تطابق الشهادة مع الدعوى

تطابق الشهادة مع الدعوى
تطابق الشهادة مع الدعوى.

تطابق الشهادة مع الدعوى

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

الشهادة من أهم طرق الإثبات أو أدلة الإثبات، بل هي البينة عند كثير من الفقهاء، وقد اشترط الفقه الإسلامي وقانون الإثبات اليمني قبل إستدعاء الشاهد للأدلاء بشهادته أن يحدد طالب الشهادة الواقعة المطلوب إستشهاد الشاهد عليها، ولا تكون الشهادة أو غيرها من طرق الإثبات منتجة إلا إذا كانت مطابقة لوقائع الدعوى أو الواقعة المطلوب إستدعاء الشاهد للشهادة عليها، وعلى هذا الأساس يجب على القاضي أن يناقش ضمن أسباب حكمه مدى تطابق الشهادة أو دليل الإثبات مع الدعوى أو الواقعة المشهود عليها ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-10-2010م في الطعن رقم (36001)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((فقد تبين أن ما أورده الطاعن في السبب الأول من أسباب الطعن في محله، لأن الحكم المطعون فيه لم يشتمل على مناقشة الأدلة المقدمة من الطاعن  حيث أكتفى الحكم المطعون فيه بعبارات مجملة، فلا يكفي في هذا الصدد أن تكون الأسباب مجملة وبعبارات عامة كالقول في الحيثيات (ومن ثم فإن شهادة الشهود المحضرين من قبل المستأنف ضده لم تطابق شهاداتهم دعوى المستأنف ضده) ، فكان من الواجب على الشعبة أن تمعن النظر في جميع ما قدمه الطاعن من أدلة ومدى مطابقة ذلك على دعوى المدعي حتى تتوصل إلى الحقيقة ، لأنها محكمة موضوع ولها من تلقاء نفسها أن تستدعي للشهادة من ترى لزوم سماع شهادته إظهارا  للحقيقة طبقاً للمادة (44) إثبات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: معنى تطابق الشهادة أو دليل الاثبات  مع الدعوى:

معنى ذلك أن تتفق أقوال الشهادة في معناها مع التصرف أو الواقعة المدعى به كما وردت  في مذكرة أو اقوال المدعي بوقوع الواقعة أو التصرف المطلوب اثباته عن طريق الشهادة  ، وقد نصت المادة (1706) من مجلة الأحكام العدلية العثمانية على أن  (تقبل الشهادة إن وافقت الدعوى وإلا فلا، ولكن لا إعتبار باللفظ وتكفي الموافقة معنى، مثلاً إذا كان المدعى به وديعة وشهد الشهود على إقرار المدعى عليه بالإيداع فقد طابقت الشهادة، وإذا كان المدعى به غصباً وشهد الشهود على إقرار المدعي بالغصب تقبل شهادتهم ، وكذا إذا أدعى المدين بأنه أدى الدين وشهد الشهود على ذلك فقد تطابقت الشهادة، وكذا إذا شهدوا بأن الدائن ابرأ المدين فتقبل شهادة الشهود).

كما نصت المادة (1707) من مجلة الاحكام العدلية على أن (موافقة الشهادة للدعوى إما بصورة مطابقتها لها بإتمام أو يكون الشهود به أقل من المدعى به مثلاً إذا أدعى المدعي بأن هذا المال ملكي منذ سنين كما تصح شهادتهم إذا شهدوا بكونه ملكه منذ سنين، كذلك إذا أدعى المدعي بألف وشهدت الشهود بخمسمائة فتقبل شهادتهم في حق الخمسمائة فقط).

وتكون الشهادة غير مطابقة إذا وقع الإختلاف بين الشهادة والدعوى، وفي هذا المعنى نصت المادة (1708) من مجلة الاحكام العدلية على أنه (إذا كان المدعى به اقل وشهدت الشهود بأكثر لا تقبل إلا إذا كان الإختلاف الذي بين الشهادة والدعوى قابلاً للتوفيق أصلاً ويوفق المدعي أيضاً بينهما فحينئذٍ تقبل، مثلاً إذا أدعى المدعي بأن هذا المال ملكي منذ سنين وشهدت الشهود بكونه ملكه منذ ثلاث سنين لا تقبل شهادتهم كذلك إذا أدعى المدعي بخمسمائة وشهدت الشهود بألف لا تقبل شهادتهم، ولكن إذا وفق بين الدعوى والشهادة بقوله كان لي عليه ألف ولكن أدى منها خمسمائة وبقيت عليه خمسمائة وليس للشهود علم بذلك فتقبل شهادة الشهود).

الوجه الثاني: مدى اشتراط تطابق شهادة الشهود مع ادلة الاثبات الاخرى:

لا يشترط أن تكون شهادة الشهود مطابقة تماماً للأدلة الأخرى،  بل يكفي أن لا تكون الشهادة مناقضة للأدلة الأخرى، وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض المصرية بأن (قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الأصل أنه ليس بلازم تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي (الشهادة) كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملائمة والتوفيق) الطعن رقم 10815 لسنة 79 قضائية.

علما بأن هناك قواعد تحكم تعارض البيانات والأدلة ومنها: اولا التوفيق بين الادلة  كما المح إليه حكم محكمة النقض المصرية ، فان تعذر التوفيق بين الادلة فيتم الترجيح بين الادلة من حيث المرتبة فمثلا مرتبة الشهادة أعلى من مرتبة القرينة كما يتم الترجيح بقوة الدلالة ووضوحها، وغير ذلك من قواعد الترجيح بين  الادلة.

الوجه الثالث: تطابق الشهادة مع الدعوى في قانون الإثبات اليمني:

نصت المادة (49) إثبات على أنه (لا تبطل الشهادة في الاحوال وبالشروط الآتية: -1- إختلاف الشاهدين في الألفاظ إذا اتفقا في المعنى. -2- إختلاف الشاهدين في زمان ومكان الإقرار والإنشاء إذا احتمل التعدد. -3- إختلاف الشاهدين في مقدار المشهود به ويصح منه ما اتفق عليه معنى، ويستثنى من ذلك مقدار عوض العقد إذا كان العقد مجحوداً فيبطل الشهادة إختلاف الشاهدين فيه. -4- إختلاف الشاهدين في صفة المشهود به وتكمل شهادة من طابقت شهادته للدعوى بشاهد آخر أو يمين المدعي).

وقد صرح هذا النص أن إختلاف الشهود على النحو الوارد في النص لا يجعل الشهادة غير مطابقة للدعوى، اما إذا جاءت الشهادات على خلاف  حالات الإختلاف الوارد في هذا النص فإن الشهادة لا تكون مطابقة للدعوى.

الوجه الرابع: قبل إستدعاء الشهود للأدلاء بشهاداتهم يجب على الخصم المستشهد بالشهود أن يحدد الوقائع المطلوب من الشهود الشهادة عليها:

نصت المادة (58) إثبات على أنه (على الخصم الذي يطلب الإثبات بشهادة الشهود أن يبين الوقائع التي يريد إثباتها وعدد الشهود الذين يريد سماع شهادتهم عليها إجمالاً)، فمن ضمن الحكم المتوخاة من هذا النص معرفة علاقة الشهادات بالوقائع محل النزاع، والله أعلم.