تحديد الواقعة محل الخلاف وتسريع إجراءات التقاضي

 تحديد الواقعة محل الخلاف وتسريع إجراءات التقاضي

تحديد الواقعة محل الخلاف وتسريع إجراءات التقاضي
تحديد الواقعة محل الخلاف وتسريع إجراءات التقاضي

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من أهم مجالات تطوير القضاء في اليمن نشر التوعية الشرعية والقانونية في أوساط المتقاضين، واهم وجهات هذه التوعية هي التوعية بكيفية الصياغة الجيدة للعرائض التي يقدمها الخصوم إلى القضاء حتى يتم تحديد الوقائع محل الخلاف تحديدا دقيقا، وذلك في عرائض الدعاوى والطعون وغيرها، لأن عدم تحديد الوقائع محل الخلاف وبيان ادلتها يتسبب في غموض الوقائع وإقحام وقائع غير مفيدة مما يؤدي إلى عدم إحاطة الخصوم والقضاة بموضع الخلاف، ويفتح المجال واسعا لطلبات التصحيح والدفوع ،وبعثرة جهود القضاة وإرباكهم إضافة إلى بعثرة جهود الخصوم أنفسهم ، وعدم تركيز الخصوم في مذكراتهم على الواقعة محل النزاع التي تحتاج إلى نظر القاضي وفصله فيها حتى يكون حكم القاضي فاصلاً وحاسماً للنزاع، فالواقعة محل النزاع تكون منتجة أي مفيدة عندما تكون هي بالفعل محل النزاع أو لها صلة بالنزاع ،وتكون مفيدة عندما يتم بسطها وعرضها أمام محكمة الموضوع وبيان أدلتها حتى يتمكن القاضي من بحثها ومناقشتها والفصل فيها بيسر وبسهولة وسرعة من غير إخلال بمبادئ المحاكمة العادلة، فالواقعة حينما تكون على هذا النحو تكون منتجة بحسب تعبير الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-2-2010م في الطعن رقم (36637)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((إلا إنه وعلى ما سلف بيانه آنفاً يتضح أن الشعبة قد نحت في قضائها منحى مغاير للدعوى بإثبات واقعة لم تكن متصلة بالدعوى ومنتجة فيها، وبخلاف الدعوى المترددة أمامها ووقائعها، الأمر الذي يكون معه الحكم المطعون فيه قد صدر بالمخالفة للقانون والخطأ في تطبيقه والحكم بخلاف الدعوى والحكم بما لم يطلبه الخصوم مما يجعل نعي الطاعن في هذا السبب من الطعن كافياً لنقض الحكم، ودون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن الأخرى، وإعادة القضية إلى الشعبة التجارية لنظرها من جديد والفصل فيها وفقاً لوقائع الدعوى))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: معنى الواقعة المنتجة بحسب تعبير الحكم محل تعليقنا:

بحسب ما ورد في الحكم محل تعليقنا فإن الواقعة المنتجة: هي التي تكون محل الخلاف بين الخصوم التي تعلقت بها طلبات الخصوم وتم مواجهة الخصم بها وقام الخصم بالرد عليها، وقدم الخصوم أدلتهم بشأنها،كما قد تكون الواقعة منتجة إذا استدل بها الخصم على صحة الواقعة التي ادعى بها ، فاذا قام الخصم بتحديد الواقعة محل الخلاف بحسب هذا المفهوم، فان القاضي يستطيع الإحاطة بالواقعة محل الخلاف ومن ثم تطبيق النصوص الشرعية والقانونية عليها تطبيقاً صحيحاً، والفصل فيها بحكم فاصل وحاسم .

فلاينبغي ان يعرض الخصم في العريضة وقائع لاصلة لها بالخلاف الا إذا كان الخصم يستدل بواقعة على صحة واقعة أخرى، لأن عرض الوقائع غير المنتجة يطيل صفحات العرائض وتربك القاضي وتحول دون إحاطته بالخلاف المنظور امامه.

