الضمين المسلم أمام المحكم

الضمين المسلم أمام المحكم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الضمين المسلم أمام المحكم
الضمين المسلم أمام المحكم

من العادات التي استقرت لدى المحكمين في اليمن أن يكلف المحكم الخصوم بتقديم ضمانات لتنفيذ حكمه بعد النطق به والإلتزام به أو تكليف الخصوم بتقديم كفلاء مسلمين يلتزم الكفيل بموجب الكفالة أو الضمانة بتنفيذ حكم المحكم بعد صدوره ، ويقوم الخصم بتقديم الضمين المسلم مقدما أي قبل ان ينطق المحكم بالحكم، والضمين المسلم يعني أنه كفيل وملتزم بتنفيذ ما سيحكم به المحكم على الخصم المكفول عليه ، ومؤدى ذلك ان الضمين المسلم قد ضم ذمته المالية إلى الذمة المالية للخصم المكفول عليه ، وانه يجوز تنفيذ حكم المحكم في مواجهة الضمين المسلم وان كافة الاموال الداخلة في ذمته المالية تصير ضمانا عاما يجوز التنفيذ عليه لاقتضاء الشي المحكوم به بموجب حكم التحكيم، فكافة آثار الكفالة تترتب في هذه الحالة ويحق للمحكوم له بحكم التحكيم الرجوع على الخصم أو الكفيل المسلم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-2-2010م في الطعن رقم (38609)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وعليه وبعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة: أن خصومة الطعن بالنقض تمحورت حول نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته لأحكام القانون التجاري بشأن الكفالة التجارية وأحكام القانون المدني بشأن أحكام الكفالة فيه ، خاصة أن المادة (1039) مدني تنص على صحة الكفالة بما سيثبت مستقبلاً فإن ثبتت الكفالة قبل رجوع الكفيل لزمته، وأخيراً فإن قانون التحكيم اجاز في المادة (31) للجنة التحكيمية أن تطلب من طرفي التحكيم تقديم الضمانات اللازمة لسير إجراءات التحكيم وتنفيذ حكم التحكيم، وقد اشتمل حكم التحكيم على ما يفيد تقديم كل طرف لضامن عليه يضمن التسليم بما سيحكم به، وترى هذه الدائرة: أن ما ورد في أسباب الطعن مقبول، ذلك أن الشعبة التجارية قد قبلت الدفع بعدم صفة الضامن في الخصومة من غير ذي صفة (المضمون عليه)، وهو المحكوم عليه أساساً في المنطوق بمقتضى اليمين الحاسمة التي مضى فيها بعد ردها من المطعون ضده، ومن جهة أخرى فقد تضمن حكم التحكيم أن المحكم الزم الطرفين بإحضار ضمناء مسلمين في حالة ما يتقرر لكل طرف على الآخر، فأحضر كل واحد منهم ضامناً ولكن الشعبة لم تتأكد من هذا، وهو ما يقتضي نقض حكمها والإرجاع إليها للتدقيق فيما أورده المحكم وفيما جزم به في منطوق حكمه أن يدفع الطرف الثاني مبلغ... ويسلم المبلغ ضمينه، والفصل في ذلك مرة أخرى وفقاً للقانون))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: 

الوجه الأول: مفهوم الكفيل المسلم أو الضمين المسلم: 

الكفالة في الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني والقانون التجاري اليمني: هي ضم الذمة المالية للكفيل إلى الذمة المالية للخصم المحتكم في الخصومة التحكيمية ، حيث تعتبر الذمتان الماليتان معاً ضماناً عاماً للطرف الآخر في الخصومة التحكيمية إذا صدر حكم التحكيم لصالحه ، فإذا قضى حكم المحكم على الخصم المكفول عليه بمال أو حق فيحق للخصم المحكوم عليه المطالبة بتنفيذ حكم المحكم وإقتضاء الحق المحكوم به من الكفيل والمكفول عليه متضامنين أو منفردين. 

ويهدف المحكم في اليمن من إلزام الخصوم في الخصومة التحكيمية بتقديم الكفيل هو تأمين تنفيذ حكم التحكيم بسرعة ، وضمان إحترام الخصوم لحكم المحكم وتنفيذه ، وكذا للتدليل على قبول الخصوم منذ البداية بما سيقضي به حكم التحكيم. 

