمة مساهمة الأولاد الأطفال في الشركة العرفية:

إشراك الأولاد الأطفال في الشركة العرفية يعني: أن تكون لكل واحد منهم نسبة معينة من رأس مال الشركة وعدد معين من حصص الشركة ويكون هولاء شركاء في الربح والخسارة بقدر نسبة مساهمته، ومؤدى ذلك أن كل واحدٍ من الأطفال قد دفع قيمة مساهمته.

 ومن المعلوم أن المشاركة كشريك في الشركات يعد عملاً تجارياً ، ومن المعلوم ان العمل التجاري من التصرفات الدائرة بين الربح والخسارة الأمر الذي يمنعه الفقه والقانون إذا كانت قيمة المساهمة في الشركة من مال الطفل، أما إذا كانت قيمة مساهمة الطفل هبة أو عطية من الوالد من لولده الطفل أو من الغير فإن ذلك جائز ، لأن قيمة المساهمة ليست من مال الطفل، كما أن الطفل لم يقبض المال الموهوب في حالة قيام الوالد بدفع قيمة مساهمة الطفل في الشركة العرفية، إضافة إلى أن الوالد هو الذي يتولى إدارة حصة أو مساهمة الطفل في الشركة ويحافظ عليها وينميها ، ويمثل الطفل في الشركة للقيام بواجباته واستلام حقوقه كشريك بصفة الوالد هو الولي الشرعي والقانوني لابنه الصغير.

غير أنه يجب على الوالد حينما يقوم بدفع قيمة مساهمة ابنه الطفل في الشركة العرفية يجب على الوالد في هذه الحالة أن يساوي بين أولاده بإعتبار ذلك من قبيل العطية أو النحلة أو الهبة ، وتكون المساواة بحسب قواعد الميراث ، حسبما هو مقرر في فقه الشريعة الإسلامية وفي قانون الاحوال الشخصية اليمني . (الولاية على الطفل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص27).

الوجه الرابع: جواز إشراك الوالد لطفله في الشركة العرفية وعدم جواز ذلك بالنسبة للشركة النظامية:

سبق القول في الوجه السابق أنه يجوز للوالد إشراك ولده الطفل في الشركة العرفية شريطة أن تكون قيمة مساهمة الطفل من مال الوالد أو الغير وليس من مال الطفل نفسه ، وشريطة أن يقوم الوالد بالمحافظة على حقوق ابنه الطفل في الشركة بإعتبار الوالد ولياً شرعياً عن ابنه القاصر، غير أنه لا يجوز للوالد إشراك ولده الطفل في الشركة النظامية كشريك فيها، لأن الشركات النظامية كالشركات المساهمة المفتوحة والمقفلة والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات التضامن تكون شركات نظامية يجب عليها الإلتزام والتقيد بالنصوص القانونية النظامية للشركات النظامية المشار إليها، وقد صرح القانون التجاري بأن الأهلية اللازمة لمباشرة الأعمال التجارية ومنها ألشراكة في الشركات النظامية هي (18) سنة بخلاف الشركات العرفية التي قد ينظمها عقد شراكة بين الشركاء فيها، وقد تكون مسجلة لدى الوزارة المعنية (وزارة الصناعة والتجارة أو وزارة الاقتصاد) كمؤسسة فردية باسم أحد الشركاء فيها، ويتم النص في عقد الشراكة في الشركة العرفية أن تسجيلها باسم أحد الشركاء لا يخل بحقوق الشركاء الواردة في عقد الشركة، فالشركة العرفية من اسمها لا تتقيد بما ورد في قانون الشركات.

الوجه الخامس: يجوز للوالد أثناء حياته الرجوع عن هبته بقيمة مساهمة ابنه الصغير طالما ان ابنه الموهوب له لم يقبض الهبة أثناء حياة الوالد:

هذه المسألة خلافية في الفقه الإسلامي، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز رجوع الواهب عن هبته مطلقاً سواءً أكان الواهب أحد الوالدين أم غيرهما وسواءً قبض الموهوب له الهبة أم لم يقبضها، وحجة هؤلاء حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (العائد في هبته كالكلب العائد في قيه) ، في حين ذهب فريق من الفقهاء إلى جواز رجوع الوالدين عن هبتهما لأبنائهما ولا يجوز رجوع غيرهما، واشترط هؤلاء الفقهاء أن لا يكون الموهوب له قد قبض الهبة وتعلق بها حق لغيره، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية اليمني بالقول الفقهي الذي ذهب إلى جواز رجوع الوالد عن هبته لأولاده أثناء حياة الوالد مالم يقبضها الولد أثناء حياة والده عملاً بحديث النبي صلى الله عليه واله وسلم: أنت ومالك لأبيك.

الوجه السادس : الباعث الدافع للوالد على إشراك أولاده القاصرين في الشركة العرفية:

تدر الشركة العرفية ارباحاً وفيرة تزيد بكثير عن عائدات أموال الوالد الأخرى، فيجد الوالد أن شراكة أولاده البالغين وحدهم في الشركة العرفية ستؤدي في المستقبل إلى صراع وبغضاء وحسد بين الأولاد البالغين الشركاء في الشركة العرفية وبين اخوانهم القاصرين أو اخواتهم غير الشريكات في الشركة العرفية، ولذلك فإن الوالد يقوم بإشراك الأولاد الأطفال وكذا البنات كشركاء بنسب معينة في رأس مال الشركة العرفية ، وفي الوقت ذاته يقوم الوالد بتعويض أولاده البالغين في الشركة العرفية بجزء من أرباح الشركة مقابل سعيهم وعملهم في الشركة العرفية، والله اعلم.