والواقعة بالمفهوم الإجرائي هي : الشيء الذي يدعيه الخصم سواءً أكان في مركز المدعي أو المدعى عليه وسواءً أكان الشيء المدعى به واقعة حقيقية تفيد وقوع شيء كالقتل والضرب...الخ، أو كانت تصرفاً كالبيع والهبة والوقف وغير ذلك.

الوجه الثاني: الفرق بين الواقعة والدعوى والخصومة والقضية:

سبق أن ذكرنا أن الواقعة: هي الشيء المدعى به من قبل الخصم أياً كان مركزه في الخصومة، وعلى هذا المعنى فإن الواقعة تختلف عن الدعوى، لأن الواقعة قد تكون جزءاً من مشتملات الدعوى التي قد تشتمل على وقائع عدة، كما لو أدعى الخصم بأنه قد باع للمشتري في تواريخ مختلفة دفعات من البضاعة فعندئذٍ تكون هذه الوقائع المتعددة موضوعاً للدعوى الواحدة، أما الواقعة فقد تكون جزءاً من موضوع الدعوى الواحدة وقد تكون الموضوع الوحيد للدعوى الواحدة.

 وكذا تختلف الواقعة عن الخصومة، لأن الخصومة تنعقد بإعلان المدعى عليه بالدعوى عند بعض شراح قانون المرافعات ، فعندئذٍ تتحول الدعوى إلى خصومة ، وهناك من يذهب إلى أن الخصومة تنعقد برد المدعى عليه على الدعوى أو دفعها، وعلى هذا المعنى فإن الواقعة تكون جزءاً من موضوع الدعوى التي تتحول إلى خصومة باعلان المدعى عليه بالدعوى أو رده عليها.

أما القضية فهي تعني قيام القاضي بإتخاذ إجراء او قرار في الخصومة بعد انعقادها ، فعند ذلك تتحول الخصومة إلى قضية. (التعليق على قانون المرافعات ، استاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء ، ص 652، وأصول صحف الدعاوى ، د. محمد محمود ابراهيم، ص 72).

الوجه الثالث: كيفية تحديد الخصوم للواقعة أو الوقائع محل الخلاف وتوصيتنا للجهات المعنية:

ذكرنا في الأوجه السابقة أن الواقعة المنتجة أو المفيدة ،حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا: هي تلك التي تكون محل خلاف بين الخصوم والتي تم تقديمها أمام القاضي وطلب الخصم من القاضي الفصل فيها، ولا ريب أن تحديد الواقعة محل الخلاف يقع على عاتق الخصوم، ومن المعلوم أن تحديد الخصم للواقعة أو الوقائع محل الخلاف ليس بالأمر الهين، إذ يجب على المحامي أو الخصم قبل صياغة الدعوى أو العريضة أن يقوم بجمع كافة البيانات والمستندات والنصوص الشرعية والقانونية المتعلقة بالواقعة أو الوقائع محل الخلاف ثم القيام بجمع شروح النصوص الشرعية والقانونية ذات الصلة بهذه الوقائع حتى يتمكن المحامي أو الخصم من إعداد ملف كامل وشامل للقضية ،وبعدئذٍ يقوم المحامي أو الخصم بدراسة هذا الملف وتكييف الواقعة أو الوقائع محل الخلاف عن طريق وضع التسمية القانونية للواقعة والوقائع محل الخلاف ومعرفة مدى كفاية الأدلة عليها، وبعد أن يتمكن المحامي أو الخصم من الإحاطة بكافة بيانات ومستندات الوقائع محل الخلاف والنصوص الشرعية والقانونية الحاكمة لها ، بعدئذ يقوم المحامي بصياغة صحيفة الدعوى وغيرها من المذكرات، وفي متن الصحيفة أو العريضة يقوم المحامي بتحديد الوقائع محل الخلاف تحديداً دقيقاً ومرتباً ، وعرض المستندات المؤيدة لصحة الواقعة والنصوص القانونية الواجبة التطبيق عليها، وينبغي على المحامي عدم اقحام وقائع غير مفيدة في العريضة ، لأنها غير مفيدة في الخلاف او غير منتجة بحسب تعبير الحكم محل تعليقنا .

