صلاحية القضية للفصل فيها من المحكمة العليا


صلاحية القضية للفصل فيها من المحكمة العليا
صلاحية القضية للفصل فيها من المحكمة العليا
صلاحية القضية للفصل فيها من المحكمة العليا

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

المحكمة العليا في اليمن (محكمة النقض) هي محكمة قانون، وظيفتها الرئيسة الرقابة على إلتزام أحكام محاكم الموضوع بالقانون عن طريق إتصالها بالطعون بالنقض التي يرفعها الخصوم أمام المحكمة العليا، فإذا ظهر لها أن الحكم المطعون فيه موافق للشرع والقانون أقرته وإن ظهر لها أن الحكم المطعون فيه مخالف للشرع والقانون نقضته، ولذلك كان يطلق عليها في اليمن في الماضي المحكمة العليا للنقض والإقرار وقبل ذلك كان يطلق عليها المحكمة الاستئنافية العليا للنقض والإبرام (تطور وتطوير القضاء في اليمن، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص32).

وعلى هذا الأساس فالمحكمة العليا في اليمن ليست في الأصل محكمة موضوع تجري تحقيقاً موضوعياً أو تستوفي الاجراءات والمسائل الموضوعية عند نظرها في الطعون المرفوعة أمامها، إلا أنه على سبيل الاستثناء  اجاز قانون المرافعات اليمني للمحكمة العليا أن تفصل في موضوع القضية عند الطعن بالنقض في الحكم للمرة الثانية إذا كانت القضية صالحه للفصل فيها، كذلك اجازت تعديلات قانون المرافعات في يناير 2021م اجازت الطعن أمام المحكمة العليا في قضايا كثيرة كمسائل الاحوال الشخصية والإيجار والشفعة والفسوخ، واجازت هذه التعديلات للمحكمة العليا الفصل في الموضوع إذا كانت القضية صالحة للفصل فيها، ولم يشر القانون إلى المقصود بصلاحية القضية للفصل فيها من قبل المحكمة العليا، وقد ألمح الحكم محل تعليقنا إلى بعض الحالات التي لا تكون فيها القضية صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا مع أن الطعن بالنقض للمرة الثانية، حسبما ورد في الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/2/2010م في الطعن رقم (35977)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وحيث أن القضية فيما تم التوجيه به غير صالحة للفصل فيها، لأن البعض من المستندات لم يتم عرضها على المطعون ضده لمعرفة موقفه منها ومناقشتها وإستيفاء ما يلزم بشأنها ولم تبد الشعبة رأيها فيها وفق أسباب كافية ، مما استلزم نقض الحكم الاستئنافي وإعادة ملف القضية إلى الشعبة لإستيفاء ما تم ذكره))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: صلاحيات المحكمة العليا في الحكم في موضوع القضية:

نصت المادة (300) مرافعات على أنه (إذا رأت المحكمة العليا أن منطوق الحكم المطعون فيه موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون رفضت الطعن وتحكم على رافعه بالنفقات ومصادرة الكفالة، وإذا تبين إرادة الكيد من الطاعن حكمت عليه بالغرامة للخزينة العامة والتعويض المناسب للمطعون ضده إذا طلب ذلك أما إذا كان الحكم المطعون فيه غير موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون فللمحكمة العليا ان تحكم في الموضوع ما دامت القضية صالحة للحكم وإلا نقضت الحكم المطعون فيه كله أو بعضه واعادته للمحكمة التي اصدرته للحكم فيه من جديد متبعة توجيه المحكمة العليا).

فهذا النص قد اجاز للمحكمة العليا أن تفصل في موضوع القضية إذا كانت القضية صالحة للفصل فيها أي إذا كان موضوع القضية صالحا للفصل فيه ، قد سبق لمحكمة الموضوع ان استوفت كافة الاجراءات والمسائل الموضوعية، واجرت التحقيقات الموضوعية  اللازمة في الادلة والمسائل الموضوعية، وفصل المحكمة العليا في موضوع القضية في  هذه الحالة جوازي وليس وجوبياً حسب صياغة النص السابق (للمحكمة العليا)، ومع أن هذا النص جوازي إلا ان النص ذاته قد اشترط لنظر المحكمة العليا لموضوع القضية والفصل فيه أن تكون القضية التي تناولها الطعن بالنقض صالحة للفصل فيها.

