اهمية تحديد الخصم الحقيقي في القضية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من المهم للغاية تحديد الخصوم الحقيقيين في القضية حتى تتم إجراءات التقاضي في مواجهتهم ، وحتى تكون الأحكام حجة عليهم ، وحتى يتم تحقيق مبدأ الإقتصاد في إجراءات التقاضي وعدم الهدر الإجرائي، ومنع تقطيع اوصال القضية الواحدة ، وذلك كله وسيلة من أهم وسائل الحد من ظاهرة إطالة إجراءات التقاضي، ويستطيع القاضي الحصيف تحديد الخصوم الحقيقيين في القضية من خلال إلزامه للمدعي بالحق إثبات حقه بطريقة نظامية صحيحة فإذا أفلح القاضي في التحقق من أدلة الحق المدعى به فإنه يستطيع من خلال ذلك أن يحدد من هو المدعي الحقيقي ومدى توفر الصفة والمصلحة في المدعي،ومن خلال إستيفاء القاضي للدعوى وأدلة المدعي وفحصها في البداية يستطيع القاضي أيضاً أن يحدد المدعى عليه الحقيقي في القضية الذي ينبغي أن توجه إليه الدعوى ،ومعرفة ما إذا كان قد تم توجيه الدعوى إلى المدعى عليه الحقيقي، وفي الوقت ذاته وبالطريقة ذاتها يستطيع القاضي أن يحدد الأشخاص الذين يجوز لهم التدخل في الدعوى أو اولئك الذين يجب على القاضي إدخالهم، لأن الحق المدعى به محل النزاع والادلة المتعلقة به اثباتا ونفيا هى التي تحدد صلة الخصوم بالحق محل النزاع ، ومن هذا المنطلق تظهر الأهمية البالغة لتحديد الخصم الحقيقي في الدعوى، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-6-2010م في الطعن رقم (39980)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه، ((فمن المعلوم قانوناً أن الخصم الحقيقي هو الذي يقيم الدعوى أو تقام عليه الدعوى أو تقبل المحكمة تدخله في الدعوى إنضمامياً أو إختصامياً وفقاً للقواعد العامة، والخصم الحقيقي هو الذي يجب أن تتخذ إجراءات الخصومة في مواجهته ، والقول بغير ذلك مصادرة لصحيح القانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: إلزام المدعي بتحديد المدعى به وإثباته في البداية هو الذي يحدد الخصوم الحقيقيين في الدعوى:
اشترط قانون الإثبات اليمني في المادة (6) اشترط في الدعوى (من حيث الإثبات والإجابة عليها ما يأتي: -1- ثبوت يد المدعى عليه على الحق المدعى فيه حقيقة أو حكماً -2- تعيين الحق المدعى فيه بحد أو لقب أو وصف أو نحوه كلٍ على حسبه....إلخ)، ومن جهة أخرى اشترطت المادة (104) من قانون المرافعات أن تتضمن عريضة الدعوى عدة بيانات منها (-6- بياناً وافياً مختصراً عن موضوع الدعوى وأدلتها إجمالاً وطلبات المدعي محددة نوعها وصفتها وهل يطلبها بصفة مستعجلة أم عادية وترفق بها المستندات بحافظة) .
ففي ضوء النصين القانونين السابقين يستطيع القاضي إلزام المدعي بالبيان الواضح والدقيق لموضوع الدعوى أو الحق المدعى به محل النزاع وكذا تقديم أدلة إثبات الحق المدعى به من قبل المدعي وبيان وجه استدلاله بها، وكذا الزام المدعى عليه بالبيان الواضح والدقيق لعريضة رده على الدعوى أو دفعه لها وبيان المدعى عليه لأدلة نفي الدعوى في هذا الشأن وبيان وجه استدلاله بها، ومن خلال دراسة القاضي الأولية المتأنية للدعوى والرد عليه وادلة الطرفين، من خلال ذلك يستطيع القاضي ان يتبين الحق المدعى به وصلة الخصوم بالحق المدعى به محل الخلاف ، وما إذا كان هناك خصوم آخرون ليسوا ممثلين في الدعوى يجب إدخالهم أو يجوز تدخلهم على النحو المقرر في قانون المرافعات، وكذا يستطيع القاضي التثبت مما إذا كان الممثلون في الدعوى الأصلية ليس لهم صلة حقيقية بالحق المدعى به وإنما يهدفوا إلى الحصول على حكم يسوغ استيلاءهم على حق الغير ويخول لهم حق التصرف في ذلك الحق.
