مقتضيات دعوى فسخ العقد

مقتضيات دعوى فسخ العقد

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء 
مقتضيات دعوى فسخ العقد
مقتضيات دعوى فسخ العقد

دعوى فسخ العقد تقتضي أن يكون هناك سبب يجيز للمدعي المطالبة بفسخ العقد، وأن يثبت المدعي تحقق هذا السبب. وعلى هذا الأساس ينبغي على الحكم إذا قضى بقبول دعوى الفسخ أن يبين سبب الفسخ في أسباب الحكم وأن يناقش ذلك، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-4-2010م في الطعن رقم (36224). وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم:

وبالعودة إلى حيثيات الحكم المطعون فيه لم يتبين وجه الرأي الذي أخذت به الشعبة وجعلته أساساً لقضائها بفسخ العقد المذكور. وهذا يعد إبهاماً يعيب الحكم لخلوه من الأساس القانوني الذي قام عليه قضاؤه بالفسخ ويوصمه بالبطلان، إضافة إلى ما اعترى الحكم من اضطراب في الأسباب وتعارضها مع المنطوق، حيث ورد في حكم الشعبة أن طلب فسخ العقد تم تقديمه بتاريخ.... قبل المدة المحددة لانتهاء العقد مما يثور معه التساؤل على أي أساس تم قبول دعوى الفسخ مما يتوجب نقض الحكم، وفي ذلك ما يغني عن الخوض في باقي أسباب الطعن.

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: أسباب فسخ العقد المتعلقة بأركان العقد وشروطه

أركان العقد ثلاثة هي:

  1. الركن الأول: الصيغة (الإيجاب والقبول).
  2. الركن الثاني: العاقدان.
  3. الركن الثالث: محل العقد.

وفي كل ركن من الأركان الثلاثة اشترط الفقه الإسلامي شروطاً. فهناك شروط في صيغة العقد مثل توافق الإيجاب والقبول وأن يكون الإيجاب والقبول منجزين. وهناك شروط في العاقدين مثل أهليتهما للتعاقد، وهناك شروط في محل العقد مثل أن يكون جائزاً وفقاً لأحكام الشريعة والقانون.

وأسباب فسخ العقد المتعلقة بأركان العقد وشروطه ترجع إلى وقت نشوء العقد أو انعقاد العقد، كعدم توفر الصفة العقدية في العاقد كأن يكون غير مالك للعقار، أو عدم تحقق صفته الشخصية وهي التحقق من هويته، أو عدم توفر أهليته الشرعية والقانونية عند إبرامه للعقد كأن يكون العاقد قاصراً كصبي أو مجنون أو محجور عليه، أو شاب إرادة العاقد أي عيب من عيوب الإرادة كالإكراه. أو كأن يكون محل العقد غير مشروع أو لم تكن صيغة القبول مطابقة لصيغة الإيجاب.

فأسباب فسخ العقد في هذه الأحوال قررتها أحكام الشرع والقانون التي قررت أركان وشروط العقود. وعلى هذا الأساس، فإن فسخ العقد في هذه الأحوال يكون بمثابة نقض أو حل للعلاقة العقدية من بداية نشوئها، لأنها نشأت مختلة معتلة. وعندئذٍ يكون أثر الفسخ كاشف، كما يكون سبب الفسخ متعلقاً بالنظام العام في بعض هذه الأحوال. بل إن العقد ينفسخ من تلقاء ذاته كما لو كان محل العقد غير مشروع. ويجوز لأي من المتعاقدين مطالبة القضاء بفسخ العقد في هذه الأحوال، حسبما ورد في المادة (196) مدني التي نصت على أنه:

إذا تم العقد مستوفياً لأركانه وشروط صحته كان صحيحاً ومنتجاً لآثاره، وإذا انعدم ركن في العقد أو فقد شرطاً من شروط صحته كان غير صحيح ولا تترتب عليه آثاره.

(فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د عبد المؤمن شجاع الدين، ص76).

الوجه الثاني: أسباب فسخ العقد التي تقع بعد انعقاد العقد

في بعض الأحوال ينشأ العقد مكتمل الأركان والشروط، ولكن بعد انعقاد العقد صحيحاً تحدث بعض العوارض التي تجعل أحد أطراف العقد يطلب فسخه مثل: عدم وفاء المتعاقد الآخر بالتزاماته المقررة في هذا العقد.

