التنازل للغير عن الوكالة التجارية

التنازل للغير عن الوكالة التجارية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
التنازل للغير عن الوكالة التجارية
التنازل للغير عن الوكالة التجارية

من الشائع في اليمن أن يتنازل الوكيل اليمني أو المحلي للغير عن وكالته التجارية للشركة الأجنبية، فإذا تم هذا التنازل بدون مقابل فأنه يكون تنازلاً حقيقياً (هبة)، أما إذا كان ذلك بمقابل فأنه يكون بيعاً أو هبة بعوض، بيد أن الوكالة التجارية التي يتم التنازل عنها تختلف ،فقد تكون الوكالة قد تمت بموجب عقد وكالة فيما بين الوكيل المحلي والشركة الأجنبية، كما قد تكون الوكالة قد تمت بموجب (خطاب تعيين) صادر عن الشركة الأجنبية أي بالإرادة المنفردة للشركة الأجنبية، وفي كل الأحوال ينبغي عند التنازل الحصول على موافقة صريحة من الشركة الأجنبية على التنازل عن وكالتها في اليمن للغير، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-4-2010م في الطعن رقم (39790)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((فقد وجدت الدائرة: أن الشعبة التي اصدرت الحكم المطعون فيه قد خلصت في أسباب الحكم إلى تقرير عدم صدور موافقة صريحة وواضحة من الشركة الأجنبية على تعيين المستأنفة وكيلاً وحيداً لها في اليمن، والدائرة تجد: أن ما عللت به الشعبة حكمها سائغ وسليم وليس فيه ما يخالف أحكام المادة (165) إثبات، لأن تقدير ما يدق فهمه مسألة تخضع لتقدير محكمة الموضوع))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الطبيعة القانونية للوكالة التجارية:

حدد قانون تنظيم وكالات وفروع الشركات والبيوت الأجنبية اليمني حدد مفهوم الوكالة للشركة الأجنبية، فقد عرَّف القانون المشار إليه في المادة (2) الوكالة للشركة الأجنبية بأنها (وكالة الشركة أو البيت الأجنبي: كل عقد تخول بموجبه شركة أو بيت أجنبي شركة أو مؤسسة أو منشأة أو محل تجاري مؤسس أو يوجد مركزه الرئيسي في الجمهورية حق بيع أو تصريف منتجات أو القيام بأعمال الشركة أو البيت الأجنبي أو حصولهما على عقود توريد أو تنفيذ أعمال المقاولات سواءً كان الوكيل وكيلاً بالعمولة أو وكيلاً بعمل لحسابه الخاص، وسواءً أكان الوكيل وكيلاً وحيداً للشركة أو البيت الاجنبي أو كان وكيلاً فرعياً في نطاق منطقة محددة أو وكيل لنوع محدد من المنتجات أو الاعمال التي يؤديها ضمن عدد من الوكلاء الآخرين)، ومن خلال سياق هذا النص يظهر أن الوكالة التجارية للشركة الاجنبية تنشأ بموجب عقد وكالة يتم إبرامه فيما بين الوكيل المحلي أو اليمني والشركة الأجنبية الموكلة له، وتتم المصادقة عليه من قبل الجهات الرسمية المختصة في الدولة الاجنبية ولاحقا تتم المصادقة عليه من قبل الخارجية اليمنية، ويتم تسجيل عقد الوكالة لدى الإدارة المختصة بوزارة الصناعة والتجارة التي تتولى إصدار الترخيص الخاص بمزاولة مهنة الوكالة للشركة الاجنبية ، ويتضمن عقد الوكالة التجارية المشار إليه عدة بنود من أهمها: نوع الوكالة والأصناف من الوكالة وطريقة تسليم البضاعة ودفع الثمن ومدة الوكالة وأسباب فسخ عقد الوكالة ونسخ العقد وطريقة تسوية الخلافات والقانون الواجب التطبيق...إلخ، وغالباً ما يتضمن عقد الوكالة النص على عدم جواز تنازل الوكيل عن الوكالة للغير من غير موافقة الشركة الموكلة.

الوجه الثاني: الوكالة التجارية القابلة للعزل والوكالة غير القابلة للعزل:

ذكرنا في الوجه الأول أن قانون الوكالات اليمني قد نظم الوكالة التجارية التي تترتب على عقد الوكالة فيما بين الوكيل المحلي والشركة الأجنبية .

 والوكالة التي تنشأ بموجب هذا العقد تكون بمثابة عقد فيما بين الوكيل المحلي والشركة الاجنبية، فلا يجوز فسخه إلا بتراضي الطرفين أو إذا تحققت حالات الفسخ المنصوص عليها في عقد الوكالة، كما يحق لأي من الطرفين اللجوء إلى القضاء للمطالبة بفسخ عقد الوكالة إذا توفرت الاسباب الموجبة لذلك سواء أكانت مقررة في القانون أو في عقد الوكالة.

أما الوكالة التجارية التي تنشأ بموجب (خطاب تعيين الوكيل) فلم يتعرض لها قانون الوكالات اليمني لهذا النوع مع وجود هذا النوع من الوكالات في اليمن.