فإعداد العريضة أو الصحيفة أو المذكرة القضائية على النحو السابق بيانه يكفل تجفيف منابع الدفوع وطلبات التصحيح التي ترهق القضاء والقضاة وتطيل اجراءات التقاضي وتعقدها ،وفي الوقت ذاته فان ذلك يمكن القاضي والخصوم من الإحاطة بكافة تفاصيل الخلاف، وهذا بدوره يسهم في الفصل في القضية بحكم فاصل وحاسم ، وذلك بيسر وسهولة وسرعة ، وتقريب العدالة إلى المواطنين، وبناءً على ذلك فإن معرفة قواعد ومتطلبات الصياغة الجيدة للمذكرات القضائية والتوعية بها من أهم وسائل وأدوات تيسير إجراءات التقاضي والفصل في القضايا بسرعة. (مهارات الصياغة القانونية، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص95).

ولذلك نوصي نقابة المحامين بالتعاون مع وزارة العدل بعقد دورات نوعية في صياغة وعرض الوقائع في المذكرات القضائية، وكذا نوصي الجهات المعنية بالتوعية بهذه الجزئية المهمة بإعتبارها المدخل الصحيح لتطوير إجراءات التقاضي وتبسيطها وبإعتبارها وسيلة فاعلة لمواجهة ظاهرة بطء إجراءات التقاضي.

الوجه الرابع: تحديد الواقعة أو الوقائع محل الخلاف في العرائض ، ودوره في تسريع إجراءات التقاضي:

سبق أن ذكرنا في الأوجه السابقة مفهوم تحديد الوقائع محل الخلاف والوسيلة السليمة لذلك، وفي هذا الوجه نعرض دور تحديد الوقائع في العرائض محل الخلاف دورها في تسريع إجراءات التقاضي، ونكتفي في هذا الوجه بالاشارة الى بعض هذه الادوار على النحو الاتي :

1- كثير من القضايا تطول إجراءات التقاضي فيها، لأن الخصم لم يلم منذ البداية بكافة بيانات ومستندات القضية والنصوص القانونية الحاكمة لها ، ولم يقم بتكييفها التكييف الصحيح وتطبيق النصوص القانونية عليها أو أنه لم يقم منذ البداية بجمع كافة بيانات ومستندات القضية ، وبسبب ذلك لا يتمكن الخصم أو المحامي من عرض الواقعة محل الخلاف وتحديدها تحديداً دقيقاً أو عرض أدلتها القانونية والواقعية، وذلك يفتح المجال واسعاً للدفوع وطلبات التصحيح، كما أن ذلك يفتح المجال واسعاً أمام الطلبات العارضة التي تجعل القضايا مركبة ومعقدة، وبناء على ذلك فان مراعاة ماذكرناه في هذه الفقرة سوف يسهم في معالجة ظاهرة بطء اجراءات التقاضي وتعقيدها.

2- تحديد الوقائع محل الخلاف وعرضها مع أدلتها الواقعية والقانونية في العريضة يمكن القاضي من الإحاطة التامة بالوقائع محل الخلاف وتطبيق النصوص القانونية عليها والفصل فيها بحكم فاصل وحاسم وجازم وبطريقة سريعة وسليمة.

3- حُسن عرض الوقائع محل الخلاف في العريضة وتحديدها تحديدا دقيقا يقلل من الدفوع وطلبات التصحيح، ويسهل إجراءاتها، ويحقق العدالة، لأن عرض الوقائع محل الخلاف وتحديدها تحديدا دقيقا وبيان أدلتها الواقعية والقانونية أمام المحكمة الابتدائية ثم إعادة طرحها أمام محكمة الاستئناف يقلص من الطعن في الأحكام.