الوجه الثاني: مظاهر صلاحية القضية للفصل فيها من قبل المحكمة العليا:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن القضية التي تناولها لم تكن صالحة للفصل من قبل المحكمة العليا رغم ان الطعن كان للمرة الثانية، لأن هناك مستندات لم يتم مواجهة الخصم الآخر بها ، كما أن  محكمة الاستئناف لم تبد رأيها في تلك  المستندات  ولم تقم بمناقشتها، وماورد في الحكم محل تعليقنا بعض مظاهر عدم صلاحية القضية للفصل فيها، ومن خلال مطالعتنا المستمرة لاحكام المحكمة العليا في اليمن يظهر أن هناك  مظاهر اخرى لعدم صلاحية القضية للفصل فيها من قبل المحكمة العليا، ويمكن عرض بعض مظاهر عدم صلاحية القضية للفصل فيها من قبل المحكمة العليا على النحو الآتي:

المظهر الأول: عدم مواجهة الخصم بالمستندات: فإذا كانت المستندات مؤثرة يترتب عليها تغيير وجه الرأي في القضية، ولم تقم محكمة الموضوع بمواجهة الخصم بها ليدلي بأوجه دفاعه في مواجهتها، فإن ذلك يجعل القضية غير صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا، لأن جلسات المحكمة العليا غير علنية، فالمحكمة العليا لا تستطيع مواجهة الخصم بالمستندات التي تقم محكمة الموضوع بمواجهة الخصم بها ، كما أن المحكمة العليا لا تستطيع السماع إلى أوجه دفاع الخصم في مواجهة المستندات، فلو قامت المحكمة العليا بذلك لصارت محكمة موضوع.

المظهر الثاني: عدم إبداء محكمة الموضوع لرأيها في الأدلة سلباً أو إيجاباً: فإذا لم تبد محكمة الموضوع رأيها في طلب من الطلبات أو دليل من الأدلة المقدمة من الخصوم أمامها، فإن القضية لا تكون صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا، لأن إبداء محكمة الموضوع لرأيها في ذلك يعني أن محكمة الموضوع قد احاطت بموضوع  الخلاف وناقشت تفصيلاً طلبات الخصوم وأدلتهم، ومن خلال ذلك توصلت محكمة الموضوع إلى وجه الرأي فيها – فإذا لم تقم محكمة الموضوع بذلك فإن القضية لا تكون صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا.

المظهر الثالث: إغفال محكمة الموضوع لطلبات وأوجه دفاع جوهرية: فإذا اغفلت محكمة الموضوع كل أو بعض طلبات الخصوم الجوهرية فإن القضية لا تكون صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا ، لأنه يتعذر على المحكمة العليا الدراسة والتمحيص لتلك الطلبات وأوجه الدفاع الجوهرية للتحقق من وجاهتها، لأن ذلك يحتاج إلى تحقيق موضوعي تجريه المحكمة العليا، وذلك التحقيق الموضوعي لا يتناسب مع مكانة المحكمة العليا كمحكمة قانون.

المظهر الرابع: وجود المسائل الموضوعية والأدلة التي تحتاج إلى تحقيق موضوعي: فإذا كانت هناك مسائل موضوعية أو أدلة مثارة في الطعن بالنقض تجاهلها الحكم المطعون فيه أو لم يناقشها فإن القضية لا تكون صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا، لأن المسائل الموضوعية والادلة تحتاج إلى تحقيق موضوعي تجريه محكمة الموضوع في مواجهة الخصوم ، في حين أن المحكمة العليا لا تملك ذلك.

المظهر الخامس: الإحتياج الملح للاستعانة بأعمال الخبرة: فإذا ظهر للمحكمة العليا عند دراستها لأوراق القضية أن هناك حاجة للاستعانة بأعمال الخبرة للوقوف على الحقيقة في النزاع فإن ذلك يجعل القضية غير صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا، لأن الاستعانة بأعمال الخبرة يحتاج إلى إجراءات يتعذر على المحكمة العليا مباشرتها مثل تعيين الخبير وتحليفه اليمين وتقدير اتعابه ومناقشة تقريره الأولى والاستماع إلى ملاحظات الخصوم على التقرير النهائي للخبير.

المظهر السادس: الاستماع إلى شهادة شهود: فإذا ظهر للمحكمة العليا من خلال دراستها لأوراق القضية ضرورة الاستماع إلى أقوال شهود، فإن ذلك يجعل القضية غير صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا، لأن الاستماع إلى أقوال شهود يحتاج إلى تكليف الشهود بالحضورواستدعاؤهم والاستماع إلى شهاداتهم بحضور الخصوم ومناقشة الشهود من قبل المحكمة والخصوم، وذلك متعذر على المحكمة العليا.

المظهر السابع: الاحتياج إلى توجيه اليمين المتممة أو يمين الاستيثاق أو الاستظهار: فاذا وجدت المحكمة العليا ان القضية تحتاج إلى توجيه يمين الاستيثاق أو الاستظهار أو اليمين المتممة لاحد الخصوم ، فان القضية في هذه الحالة غير صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا ويجب إعادتها لمحكمه الموضوع.

المظهر الثامن: عدم إستيفاء محكمة الموضوع للاجراءات الموضوعية الجوهرية في القضية: وهذا المظهر عام وشامل لما سبق ذكره ولما لم يتم ذكره.

المظهر التاسع: كل  ما يحتاج إلى تحقيق موضوعي:  فاذا وجدت المحكمة العليا ان هناك إجراء او دليل او مسالة تحتاج إلى تحقيق موضوعي، فان ذلك يجعل القضية غير صالحة للفصل فيها من قبل المحكمة العليا، ويجب إعادة القضية الى محكمة الموضوع ، وأيضاً هذا المظهر عام وشامل، والله أعلم.