![]() |
مصلحة الوقف في إستثمار الأعيان الموقوفة. |
مصلحة الوقف في إستثمار الأعيان الموقوفة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الإستثمار
بصفة عامة يعني تشغيل الأموال والمتاجرة فيها بهدف تحقيق نفع خاص وهو الربح لمالك
المشروع الاستثماري، وكذا تحقيق النفع العام عن طريق تحقيق الأهداف الإقتصادية
والإجتماعية والتنموية في المجتمع.
ومن المعلوم أن المتاجرة في اعيان الوقف ذاتها عن طريق بيعها أو التصرف فيها لا يجوز شرعاً
وقانوناً، لأن المتاجرة أو الإستثمار في
أعيان الوقف ذاتها عبارة عن تصرف دائر بين الربح والخسارة، ومن المقرر في الفقه
الاسلامي والقانون المدني اليمني انه لا يجوز لولي الوقف المتاجرة في أعيان الوقف
ذاتها، وإنما يجوز الإستثمار للاموال أو العائدات
المتحصلة من الاعيان الموقوفة الفائضة عن
مصارف الوقف التي حددها الواقف في وقفيته بغرض تنمية وتنظيم عائدات الوقف بما يحفظ
أعيان الوقف ويحقق أغراض الواقف، كما يجوز الاستثمار في العين الموقوفة شريطة ان لايترتب على ذلك خروج ملكية رقبة
العين الموقوفة من الوقف ، حسبما قضى
الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
24-4-2010م في الطعن رقم (37510)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((فقد راعى
مكتب الأوقاف مصلحة الوقف بإبرام عقد إستثمار مع المطعون ضدهما المذكورين، لأن الأوقاف غير متمكنة من الإستثمار لنفسها فقد
ارتأت تحقيق المصلحة بالإتفاق مع الغير، فقد قدرت الاوقاف في تعاقدها مصلحة راجحة
للوقف، ولما سلف بيانه، ولأن الظاهر في تصرف الأوقاف تحري مراعاة المصلحة وفي حدود
الجواز وفقاً لأحكام القانون بشأن الوقف الشرعي ولائحة تنظيم إجراءات التأجير لأموال
وعقارات الوقف ولخلوا الطعن بالنقض من الحجة فيما أورده الطاعنون من أسباب طعن فأنه
يتبين أن ما ذهبت إليه الشعبة في قضائها بتأييد حكم المحكمة التجارية الابتدائية
صحيح وموافق للقانون لبنائه على أسباب وأسانيد قانونية سائغة، مما يستوجب رفض
الطعن بالنقض لعدم قيام سببه)) ، وسوف نستعرض تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه
الآتية:
الوجه الأول: الوضعية الشرعية والقانونية لأعيان الوقف والولاية عليها:
الوقف
في المفهوم الشرعي والقانوني هو: حبس ملكية أو رقبة المال لوجه الله تعالى أي مبرة
أو قربة لله تعالى ،فلا تباع العين الموقوفة
ولا تشترى حتى يرث الله الأرض ومن عليها، على أن يتم صرف العائدات المتحصلة من
العين الموقوفة في الأغراض أو المصارف التي حددها الواقف في وثيقة أو صيغة
الوقفية، وفي بعض الحالات يكون هناك فائض في العائدات المتحصلة من العين الموقوفة.
ومن
المسلم فيه في الفقه الإسلامي والقانون الشرعي للوقف أنه لا يجوز لولي الوقف أن
يباشر في أعيان الوقف أياً من التصرفات الدائرة بين الربح والخسارة، لأن ولاية
الوقف أو متولي الوقف قاصرة على إدارة الأعيان الموقوفة والمحافظة عليها وصرف
عائداتها في المصارف التي حددها الواقف في الوقفية وتنمية وتطوير الأعيان
الموقوفة.
الوجه الثاني: الوضعية الشرعية والقانونية للعائدات المتحصلة من الأعيان الموقوفة:
سبق
القول في الوجه الأول أن ملكية رقبة العين الموقوفة تكون لله سبحانه وتعالى فلا
يجوز التصرف أو المتاجرة فيها ولو على سبيل الإستثمار، لأن ذلك من التصرفات
الدائرة بين الربح والخسارة، فصلاحية الولي
على العين الموقوفة هي إدارته وليس التصرف فيه.
أما
حاصلات الوقف أو العائدات التي تدرها العين الموقوفة فيتم صرفها في المصارف التي
حددها الواقف.
وفي
بعض الحالات تفيض العائدات المتحصلة من العين الموقوفة عن المصارف التي حددها
الوقف، والعائدات الفائضة عن تلبية مصارف الوقف هي التي يجوز إستثمارها بحسب
الضوابط التي سيرد ذكرها في الأوجه القادمة.