ومعنى الضمين المسلم أو الكفيل المسلم: هو الكفيل الذي يجب عليه الوفاء بما سيحكم به المحكم من غير قيد أو شرط أو تحفظ عند أول مطالبة له بالوفاء بالتزامه المقرر بموجب الكفالة التي سبق تقديمها ضماناً لتنفيذ حكم التحكيم والإلتزام به. 

وبموجب أحكام كفالة الكفيل المسلم في تنفيذ حكم التحكيم فإنه يحق للمحكوم له بموجب حكم التحكيم أن يطلب تنفيذ حكم التحكيم في مواجهة الخصم المحكوم عليه أو كفيله متضامنين (الاثنان معاً) أو منفردين كل واحد فيهما على حدة، فإذا طلب المحكوم له التنفيذ في مواجهة الكفيل فيجب على الكفيل المسلم الوفاء بالشيء المحكوم به من غير قيد أو شرط. 

الوجه الثاني: حجية حكم التحكيم على الكفيل المسلم: 

قضى الحكم محل تعليقنا بأن من حق المحكوم له بموجب حكم التحكيم مباشرة إجراءات تنفيذ حكم التحكيم في مواجهة الكفيل المسلم وإقتضاء المبلغ المحكوم به وقضى الحكم بعدم صفة الخصم المحكوم عليه والمكفول عليه في تقديم الدفع، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بذلك ، لأن الكفيل المسلم قد كفل والتزم بموجب ذلك تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يقم الخصم المحكوم عليه بتنفيذ الحكم. 

سيما وأن قانون التحكيم اليمني قد اجاز للمحكم أن يطلب من الخصوم تقديم الضمانات اللازمة لتنفيذ حكم التحكيم بعد صدوره ، فالكفيل المسلم في تنفيذ حكم التحكيم يختلف عن الكفيل في المسائل الأخرى، فالكفيل المسلم امام المحكم يقوم بالكفالة أثناء اجراءات الخصومة، ويكون حكم التحكيم حجة على الضمين المسلم مع انه لم يمثل أمام المحكم أثناء اجراءات التقاضي ، وفي هذا الشأن نصت المادة (31) من قانون التحكيم اليمني على إنه (يجوز للجنة التحكيم أن تطلب من طرفي التحكيم تقديم الضمانات اللازمة لسير إجراءات التحكيم وتنفيذ حكم التحكيم عند صدوره). 

الوجه الثالث: كفالة تنفيذ حكم التحكيم كفالة مستقبلية: 

سبق القول في الأوجه السابقة أن كفالة تنفيذ حكم التحكيم تفيد بأن الكفيل ملتزم مسبقا مع المكفول عليه بتنفيذ حكم التحكيم عند صدوره، فالكفالة في هذه الحالة تصدر قبل صدور حكم التحكيم، وعلى هذا الأساس فإنها كفالة على أمر في المستقبل، وهو تنفيذ الحكم في المستقبل بعد صدوره في المستقل، ومع أن هذه الكفالة محل خلاف شديد في الفقه الإسلامي إلا أن القانون المدني اليمني قد اجازها حسبما ورد في المادة (1039) التي نصت على إنه (تصح الكفالة بما سيثبت مستقبلاً وللكفيل الرجوع فيما سيثبت بالمعاملة قبل ثبوته وإذا ثبت قبل الرجوع لزمت الكفالة). 

الوجه الرابع: نطاق كفالة تنفيذ حكم التحكيم: 

مقتضى الكفالة بصفة عامة تعني: أن كل أموال الكفيل التي يجوز التنفيذ عليها تكون ضماناً لتنفيذ حكم التحكيم، وبموجب ذلك فإن المحكوم له في حكم التحكيم يستطيع التنفيذ على أموال الكفيل بالقدر الذي يساوي الشيء المحكوم به، لأن الكفالة بصفة عامة تجعل أموال الكفيل كلها ضماناً عاما لإقتضاء الدين أو الحق محل الكفالة. 

الوجه الخامس: الكفيل المسلم امام المحكم لايعني التشريف المسبق لحكم التحكيم:

الحق في رفع دعوى بطلان حكم التحكيم أو القبول به أو تشريفه لايتقرر هذا الحق إلا بعد النطق بحكم التحكيم ، فمن المقرر في الفقه الاسلامي والقانون انه لايجوز للشخص التنازل عن الحق قبل وجوده ، وعلى هذا الاساس فلايعد قيام الخصم في الخصومة التحكيمية بتقديم ضمين مسلم لايعد قبولا مسبقا أو تشريفا مسبقا لحكم التحكيم، والله أعلم.

تعليقات