وفي هذا المعنى نصت المادة (221) مدني على أنه:

عقود المعاوضة الملزمة للعاقدين إذا لم يفِ أحدهما بالتزامه جاز للآخر بعد إعذاره أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه مع تعويضه بما غرم في الحالتين. ويجوز للقاضي أن يمنح الملتزم أجلاً للتنفيذ إذا اقتضت الظروف ذلك. كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يفِ به الملتزم قليل الأهمية بالنسبة للالتزام في جملته.

وفي السياق ذاته نصت المادة (222) مدني على أنه:

يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بمجرد عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه دون حاجة إلى حكم قضائي، ولكن هذا الاتفاق لا يعفي من اختار الفسخ من الأعذار للطرف الآخر إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه، ويجب على القاضي إذا ترافعا إليه أن يحكم بالفسخ إذا تحققت شروطه.

الوجه الثالث: أسباب فسخ العقد الاتفاقية

أجاز القانون المدني للمتعاقدين أن يتفقوا مقدماً على فسخ العقد عند عدم الوفاء ببعض الالتزامات الواردة في العقد، إذ يتم تضمين العقد بنداً أو شرطاً يسمى بالشرط الفاسخ.

وفي هذا المعنى نصت المادة (222) مدني على أنه:

يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بمجرد عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه دون حاجة إلى حكم قضائي، ولكن هذا الاتفاق لا يعفي من اختار الفسخ من الأعذار للطرف الآخر إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه، ويجب على القاضي إذا ترافعا إليه أن يحكم بالفسخ إذا تحققت شروطه.

الوجه الرابع: طرق فسخ العقد

قد يتم فسخ العقد بالتراضي فيما بين المتعاقدين على فسخ العقد أثناء سريانه ويسمى ذلك بالفقه الإسلامي بالتفاسخ. وإذا تعذر ذلك، فيحق للمتعاقد أن يتقدم إلى القضاء بدعوى فسخ العقد، وأن يثبت فيها توفر السبب الموجب للفسخ.

وفي هذا المعنى نصت المادة (221) مدني على أن:

عقود المعاوضة الملزمة للعاقدين إذا لم يفِ أحدهما بالتزامه جاز للآخر بعد إعذاره أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه مع تعويضه بما غرم في الحالتين. ويجوز للقاضي أن يمنح الملتزم أجلاً للتنفيذ إذا اقتضت الظروف ذلك. كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يفِ به الملتزم قليل الأهمية بالنسبة للالتزام في جملته.

الوجه الخامس: المقصود بأساس دعوى فسخ العقد

قضى الحكم محل تعليقنا بنقض الحكم الاستئنافي، لأنه قبل دعوى فسخ العقد وقضى بفسخ العقد من غير أن يبين الحكم الأساس الذي قام عليه الحكم. فلم يظهر للحكم الأساس الذي قامت عليه دعوى الفسخ، والمقصود بأساس دعوى فسخ العقد هو: بيان سبب طلب المدعي فسخ العقد وبيان الأدلة الواقعية والقانونية التي تدل على تحقق سبب الفسخ.

الوجه السادس: معنى اضطراب أسباب الحكم

أشار الحكم محل تعليقنا إلى اضطراب الحكم الاستئنافي، وقد كان هذا الاضطراب في الأسباب من ضمن موجبات نقض الحكم الاستئنافي.

والمقصود باضطراب أسباب الحكم: تداخل أسباب الحكم مع بعضها وعدم ترتيب أسباب الحكم. فلا يستطيع المطالع لأسباب الحكم في هذه الحالة فهم أسباب الحكم كل سبب على حدة، إذ الواجب عند صياغة أسباب الحكم أن يتم عرض أسباب الحكم كل سبب على حدة. وينبغي الفصل بين كل سبب والسبب الذي يليه عن طريق كلمة (السبب الأول/ السبب الثاني) أو تكبير كلمة (حيث) الفاصلة بين كل سبب والذي يليه، أو تكبير كلمة (كما/لما). كما ينبغي ترتيب أسباب الحكم بحسب أهميتها في قيام الحكم عليها، حتى لا يترتب على ذلك تداخل الأسباب واضطرابها، والله أعلم.

تعليقات