فإلمام القاضي وإحاطته بالحق المدعى به وأدلته إثباتاً ونفياً يجعل القاضي قادراً على التحديد الدقيق للخصوم الحقيقيين بالنسبة للحق المدعى به.
الوجه الثاني: عدم تحديد الخصم الحقيقي في القضية من أسباب إطالة إجراءات التقاضي:
لا شك أن عدم تحديد الخصم الحقيقي في القضية يفضي إلى إطالة إجراءات التقاضي ، فضلاً عن أنه يؤدي إلى هدر الإجراءات في مواجهة خصوم لم يتم التحقق من صفاتهم إضافة إلى أن عدم تحديد الخصوم الحقيقيين يؤدي إلى تناقض الاجراءات والأحكام في الموضوع الواحد أو القضية الواحدة ، بحسب إختلاف الأطراف في الموضوع الواحد عندما يتعدد الأطراف ولا يتم إختصامهم أو إدخالهم في القضية الواحدة ففي هذه الحالة تتناقض الاجراءات والاحكام وتتقطع اوصال القضية الواحدة ، بخلاف الحال لو تم تحديد الخصوم وجمعهم في القضية الواحدة حتى يكون الحكم الواحد حجة عليهم وحاسما الخلاف بين كافة الاطراف.
والمعوّل على قاضي التحضير الذي استحدثه القانون اليمني مؤخرا أن يتولى مهمة تحديد الخصوم الحقيقيين في القضية الواحدة عند تحضيره للدعوى بما يكفل الفصل في القضية الواحدة في مواجهة كافة الخصوم الحقيقيين المعنيين بها.
الوجه الثالث: إفتعال الظلمة والغاصبين للدعاوى للحصول على أحكام قضائية أو تحكيم تبرر غصبهم:
كثير من الظلمة والغاصبين يقوموا بالبسط والغصب لأموال غيرهم، فلا يستطيع الظلمة التصرف في تلك الأموال المغصوبة، ولذلك يسعى اولئك الغاصبون إلى سلوك حيل قانونية وقضائية عدة للحصول على مستندات تمكنهم من التصرف بتلك الأموال المغصوبة، ومن هذه الحيل: إفتعال نزاع بين أفراد عصابة الغاصبين ثم التصالح بينهم بشأن المال المغصوب محل النزاع بين الغاصبين فيكون عقد الصلح حجة بيد الغاصبين يستدلوا بها على احقيتهم في المال المغصوب وبموجب عقد الصلح يقوم الظلمة بالتصرف بالمال المغصوب ، علماً بأن هذا العقد لا يكون حجة في مواجهة المالك الحقيقي عملا بمبدا نسبية العقد التي تعني ان حجية العقد قاصرة على اطراف العقد ، ومن الحيل التي يستعملها الغاصبون لأموال الغير: إفتعال الظلمة الغاصبين لنزاع بينهم ثم اللجوء إلى القضاء أو التحكيم لحسمه بحكم بين الغاصبين الذين أفتعلوا النزاع للحصول على حكم قضائي أو حكم تحكيم يشرعن غصبهم، وأيضاً هذا الحكم لا يكون حجة في مواجهة المالك الحقيقي للأرض المغصوبة عملاً بقاعدة الأثر النسبي للأحكام التي تعني أن الحكم لا يكون حجة إلا على الخصوم الذين تنازعوا أمام القاضي أو المحكم.
ومن الحيل التي يلجأ إليها الظلمة الغاصبون للحصول على مستندات تبرر إغتصابهم لأموال غيرهم: قيام أفراد عصابة الغاصبين ببيع الأرض أكثر من مرة في فترات متقاربة ، فيترتب على البيع المتكرر للمال المغصوب مرات عدة حصول الغاصب أو الغاصبين على مستندات تدل على إنتقال الملكية من غاصب إلى غاصب إلى غاصب، وهذه هي أخطر الحيل حيث يوجد البيع المتكرر للمال اصول مستندات ملكية كما لو ان المال أو الارض المغصوبة قد انتقلت الى الغاصب بطريقة شرعية وهي الشراء للمال، ولذلك فأن المستشارين في اليمن يشككوا دوماً في التصرفات المتكرر المتعاقبة على العين الواحدة إذا تمت خلال فترات متقاربة.
وعلى هذا الأساس فإنه يجب على القاضي أن يكون يقظاً عند دراسته للدعوى والإجابة وادلة الاثبات والنفي حتى يتحقق من الخصوم الحقيقيين في الدعوى الذين يجب أن يكونوا ممثلين في القضية التي ينظرها القاضي، والله أعلم.
![]() |
اهمية تحديد الخصم الحقيقي في القضية. |