وتنشأ هذه الوكالة بموجب (خطاب التعيين)، عن طريق خطاب رسمي صادر من الشركة الأجنبية إلى الجهة اليمنية المختصة (وزارة الصناعة والتجارة) تتضمن إعلام الوزارة بأن الشركة الأجنبية قد قامت بتعيين الوكيل اليمني ومطالبة الوزارة بإستكمال إجراءات تسجيل الوكالة باسم الوكيل اليمني وإصدار الترخيص باسم الوكيل المعين، وهذا النوع من الوكالة يجيز للشركة الأجنبية أن تصدر خطابا آخرا بعزل الوكيل اليمني وتعيين وكيل بدلاً منه، فهذه الوكالة قابلة للعزل بارادة الشركة الموكلة، لأن الوكيل في هذه الحالة يستمد الوكالة من خطاب تعيينه من قبل الشركة الأجنبية الذي صدر بالارادة المنفردة للشركة الاجنبية وليس بموجب عقد ، وهذا هو الفرق بين الوكالة التجارية التي تنشأ بموجب عقد الوكالة وبين الوكالة التي تنشأ بموجب خطاب التعيين (الوكالة غير القابلة للعزل، د. هشام هنري بخيت، ص213).

الوجه الثالث: تنازل الوكيل للغير عن الوكالة التجارية:

في الوجهين السابقين ذكرنا أن الوكالة التي تنشأ بموجب عقد الوكالة تتضمن بنداً في الغالب ينص على عدم جواز تنازل الوكيل عن الوكالة التجارية، وكذلك الحال في حالة تعيين الوكيل بموجب خطاب التعيين الصادر من الشركة الأجنبية، وعلى هذا الأساس لا يجوز في كل الاحوال للوكيل التنازل عن الوكالة للشركة الاجنبية دون موافقة الشركة الاجنبية الموكلة، فليس من المقبول أن يتم إختيار وكيل عن الشركة الأجنبية من غير موافقتها أي تعيين وكيل من غير إرادة الموكل ، لأن الوكيل يستمد مركزه من الأصيل وهي الشركة الأجنبية .

الوجه الرابع: موافقة الشركة الموكلة على التنازل:

 قضى الحكم محل تعليقنا بان موافقة الشركة الموكلة يجب أن تكون كتابية وصريحة.

وتكون موافقة الشركة الأجنبية الموكلة على التنازل عن وكالتها بمثابة إلغاء للتوكيل السابق وإنشاء للوكالة بالنسبة للوكيل الجديد الذي تم التنازل له، إذ تقوم الشركة الموكلة بموجب محرر التنازل وبعده بإبرام عقد وكالة مع الوكيل الجديد أو إصدار خطاب تعيين باسم الوكيل الجديد.

الوجه الخامس: آثار التنازل عن الوكالة:

من أهم الآثار المترتبة عن التنازل عن الوكالة أن تؤول إلى الوكيل الجديد المتنازل اليه كافة الحقوق والامتيازات الخاصة بالوكالة التي تم التنازل عنها ، ويكون بوسع الوكيل المتنازل اليه تسجيل الوكالة لدى الوزارة المختصة من غير إعتراض من الوكيل السابق المتنازل ، ويكون الوكيل المتنازل اليه مسئولا عن كافة الالتزامات التي تنشاء عن الوكالة بعد تاريخ التنازل ،ولا يحق للوكيل المتنازل مطالبة الشركة بأية حقوق قد تكون لدى الشركة الأجنبية الموكلة بعد تاريخ التنازل، ولذلك فإن الوكيل المتنازل يحرص على الحصول على مقابل التنازل من المتنازل اليه.

الوجه السادس: محل التنازل عن الوكالة التجارية:

 محل ذلك هي حقوق الوكيل السابق المترتبة عن الوكالة وليس الوكالة ذاتها، ولذلك فإن الوكيل السابق عند التنازل يقوم بتسليم الوكيل المتنازل له كافة وثائق الوكالة وأهمها: أصل عقد الوكالة المبرم فيما بين الشركة الموكلة والوكيل المتنازل أو خطاب التعيين، بالإضافة إلى أصل كرت الوكالة (ترخيص مزاولة أعمال الوكالة) فضلاً عن كافة الوثائق المتعلقة بأنشطة وأعمال الوكالة وقائمة اسماء الزبائن وعناوينهم.

الوجه السابع : تحديد المسالة التي يدق فهمها على القاضي تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع:

 قضى الحكم محل تعليقنا بأن تحديد ما إذا كانت المسالة المطلوب ابداء الخبرة بشانها دقيقة تحتاج إلى بحثها من قبل أهل الخبرة والاختصاص أم غير دقيقة لاتحتاج لذلك تخضع لمحكمة الموضوع، وعلى هذا الاساس قضى الحكم محل تعليقنا بان هذه المسألة تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ، لانها الادرى بذلك ، ففهم المسالة الفنية يرجع الى محكمة الموضوع ، فلايعلم ذلك من غيرها، والله أعلم.

تعليقات