4- عرض الوقائع محل الخلاف وتحديدها تحديدا دقيقا في العريضة يعد ضمانة من أهم ضمانات المحاكمة العادلة، لأن عرض الوقائع محل الخلاف وتحديدها مع كافة أدلتها أمام محكمتي الموضوع يمكنهما من الاحاطة التامة بالوقائع محل الخلاف ومعرفة الحقيقة والتطبيق الصحيح للنصوص القانونية عليها ، فيكون الحكم مطابقا للحقيقة.

5- حُسن عرض الوقائع محل الخلاف وتحديدها في العريضة يحقق مبدأ المواجهة بين الخصوم التطبيق الأمثل، لأن من مقتضيات تطبيق مبدأ المواجهة أن يتم مواجهة الخصم في متسع من الوقت أمام درجتي التقاضي. (مبدأ المواجهة ،د.احمد خليل ،ص61).

6- تحديد الوقائع في العريضة يحدد نطاق الدعوى أو الطعن بدقة من قبل الخصوم والقاضي معاً فتسير إجراءات التقاضي بيسر وسهولة وسرعة.

7- تحديد الواقعة محل النزاع في العريضة يمكن القاضي من مطابقة الحكم للدعوى التي قضى بالفصل فيها.

الوجه الخامس: تطابق الحكم مع الدعوى اوالواقعة محل الخلاف:

قضى الحكم محل تعليقنا بأنه يجب أن يكون الحكم مطابقاً للدعوى أو الواقعة محل الخلاف ، لأن أساس الحكم الصحيح الدعوى الصحيحة من حيث إجراءاتها واستيفاء شروطها وبياناتها وسلامة وصحة تلك الإجراءات، فالحكم القضائي عبارة عن تطبيق للنصوص الشرعية والقانونية على الواقعة محل النزاع أو الدعوى، فأسباب الحكم عبارة عن عرض موجز للواقعة أو الوقائع محل الخلاف ثم عرض أدلة الخصم ومناقشتها في أسباب الحكم والترجيح والموازنة بينها.

لذلك ينبغي أن يكون الحكم مطابقاً للواقعة محل النزاع أو الدعوى ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، ومن هذا المنطلق فإن تحديد الواقعة محل النزاع يمكن القاضي من مطابقة الحكم للدعوى التي قضى بالفصل فيها.

الوجه السادس: الفرق بين الواقعة المنتجة وغير المنتجة بحسب تعبير الحكم محل تعليقنا:

من خلال إستعراض أسباب الحكم محل تعليقنا حسبما سبق بيانه في مقدمة هذا التعليق ظهر لنا أن الواقعة المنتجة هي تلك التي تكون محل خلاف وتتضمن طلبات الخصم الذي تمسك بها، أما إذا ذكر الخصم الواقعة ولم يطلب فيها من القاضي الحكم له بشيء أو اتخاذ أي اجراء أو لم يستدل الخصم بالواقعة على الواقعة المدعى بها ،فأن الواقعة تكون في هذه الاحوال غير منتجة أي غير مفيدة ،لأن الواقعة لا تصلح موضوعاً للدعوى إذا لم تتضمن طلباً أو استدلالا ، فإن لم تتضمن طلبااو استدلالا فأنها تكون دعوى غير منتجة ، لأن الحكم إذا قضى بموجبها فإن قضاءه يكون من غير طلب ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، علما بأن الصحف والعرائض المقدمة من الخصوم لاتخلوا من الوقائع غير المفيدة التي تتسبب في إطالة صفحات الصحف والعرائض سيما الجزء المسمى بالوقائع الذي يعرض فيه الخصوم قصص وحكايات لاينطبق عليها المفهوم الشرعي والقانوني للواقعة السابق ذكره، والله اعلم.

تعليقات