المسائل القانونية في تقرير المحاسب القانوني

 

المسائل القانونية في تقرير المحاسب القانوني
المسائل القانونية في تقرير المحاسب القانوني.
المسائل القانونية في تقرير المحاسب القانوني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

المقصود بالمحاسب القانوني في هذا التعليق هو الخبير المحاسبي الذي تعينه المحكمة لدراسة المسائل الفنية المحاسبية الدقيقة وإبداء الرأي فيها وفقاً للإجراءات المحددة في قانون الإثبات اليمني، وعلى هذا الأساس فإن المحاسب القانوني المعين من قبل المحكمة هو خبيراً فنياً وليس قانونياً، فلا يجوز للمحاسب القانوني المعين من المحكمة أن يتعرض أثناء قيامه بمهمته المحاسبية لا يجوز له أن يتعرض للمسائل القانونية التي تظهر له عند قيامه بتنفيذ مهمته التي تم تكليفه بها من قبل المحكمة، لأن المسائل القانونية مسائل خلافية بين الخصوم من إختصاص القاضي الذي اناط به الشرع والدستور والقانون الفصل في المسائل الخلافية عن طريق تطبيق النصوص القانونية على تلك الوقائع والمسائل محل الخلاف بين الخصوم وبيان الحكم القانوني فيها ، كما قد تكون المسائل القانونية عبارة عن بيان حكم القانون في مسألة معينة كقول الخبير في تقريره بانه قد ظهر له اثناء قيامه بالمهمة ان العقد صحيح أو باطل أو ان العقد لم ينعقد أو أنه ثبت له ان المتهم هو القاتل أو ان الهبة غير صحيحة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-12-2009م في الطعن رقم (37651)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((لأن الخبير يساعد المحكمة بإبداء الرأي الفني ، لكن الخبير لا يحل محل المحكمة، ومن ثم على الخبير أن يرجع في المسائل التي تتطلب فصلاً في القانون إلى المحكمة لتقرر بشأن المسألة القانونية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: طبيعة المهمة المسندة من المحكمة للمحاسب القانوني وفقاً لقانون الإثبات:

بينت المادة (165) إثبات طبيعة المهمة التي يقوم بها المحاسب القانوني، وهي إبداء الخبرة في المسائل الحسابية الدقيقة بإعتبار المحاسب القانوني صاحب الخبرة والإختصاص في هذا الشأن، فمهمة المحاسب القانوني قاصرة على المسائل الحسابية الفنية التي يُدق على القاضي فهمها والإحاطة بها، وعلى المحاسب القانوني أن يتقيد عند أدائه لمهمته بحدود هذه المسائل الفنية الحسابية التي كلفه القاضي ببحثها وبيان الرأي فيها ، ولا يتعدى ذلك إلى المسائل القانونية الخلافية بين الخصوم التي تحتاج إلى أن يفصل القاضي فيها بموجب أحكام القانون أو يبين القاضي حكم القانون فيها ، وفي هذا المعنى نصت المادة (165) إثبات على إنه (على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب والهندسة والحساب وغيرها مما يدق فهمه أن تعين خبيرا (عدلا) أو أكثر من المؤهلين علميا وفنيا أو ممن لهم خبرة خاصة المشهورين بذلك لتستعين بهم في كشف الغامض من هذه المسائل مما يفيد في إثبات الواقعة المراد إثباتها ويجب على المحكمة أن تذكر في قرارها بيانا دقيقا لمأمورية الخبير والأجل المضروب لإيداع تقريره فيه ويكلف الخبير بتقديم تقرير بما أدت إليه أبحاثه في الموعد المحدد، ويجوز أن يتفق الخصوم على خبير(عدل مرجحا) أو أكثر تعينهم المحكمة بناء على طلبهم كما يجوز أن يختار كل من الخصمين خبير(عدلا) مرجحاً على أن تختار المحكمة خبيرا عدلا مرجحا).

الوجه الثاني: طبيعة عمل المحاسب القانوني وفقاً لقانون مهنة تدقيق ومراجعة الحسابات:

نصت المادة (168) من قانون الإثبات على إنه إذا قبل الخبير المهمة فإن المحكمة (تحلفه اليمين إن رأت ذلك بأن يؤديها بالذمة والأمانة والصدق)، وفي التطبيق العملي لحلف المحاسب القانوني اليمين فإن المحكمة تضيف إلى صيغة اليمين المذكورة في النص تضيف لها عبارة بأن (يؤدي مهمته وفقاً لأصول وقواعد المهنة) ، والمقصود بالمهنة هو مهنة تدقيق ومراجعة الحسابات التي اشار إليها القانون رقم (26) لسنة 1999م بشأن مهنة تدقيق ومراجعة الحسابات، فقد عرَّف هذا القانون في المادة (2) المحاسب القانوني بأنه (الشخص الطبيعي الحاصل على إجازة محاسب قانوني وفق أحكام هذا القانون) وقد اشترطت المادة (5) من القانون ذاته اشترطت شروطاً كثيرة لمنح إجازة (المحاسب القانوني) ومنها: أن يكون حاصلاً على بكالوريوس محاسبة وأن يكون لديه خبرة لاحقة للبكالوريوس مدتها أربع سنوات وإذا كان حاصلاً على الماجستير في المحاسبة أن تكون لديه خبرة سنتين لاحقة وإذا كان حاصلاً على الدكتوراه أن تكون لديه خبرة لاحقة مدتها سنة، ومن جانب آخر فقد تضمن القانون إجراءات وضوابط أداء المحاسب القانوني لعمله حسبما هو مقرر في المواد (من 45 إلى 61) من القانون المشار إليه، ومن هذه الإجراءات ما ورد في المادة (49) من القانون المشار إليه التي نصت على إنه (يجب على المحاسب القانوني عند إعداد تقارير المراجعة أن يشير إلى إستخدام القواعد المحاسبية المتفق عليها وأن يشير إلى الثبات في تطبيقها وإستخدامها، وعلى هذا الأساس فقد أوجب القانون المشار إليه أوجب على المحاسب القانوني الإلتزام في مهنته بقواعد المراجعة والمحاسبة والتدقيق المستقرة والثابتة التي يتم العمل بموجبها ، ولم يرد ذكر هذه القواعد في متن القانون المشار إليه، لأن هذه القواعد قد وردت في متون المقررات الدراسية التي درسها المحاسب القانوني سواءً في مرحلة البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه، كما أن قواعد المحاسبة والمراجعة والتدقيق قد تم تلخيصها في قواعد دولية للمحاسبة وللتدقيق والمراجعة على هيئة نصوص قانوني ، وقد صدرت منها طبعات عدة بكل اللغات ومنها اللغة العربية ، وتم تحضير عدة رسائل ودكتوراه وماجستير استندت إلى هذه القواعد واستعرضتها .

الوجه الثالث: الفيصل بين المسألة القانونية التي لا يجوز للمحاسب التعرض لها وبين المسألة الفنية التي يجب على المحاسب القانوني إبداء الرأي فيها:

المقصود بالمسألة القانونية: بيان الحكم القانوني على المسألة التي تكون محل خلاف بين الخصوم التي يختص القاضي بنظرها والفصل فيها وفقاً للقوانين الواجبة التطبيق على المسائل محل النزاع، وعلى هذا الأساس فلاتثريب على المحاسب إذا استند في منهجية عمله والراي الذي توصل إليه إذا استند إلى النصوص القانونية شريطة أن لا تكون المسائل التي قدم الرأي فيها محل خلاف تحتاج إلى فصل من القاضي وبيان الحكم القانوني فيها من حيث الصحة او البطلان او تضمن تقرير الخبير محل خلاف بين الخصوم حكما قانونيا محضا ، كقول الخبير في تقريره بأن العقد صحيح أو باطل أو بأن المتهم هو القاتل ، اما إستناد تقرير المحاسب القانوني إلى النصوص القانونية للتدليل على صحة ما ورد فيه ،فلا يعني ذلك إنه قد تعرض للمسائل القانونية ، بل ان ذلك من مقتضيات مهنة تدقيق الحسابات حسبما سبق بيانه.

الوجه الرابع: ما يجب على المحاسب القانوني فعله عندما تعترضه مسألة قانونية عند قيامه بمهمته:

عندما تعترض المحاسب القانوني مسأئل قانونية تندرج ضمن نطاق مهمته ، فيجب على المحاسب أن يرجع إلى القاضي الذي عينه للفصل في هذه المسألة وإصدار قرار في هذه المسألة القانونية، وفي ضوء قرار القاضي يقوم المحاسب بإستكمال مهمته عن بينة من الأمر حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

وهناك فريق من المحاسبين القانونيين يتعامل مع المسألة القانونية التي تعترضه على نحو آخر، إذ يقوم بمواصلة أداء مهمته وتأجيل المسائل الخلافية بين الخصوم فلا يبدي الرأي فيها وإنما يضع في تقريره أمام القاضي بدائل عدة حتى تقرر المحكمة الأخذ بأحد البدائل، ويذكر المحاسب في تقريره بأن هذه المسألة قانونية متروك الفصل فيها للقاضي، وللقاضي في هذا السبيل أن يأخذ بأحد البدائل، والله أعلم.

تعليقات