الوجه الثالث: ماهية إستثمار الفائض من عائدات الوقف:
يذهب
غالبية الفقه الإسلامي المعاصر إلى جواز إستثمار الفائض من عائدات الوقف في مشاريع
إستثمارية خدمية وتنموية تستهدف تحقيق الربح وفي الوقت ذاته تحقيق وتلبية ضرورات
وحاجيات المجتمع الإسلامي المعاصر كإنشاء المدن والشقق السكنية والأسواق التجارية
والمطاعم والمولات الشعبية والمستشفيات...إلخ، باعتبار ذلك من أهم وظائف الوقف في
المجتمع الاسلامي المعاصر.
ويهدف إستثمار الفائض من عائدات أعيان الوقف إلى تحقيق الربح بما يحافظ على أعيان الوقف الأصلية وتطويرها وتنميتها، بالإضافة إلى تلبية ضروريات المجتمع المسلم وإحتياجاته بحسب ظروف الزمان والمكان.
الوجه الرابع: ضوابط إستثمار الفائض من عائدات الوقف:
هناك
ضوابط عدة في هذا الشأن من أهمها أن تكون الأموال المستثمرة فائضاً حقيقيا ، بمعنى
ان تكون زائدة عن تلبية مصارف العين التي حددها الواقف، لأن المصارف التي حددها الواقف
تندرج ضمن نص الواقف الذي ينبغي احترامه والعمل بمقتضاه، ومن ضوابط إستثمار عائدات الوقف أن يكون مجال الإستثمار موافقا لأحكام الشريعة
الإسلامية، فلا يجوز إستثمار الفائض من
عائدات الوقف في مشاريع وانشطة إستثمارية تحرمها الشريعة الإسلامية، كما ينبغي أن
تكون المجالات الإستثمارية متناسبة مع ضروريات المجتمع وإحتياجاته بحسب الزمان
والمكان، ومن الضوابط أن تكون الأرباح التي يحققها الإستثمار معقولة ، فلا تتم
المبالغة أو الزيادة فيها ، لأن ذلك يتنافي مع مفهوم المبرة أو القربة في الوقف فالقربة عماد الوقف ،ولذلك ينبغي أن تكون الرسوم
والأثمان التي يتم تقاضيها عن السلع والخدمات معقولة تتناسب مع وظيفة الوقف
بإعتبارة مبرة وقربة إلى الله تعالى، إضافة إلى أنه ينبغي أن يكون المشروع
الإستثماري غير عرضة للخسارة ما أمكن ذلك ،ولهذا الغرض ينبغي أن تسبق عملية الإستثمار دراسة جدوى جادة
تتضمن الأرباح المتوقعة والخسائر المحتملة للمشروع الاستثماري وكيفية تلافي وقوع الخسارة في
المستقبل.
الوجه الخامس: الإستثمار في العين الموقوفة:
ذكرنا
في الوجه الأول عدم جواز المتاجرة بالأعيان الموقوفة بيعاً وشراءً، لأن هذه
التصرفات دائرة بين الضرر والنفع أو الربح والخسارة، بيد أنه يجوز إستثمار منفعة
العين الموقوفة بما يحقق أغراض الوقف والواقف ويحفظ العين الموقوفة، مثل التأجير المنتهي
بالتمليك مثلما حدث في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، فيجوز للأوقاف أن
تقوم بتأجير العين الموقوفة إلى المستأجر الذي يقوم بإنشاء مشروع إستثماري مثل سوق
تجاري (مول) أو قاعة أفراح أو مستشفي ... وغيرها، مقابل إيجار خلال مدة معينة يقوم
المستاجر بعد انقضاء مدة الايجار بإخلاء
العين والمشروع الاستثماري القائم عليها
وتسليمهما معا إلى الأوقاف.
الوجه السادس: مصلحة الوقف عند إستثمار الوقف:
من
خلال ما سبق ذكره في الأوجه السابقة فإن مصلحة الوقف تتحقق في إستثمار أموال الوقف
إذا كان هذا الإستثمار يحقق أغراض الواقف والوقف وينمي العين الموقوفة ويطورها ويحافظ عليها وعلى
منافعها ويزيد من عائداتها، ولا يترتب على
هذا الإستثمار فقدان العين الموقوفة أو ضياعها، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
ولهذه الغاية فقد تم في اليمن إنشاء مؤسسة الأوقاف للتنمية والإستثمار بموجب القرار الجمهوري رقم (202) لسنة 2009م، وقد تضمن هذا القرار أغراض المؤسسة والأنشطة الإستثمارية التي تباشرها وضوابط الإستثمار، والله اعلم.